الفيدرالي والأسواق.. الرهان على التضخم

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يُشير الإجماع السائد إلى ضعف الأسواق بسبب رسوم ترامب الجمركية، لكن هذا عذر شائع لا معنى له. فلو كانت الرسوم الجمركية سبباً للقلق، لكانت الأسواق قد انهارت في عامي 2016 و2021. تذكروا أن بايدن حافظ على جميع رسوم ترامب الجمركية وزادها. وبين هذين العامين، كانت الرسوم الجمركية التي فرضها الاتحاد الأوروبي والصين على الولايات المتحدة أكبر بكثير من الرسوم المفروضة عليهما. ومع ذلك، لم تقرؤوا أو تسمعوا قط أن رسوم الاتحاد الأوروبي والصين الجمركية ستدمر الاقتصاد أو تؤدي إلى تضخم هائل.
يُريدكم الإجماع السائد دائماً أن تصدقوا أن الرسوم الجمركية مقبولة إذا فرضتها الدول الاشتراكية، وشر إذا فرضتها الولايات المتحدة. ومع ذلك، لو شعر السوق بالقلق من تلك الرسوم وتأثيرها الكارثي في الاقتصاد، لما ارتفعت عائدات السندات الألمانية واليابانية، بل لكانت هبطت بشدة مع بحث المستثمرين عن ملاذ آمن. علاوة على ذلك، لو كان العالم يخشى كارثة اقتصادية أمريكية، لما انخفضت عوائد سندات الخزانة.
ولو كان الأمر كذلك، لانخفضت عوائد السندات الألمانية واليابانية كما أسلفنا، في مقابل ارتفاع عوائد السندات الأمريكية. لكن ما يحدث هو عكس ذلك تماماً. فقد ارتفع عائد السندات الألمانية لأجل 10 سنوات بنسبة 21% في عام 2025، وقفز عائد السندات اليابانية المماثلة 34%، في حين انخفض عائد سندات الخزانة الأمريكية لنفس الأجل بنسبة 5.6%.
فما الذي يحدث على أرض الواقع؟ كثير من المشاركين في السوق مدمنون على طباعة النقود والبنوك المركزية المتساهلة. وفي الحقيقة، لم يشهد جيلان من المتداولين سوى ارتفاع الديون، وضخ السيولة، وأسعار الفائدة الحقيقية السلبية، ما ساعد على تبرير تزايد الإلحاح على تقييمات أسعار الأسهم والأصول ذات المخاطر. وهكذا، استقبل السوق البيانات الاقتصادية السيئة بتفاؤل، متوقعاً جولة أخرى من السخرية النقدية.
والسبب وراء تقلب الأسواق هو أن قلة من الناس يعرفون ما يجب فعله عندما يظل التضخم متعنتاً. فقد أصيب بنك الاحتياطي الفيدرالي بالذعر مرتين في عام 2024، واتبع سياسة متساهلة مضللة. حيث أجّل خفض الميزانية العمومية في يونيو/حزيران على الرغم من ارتفاع توقعات التضخم وضعف الأوضاع المالية. وفي سبتمبر/أيلول، قرر خفض أسعار الفائدة بشكل غير مبرر، على الرغم من أرقام التضخم الأساسي المقلقة وضعف الأوضاع المالية الأكبر في خمس سنوات. وأدى تفاؤل الفيدرالي المفرط بشأن مسار انكماش التضخم إلى زيادة كبيرة في ديون الهامش والانكشاف على أسواق الأسهم.
لقد افترضت التقديرات المتفق عليها ثلاثة أو أربعة تخفيضات في أسعار الفائدة في عام 2025. ومع ذلك، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتخذ المركزي الأمريكي موقفاً متشدداً وبدأ يشعر بالقلق من استمرار التضخم، وهو ما كان واضحاً بالفعل في خطوتيه الحمائميتين السابقتين. ولم تكترث الأسواق، وظلت تعتقد أن التضخم سينخفض بشكل سحري، على الرغم من ارتفاع الإنفاق بالعجز والديون القياسية، إضافة إلى أعلى نمو في المعروض النقدي في عشرين شهراً. وبحلول يناير/كانون الثاني، بدأ المشاركون في السوق يشعرون بالقلق من استمرار التضخم. وقرر «الفيدرالي» التعامل بجدية مع التضخم، وإصدار رسائل متشددة تزامناً مع نهاية الانتخابات.
ألم تفاجأ برؤية كيف كان الاحتياطي الفيدرالي متساهلاً ومتفائلاً بشكل غير معتاد طوال الحملة الانتخابية والانتخابات، ثم فجأةً تحول إلى متشدد وأحكم الخناق على السياسة النقدية بمجرد تولي الإدارة الجديدة السلطة؟ لقد توقف شعار «ارتفاع الأسعار لفترة أطول»، بشكل مفاجئ، في خضم الانتخابات، والآن عاد. إنه لأمر صادم، في الوقت الذي يُطبّق فيه البنك المركزي الأوروبي وبنك الشعب الصيني سياسات تيسيرية.
فلماذا ترتفع الأسواق في أوروبا وتنخفض في الولايات المتحدة؟ بالتأكيد ليس بسبب الرسوم الجمركية. فلو كان الأمر كذلك، لكانت السندات قد ارتفعت في ألمانيا واليابان، ولكانت الأسهم المستفيدة من تلك الرسوم قد نمت أيضاً. الإجابة أبسط: يراهن المشاركون في السوق على «فيدرالي» متشدد ومركزي أوروبي وآخر صيني متساهلان للغاية.
يخشى كثير من المشاركين في السوق من استمرار التضخم، لكنهم يستهدفون تدفقات رأس المال إلى الأسواق التي قد تستفيد من المزيد من طباعة النقود، كما هي الحال في أوروبا، وخطط التحفيز الصينية. ومع ذلك، هذا رهان محفوف بالمخاطر. فالرهان على الأسواق الأوروبية بسبب خطة إنفاق وتيسير ضخمة ليس بالأمر الجديد، لقد شهدنا ذلك من قبل. ولن يختلف الأمر مع الصين أيضاً، لأن فائض طاقتها الإنتاجية وتحديات سوق العقارات ناجمة عن خطط التحفيز السابقة.
قد يكون المشاركون في السوق الأمريكي معتادين على الإنفاق الجنوني والديون وطباعة النقود كأسباب للشراء. ومع ذلك، إذا لم تُخفّض الإدارة العجز وتجاوزات القطاع العام، فإن خطر الركود التضخمي الذي ناقشناه مراراً وتكراراً سيصبح واقعاً.
وعليه، يتعين على الإدارة الأمريكية اتخاذ ما يلزم للحد من اختلالاتها المالية، والقيام بذلك بسرعة، لأن الوضع ليس غير مستدام من منظور مالي فحسب، بل يُشكل أيضاً خطراً على العملة المحلية.
*أستاذ الاقتصاد العالمي في جامعة «آي إي» الإسبانية، وكبير الاقتصاديين في «تريسز» لإدارة الأصول «معهد ميزس»

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق