عثمان عادل العباسي
بعد نشرنا للمقال الأسبوع السابق عن «الريموت» الذي يقع في يد المسؤول الخطأ، قد يتساءل البعض: إذن، ما الحل؟ هل كتب علينا أن نظلّ ضحايا لتعثر مشاريعنا التقنية، بسبب شخصٍ لا يجيد استخدام التكنولوجيا؟ الحقيقة أن الحل أبسط بكثير مما نعتقد؛ فكل ما نحتاجه هو وجود قائدٍ حقيقي على رأس الهرم، قائدٍ يملك القدرة على اختيار من يمسك «الريموت» بعناية، قائد لا ينبهر بالكلام المعسول أو العروض التقنية المليئة بالمصطلحات المعقّدة دون نتائج حقيقية.
دعوني أقرب لكم الصورة بمثال بسيط يحدث كثيراً في حياتنا اليومية. تخيل رجلاً قرّر دخول المطبخ ليُعد لعائلته طبقاً جديداً. بحث عن وصفة شهية على الإنترنت، اشترى المقادير، ثم فوجئ بأن الطبخة أصعب مما توقع. هنا أمامه خياران فقط: إما أن يتراجع فوراً ويطلب «برجر» جاهزاً مدّعياً أن الطبخة معقدة جداً، أو يتحمل قليلًا من الفوضى ويتعلم من أخطائه ليخرج في النهاية بطبقٍ يستحق عناء المحاولة.
هذا بالضبط ما تحتاجه أي مؤسسة ترغب في تحقيق نجاحٍ حقيقي في مشاريعها التقنية. من خلال خبرتي العملية الطويلة، رأيت أن الفرق بين النجاح والفشل لا يكمن فقط في المسؤول التقني نفسه، بل في ذلك القائد أو صاحب القرار الذي يختاره. كثيراً ما ينخدع بعض أصحاب القرار بالكلمات البراقة التي يستخدمها المسؤول التقني، فيظنون أنه يحقق معجزات، بينما الحقيقة أن مؤسساتهم تدور في حلقات مفرغة من التجارب المكلفة وغير المجدية.
أحياناً يصرّ بعض المسؤولين على التظاهر بمعرفتهم بكل جديد في عالم التقنية، فيسارعون إلى اقتناء برامج وأجهزة قد لا تناسب المؤسسة، لمجرد إيهام الإدارة بأنهم مجتهدون وسبّاقون. والأسوأ أن تجد الإدارة تصفّق لهم دون أن تدرك أن هذه «الإنجازات» في حقيقتها مجرد خطوات متسرعة، تُغرق المؤسسة في دوامة من التكاليف والخسائر والتعقيدات غير الضرورية.
القائد الحقيقي هو من يدرك تماماً الفرق بين من يعمل فعلاً وبين من يتظاهر بالعمل؛ قائد لا ينجرف وراء كل جديد لامع، بل يعرف كيف يختار الشخص المناسب للمهمة. هذا القائد لا يتراجع عند أول عقبة، بل يقف بثبات في وجه السلبيين وأصحاب شعار «خلونا ندرس زيادة». هو مثل الأب الحكيم الذي يعلم ابنه ركوب الدراجة؛ من الطبيعي أن يسقط الطفل، لكن الأب يظل بجانبه يشجعه حتى يصبح قادراً على القيادة بثقة.
إن التغيير التقني الحقيقي يحتاج إلى قائدٍ يمتلك شجاعة الاختيار، يدرك أن مواجهة المقاومة الداخلية أمر طبيعي، لكنه يملك الإرادة الكافية لحماية ودعم من يختارهم. القائد الذي يدعم مسؤولاً تقنياً كفؤاً، سينجح في جعل مؤسسته تقفز سنواتٍ للأمام، بدلاً من أن تغرق في تجارب فاشلة تؤخرها سنوات طويلة.
عزيزي القارئ، إذا كنت تتساءل لماذا تنجح بعض المؤسسات تقنياً بينما تتعثر أخرى رغم توفر الإمكانات نفسها، فالسبب بسيط وواضح: الأمر مرتبط بوجود قائد حقيقي على رأس الهرم، قائد يملك رؤية واضحة، ويجيد اختيار الأشخاص المناسبين لإدارة المشاريع التقنية، ويمنحهم الدعم والصلاحيات الكافية لمواجهة التحديات. فالنجاح التقني الحقيقي لا يأتي من الأجهزة الحديثة أو الشعارات الجميلة، بل من حكمة من يختار الأشخاص الذين يعرفون جيداً متى وكيف يضغطون على الزر الصحيح!
* خبير تقني
0 تعليق