د. سهير بنت سند المهندي
في لفتة إنسانية سامية، تفضل حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، حفظه الله ورعاه، بإصدار عفو ملكي عن 630 نزيلاً ممن قضوا جزءاً من عقوباتهم، وذلك بمناسبة عيد الفطر المبارك، وهو نهج كريم اعتاد عليه شعب البحرين كجزء من رؤية القيادة لتعزيز مفهوم العدالة الإصلاحية، والتي تم تطبيقها بشكل دوري منذ عقود مع تطوير برامجها لتشمل العقوبات البديلة وإعادة التأهيل الاجتماعي، والتي تعكس فلسفة القيادة في تمكين الأفراد وإعطائهم الفرصة للعودة إلى المجتمع والمساهمة في نهضته حيث تعزيز الاستقرار المجتمعي وتقليل نسب العودة إلى المخالفات القانونية.
يأتي العفو الملكي على رأس سلسلة من المبادرات الإنسانية التي درجت عليها المملكة، حيث شهدت الأعوام الماضية قرارات مماثلة بأعداد متفاوتة تتراوح ما بين 500 و900 نزيل من المفرج عنهم، وفقاً لمعايير قانونية وإنسانية دقيقة، كما لعب التوسع في تطبيق العقوبات البديلة دورًا في تقليل أعداد المشمولين بالعفو، إذ يتم استبدال عقوبة الحبس ببرامج إصلاحية تعزز فرص الاندماج الاجتماعي، حيث تشير الدراسات إلى أن فرص إعادة التأهيل ترتفع بشكل ملحوظ عند إتاحة الفرصة للمحكومين للمشاركة في برامج الإصلاح.
وفي سياق النهج الوطني الإنساني، يأتي برنامج «فاعل خير» الذي انطلق في العام 2020 كإحدى المبادرات الموازية التي تعكس قيم التكافل والتضامن المجتمعي، يسهم في مساعدة المحكومين بقضايا مالية على تسديد ديونهم، مما يمكّنهم من استعادة حياتهم الطبيعية والانخراط مجدداً في المجتمع، ولا يقتصر أثر هذه المبادرات على الأفراد المستفيدين منها، بل يمتد ليشمل أسرهم، حيث يسهم الإفراج عن المعسرين في تعزيز الاستقرار الأسري والاجتماعي، خاصةً في المناسبات الدينية التي تحمل أبعاداً إنسانية عميقة.
إن العفو الملكي والمبادرات الوطنية في برنامج «فاعل خير» يعكسان رؤية البحرين 2030 في تعزيز العدالة الإصلاحية وتكريس مبدأ التسامح، حيث تتكامل هذه المبادرات مع الجهود الوطنية الرامية إلى تخفيف الأعباء عن الأسر البحرينية وفتح آفاق جديدة أمام الأفراد المستحقين لفرصة ثانية، كما أن الأثر الاقتصادي لهذه المبادرات لا يمكن إغفاله، حيث يسهم العفو في تخفيف الأعباء عن المؤسسات الإصلاحية، بينما يعيد برنامج «فاعل خير» للأفراد القدرة على المشاركة في سوق العمل والإنتاج الوطني، أما من الناحية الأسرية، فإن إعادة لمّ شمل الأسر في مناسبة دينية عظيمة كعيد الفطر يخلق أجواء من الفرح والاستقرار، وهو أمر بالغ الأهمية في تقوية النسيج الاجتماعي البحريني.
وفي هذه المناسبة المباركة، نرفع أسمى آيات التهاني إلى القيادة الرشيدة وشعب البحرين، سائلين الله أن يعيدها على الجميع بالأمن والسلام، كما نثمن المبادرة الملكية الحكيمة التي تعكس بُعد نظر القيادة في ترسيخ مفهوم الإصلاح، ونجدد التأكيد على أن مثل هذه الخطوات ليست مجرد قرارات لحظية، بل هي منهجية مستدامة تهدف إلى بناء مجتمع أكثر تماسكاً وازدهاراً، وبالمقابل نشكر كل الداعمين لمبادرة «فاعل خير» التي تأتي بالتعاون مع وزارة الداخلية بهدف تعزيز القيم الوطنية، والتي ساهمت بشكل إيجابي في إعادة ومنهجة قوام الكثير من الأفراد المعسرين والمتعثرين ممن صدر بحقهم أحكام قضائية.
إن مملكة البحرين تثبت، عاماً بعد عام، أنها ليست فقط دولة مؤسسات وقانون، بل دولة إنسانية تؤمن بأن الإصلاح هو جوهر العدالة، وأن العفو عند المقدرة قوة تفتح آفاقاً جديدة لمن يستحق الفرصة الثانية.
* إعلامية وباحثة أكاديمية
0 تعليق