الأمن المجتمعي و«نزاهة» وترسيخ القِيَم

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
الحياةُ ليستْ نزوةً، وإن كانت لا تخلو من نزوات، وليست نيل مطامع وشهوات، وإن كانت الأنفس مجبولة على التعلق بالمطامع والشهوات، ولا يمكن أن نتصوّر مجتمعاً بشريّاً مُجْمِعاً على رأي، أو فكرة، أو توجّه، أو سلوك، بنسبة مائة في المائة، ومن السهل على المجتمع أن تقع العين فيه على من يريد لجم بعض المظاهر والظواهر، والحجر واسعاً، كما تقع على مجموعات تطمح إلى إطلاق العنان لكل محبوبات، ومرغوبات النفس البشرية، وبين إفراط الطبائع وتفريطها، يحضر القانون، ليضبط، ويحدّ، ويردع، فالأنظمة والأحكام لا تتعسف بتكبيلها نوازع ومتطلبات العاطفة، كما أنها تؤمن بأنه ليس من العدل إطلاق الحبل على الغارب لكل صاحب هوىً أو بدعة أو طالب لذة بوحي من الغرائز.

وتضطلع الدولة بالحفاظ على القِيَم والحريّات، وتصون أخلاق المجتمعات، بل و ترسّخ القِيَم التي من شأنها أن تشعر مواطنيها بالطمأنينة، فالمجتمع البشري ليس مكوّناً من مجموعات عقلاء وفضلاء مدن فاضلة، إلا أن غالبية البشر لا تريد الفوضى، ولا تحبّذ الجهر بالسوء، وتتوجّس خيفةً من كل ما من شأنه أن يحيل أمنها إلى خوف، وسلامها إلى شقاق ونزاع، وأدبها إلى سفاهة وهمجية، وصرامة الدولة مع العبث مصدر اعتزاز المواطن الصالح.

بالطبع الدولة تحسن الظن في مواطنيها، وتعلم أنه ليس هناك شخص سويّ، تربّى في أحضان أسرة مُحترمة، يستمرئ الفساد، أو يجنح دوماً إلى تبنّي وإشاعة صوره المادية والمعنوية، ومما عَلِمنا وخبرنا أنّ من يبشّر بالفساد، أو يزكّي أهله ضعيف نفس، وأعمى بصيرة، وحائد عن الصواب، ومثله مثل متطرف إرهابي، يستهدف وطناً آمناً، ومن يستهدف وطنه وأهله بالفساد السلوكي ساقط منحلّ (ولا تَغْلُ في شَيْءٍ مِنَ الأمْرِ واقْتَصِد؛ كِلا طَرَفَيْ قَصْدِ الأُمُورِ ذَمِيمُ).

وبحكم انتماء المواطن لهذا الكيان القائم على منهج ورؤية، فإنه يفخر بما حققته «نزاهة» في الحدّ من الرشاوى والمحسوبية، والتزوير، ونهب المال العام، واستغلال السلطة؛ فكل ذلك خلق وعياً وطنيّاً يرتكز على ترسيخ القناعة بأهمية المال الحلال؛ كون الريال الحلال أبرك من مائة وألف ومليون من حرام، كما أن المال العام ليس كلأً مشاعاً، يرتع فيه من يشاء كيفما شاء، فهو مال بناء وتحصين حدود وطن، ودفع رواتب موظفين، واعتماد ميزانية مشاريع دولة، وتسليح جيش، ورعاية وكفالة أرامل وأيتام وذوي احتياجات.

وربما لم يُدرك بعض الطامعين بأنّ كيان الدولة مُقدّس، وأن كيانات خسرت قداستها وقوتها بالتطاول على شريان حياتها، والقفز على الأنظمة والقوانين والتشريعات، وفيما نحن نشهد ونُشيدُ بما أنجزت «نزاهة» أعلنت وزارة الداخلية عن استحداث الإدارة العامة للأمن المجتمعي، وذلك من مترادفات الخير والإصلاح في البلد الأمين.

ولا شك أن من أدبيات النظام صيانة الحريّات الشخصية، إلا أن الحريّة عند الحضاريين لا تُمتهن، لأنها قيمة عليا، ولا أبلغ من تعريف الحُريّة بأنها (مسؤولية)، وانضباط وعفّة، واستشعار لواجب المواطنة، الذي هو أخلاقي وقانوني.

وإدارة الأمن المجتمعي لبنة في منظومة الإصلاح آتت وستؤتي ثمارها بعون الله.

ولا شك أن مُجتمع القِيَم أصلب وأقوى من أيّ مجتمع خالٍ من القِيَم والمبادئ والأخلاق، قلتُ (أقوى) لأنه يقوم على أسمى ما يحمله مواطن في قلبه، ألا وهو مخافة الله؛ وما يسكن مشاعره؛ من حرص يسكنه عقله وجوارحه على أمن وسمعة الوطن.

ولا ريب أن أي بلد من البلدان يضم مجتمعات بشرية لديها قابلية للأخطاء والخطايا، مثلما عندها نزعة الخير التي تعيدها إلى الجادة، كلما زلّت بها قدم أو انحرف بها مسار، والدولة لا تريد شعبها وحوشاً ضارية تفتك ببعضها، ولا تريده «دُمْىً» سلبيّة وصوراً هيكلية لا يحركها شعور البسمة والطرب والفرح.

بعد غدٍ يوم عيد، ومن حق الإنسان أن يفرح، ولكن الاقتصاد في الفرح من أخلاق العقلاء والنبلاء، فالعالم العربي في معظمه يئن من وطأة حروب وفتن ورزايا؛ وفي مواسم الأفراح تتجلى أخلاق المجتمع، ولا خلاف على أنّ الدوّل الوطنية لا تصادر حق المواطن في حريّة لا تخلّ بأمنه، ولا تؤذي غيره، وهي تحرص في ذات الوقت على أن يكون مواطنوها أسوياء؛ يوظفون ما يكتسبون من الحرية في الارتقاء بالذات، وإنصاف المنجزات، وإبراز الوجه المشرق للمكتسبات؛ بأنبل وأنقى الصفات.

وليست القِيَم غائبة عنّا، ولا غريبةً علينا، عدا أن المتغيرات المتسارعة، والانفتاح دون وعي، ربما أربك حراك وأولويات الناس، ولعلنا بحاجة إلى تعزيز وترسيخ قيم وآداب وفضائل الإسلام والعروبة وأخلاق قادتنا وعلمائنا، من خلال المناهج الدراسية، والإعلام، والمنابر، فالتعليم والتدريب على غرس الفضائل في نفوس الأجيال على مدى عقود يحد من الشرّ بكافة أشكاله وأنواعه وصوره.

تلويحة: يعتقد غيرُ السويّ، والسفيه أن في تبسمك لهما أو السكوت على بعض تجاوزاتهما رضاً عن تصرفاتهما.

أخبار ذات صلة

 

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق