جعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الرسوم الجمركية حجر الزاوية في سياساته التجارية، مؤكداً أنها ستنعش قطاع التصنيع الأمريكي، من خلال ملء خزائن الحكومة، غير أن منتقدين يرون أن من شأنها أن تؤدي إلى ارتفاع التضخم، وتؤثر سلباً على النمو، وأن تسفر عن حرب تجارية، قد تُلحق أضراراً جسيمة بالولايات المتحدة والاقتصاد العالمي.
فرض ترامب رسوماً جمركية على شركائه التجاريين الرئيسيين كندا والمكسيك والصين، منذ عودته إلى البيت الأبيض، كما فتح جبهة على واردات الصلب والألمنيوم، مهدداً بفرض مزيد من الرسوم الأربعاء الذي أعلنه «يوم التحرير».
طبيعة الرسوم
الرسوم الجمركية هي تعريفات تدفعها الشركات المستوردة، مقابل مشترياتها من السلع الأجنبية، وعند فرض الرسوم يتعين على الشركات الاختيار بين دفع مزيد من المال مقابل السلع الأجنبية، وربما تحميل المستهلكين هذه التكاليف، أو البحث عن بدائل.
تُدرّ هذه الرسوم إيرادات للحكومات التي تفرضها وتُستخدم عادة لحماية الشركات والعمال من المنافسة الخارجية، ويمكن أن تجعل هذه الرسوم السلع المحلية أكثر تنافسية من حيث الكلفة، ما يشجع المشترين على اختيار الإنتاج المحلي بدلاً من المستورد.
فريق المؤيدين
يرى ترامب أن فرض رسوم جمركية على الواردات الرئيسية سيدفع الشركات إلى نقل المزيد من عمليات التصنيع إلى الولايات المتحدة أو شراء منتجات أمريكية الصنع، لتجنب الرسوم الإضافية.
ومن الأمثلة الشائعة لذلك «الضريبة على الدجاج»، في ستينات القرن الماضي، عندما عارض الرئيس ليندون جونسون الرسوم الجمركية الأوروبية على الدواجن الأمريكية، وفرض في المقابل ضريبة على الشاحنات المستوردة.
وحالياً لا تزال رسوم جمركية أمريكية بنسبة 25 في المئة مطبقة على الشاحنات الخفيفة، أحد الأسباب الرئيسية لكون معظم شاحنات البيك أب المبيعة محلياً، تُصنع في أمريكا الشمالية.
يقول البيت الأبيض إن الرسوم الجمركية الجديدة قد تُدرّ أيضاً أكثر من 6 تريليونات دولار على الخزائن الفيدرالية، على مدى العقد المقبل، أي نحو 600 مليار دولار سنوياً، علماً بأنه لم يُفصح عن خططه بالكامل بعد.
وفيما تسدد الشركات التي تتخذ من الولايات المتحدة مقراً الرسوم الجمركية عادة، قال مسؤولو البيت الأبيض إن البائعين الأجانب سيتحملون الزيادة بخفض أسعارهم وسط سعيهم للتعامل مع أكبر اقتصاد في العالم.
ويقول مؤيدو سياسات ترامب التجارية أيضاً إن الرسوم الجمركية لم تُسبب تضخماً واسع النطاق، خلال ولايته الأولى في البيت الأبيض.
فريق المعارضين
غير أن خبراء الاقتصاد يحذرون من أن زيادة الرسوم الجمركية قد تُلحق أذى اقتصادياً بالقطاعات المتضررة، فيما تسبب نهج ترامب غير المتسق في إعلان الرسوم في تراجع الأسواق المالية.
وإذا عجزت الشركات عن تحمّل الرسوم الإضافية، ورفض البائعون الأجانب خفض أسعارهم، فقد ينتقل عبء الرسوم إلى شركات أخرى أو إلى المستهلكين.
وقال محللون لدى مؤسسة «ويدبوش» للخدمات المالية إن رسوم ترامب الجمركية البالغة 25 في المئة على السيارات وقطع غيارها قد تتسبب في ارتفاع سعر السيارة العادية بين 5000 و10000 دولار.
وأضافوا أن شركات صناعة السيارات الأمريكية، التي تُنتج مركبات في البلاد، تستهلك ما يصل إلى 50% من قطع الغيار الأجنبية.
ورأوا أن «نقل 10% من سلسلة توريد السيارات إلى الولايات المتحدة، سيستغرق ثلاث سنوات، وسيُكلف مئات المليارات مع الكثير من التعقيد والتعطيل».
وتقدّر كبيرة الاقتصاديين في مؤسسة «نيشن وايد» للتأمين والخدمات المالية كاثي بوستجانسيك، أن تَتسبب الرسوم الأخيرة على السلع الصينية، إلى جانب واردات الصلب والألمنيوم، في ارتفاع أسعار مواد البناء بنسبة تصل إلى 9%.
وقالت إن أسعار الأجهزة المنزلية قد ترتفع أيضاً بما يصل إلى 15%.
ردود فعل
تُثير رسوم ترامب ردود فعل انتقامية أيضاً، وقد تسببت تدابير مضادة، بين منتصف 2018 وأواخر 2019، في خسائر في الصادرات الزراعية الأمريكية تجاوزت 27 مليار دولار.
وقالت مؤسسة الأبحاث «تاكس فاوندشين» المعنية بالسياسات الضريبية والتحاليل الاقتصادية إنه «بناء على بيانات تحصيل الإيرادات الفعلية، أدت رسوم الحرب التجارية بشكل مباشر إلى زيادة تحصيل الضرائب بمقدار 200 إلى 300 دولار سنوياً لكل أسرة أمريكية في المعدل».
وأضافت أن هذه التقديرات لا تضع في الاعتبار «انخفاض الدخل نتيجة انكماش الإنتاج بسبب الرسوم الجمركية، ولا تراجع خيارات المستهلكين»، مع بحث المشترين عن بدائل معفاة من الرسوم. (أ ف ب)
رسوم ترامب تُبقي أبواب الاقتصاد مشرعة على الانتعاش أو التقييد

رسوم ترامب تُبقي أبواب الاقتصاد مشرعة على الانتعاش أو التقييد
0 تعليق