loading ad...
لم تكن معركة الكرامة مجرَّد صدامٍ عسكريٍّ بين جيشين، بل كانت قصيدةً إنسانيَّةً نُقشت بحروف من نور على جبين التاريخ، تُخلِّد انتصارَ الإيمان على اليأس، والتضحيةَ على الأنانية، وإرادةَ الشعب الأردني التي حوَّلت تراب الوطن إلى حصونٍ منيعة. ففي الحادي والعشرين من آذار عام 1968، لم يُقاتل الجنديُّ الأردنيّ بالسلاح فحسب، بل بقلبِ الأمِّ الحاني، وعرقِ الفلاحِ الصامد، ودمعةِ الطفلِ التي ترفض أن تُسرقَ منها سماؤها. اضافة اعلان
عندما اجتازت دبابات العدو نهر الأردن، يحمل جنودُها أوهامَ السيطرةِ على المرتفعات الشرقية لنهر الاردن، وقف الجنديُّ الأردنيُّ كالسنديانة المتجذِّرة في أرض الكرامة، لم يكن في يده سوى إرث الأجداد، وإيمانٌ بأنَّ الله لن يخذل دمعةَ أمٍّ تُودع ابنها على حدود الوطن.
يقول أحد الجنود الذين قاتلوا في تلك المعركة في شهادته: "كنا نسمع دويَّ الطائرات، فنتذكر صوتَ أذان الفجر في قريتنا، فتنبعث فينا قوةٌ لا نعرف مصدرها إلا من حبٍّ لهذا التراب". ولم تكن خُططُ الدفاعِ محضَ استراتيجياتٍ عسكريةٍ باردة، بل كانت حكمةَ قائدٍ عرف أنَّ المعركة تُربَح بإيمان المقاتل قبل سلاحه.
في ساعاتِ المعركةِ الحاسمة، لم يتردَّد الجنديٌّ الأردني في أن يكون جسدَهُ درعًا وفداء لتراب الوطن الغالي.
عندما انسحب العدو مذعورًا تاركًا خلفه جثثَ قتلاه وآلياتِه المحترقة، لم يكن النصرُ عسكريًّا فحسب، بل إثباتًا أنَّ كرامةَ الأمةِ لا تُقاس بعدد الدبابات، بل بقوةِ قلوب أبنائها وتضحياتهم لتبقى راية الوطن خفاقة عالية، فهذا الجيشُ من لحمنا ودمنا، فمن يجرؤ على مسّ حصوننا؟!.
اليوم، وبعد مرور أكثرَ من نصف قرنٍ، ما تزال حكاياتُ الكرامة تُروى في المدارس، وتُغنَّى في المناسبات، وتُحفَر في ضمير كلِّ أردنيٍّ كشاهدٍ على أنَّ الوطنَ يُبنى بالإرادةِ والصمود، فكلُّ جنديٍّ يخدم تحت الراية الهاشمية اليوم، هو امتدادٌ لأولئك الأبطال الذين علَّمونا أنَّ الانتماءَ للوطن ليس شعارًا، بل دمٌ يبذل، وعهدٌ لا يُنكث.
بقى أن اقول ان معركة الكرامة لم تنتهِ في آذار 1968، بل هي جذوةٌ متَّقدةٌ في قلب كلِّ أردنيٍّ يؤمن بأنَّ كرامتَهُ جزءٌ من كرامةِ الوطن والأمة.
رحم الله شهداءنا الأبرار، الذين جعلوا من أرواحهم سُلمًا لِعُلياء الأردن، وهم يُرددون: "الموتُ ولا المذلة". فسلامٌ عليهم يومَ وُلدوا، ويومَ استُشهدوا، ويومَ يُبعثونَ أحياءً في ضميرِ وطنٍ لن يُهان في ظل الغر الميامين من بني هاشم بقيادة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه.
*مدير التوجيه المعنوي / الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة سابقًا.
0 تعليق