دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- سنّ البلوغ يُعدّ أحد أبرز المراحل في حياة الشباب، وأكثرها إحراجًا، حيث تسبب التحوّلات الهرمونية تغييرات هائلة في الجسم والعقل، وتشمل طفرات نموّ تتعدّى الطول، ونموّ الشعر، والتقلبات المزاجية التي تتجاوز نوبات الغضب.
يُرادف سنّ البلوغ لغالبية الناس الصحوة الجنسية، إذ قد تكون هذه العملية محفوفة بالقلق، وانعدام الشعور بالأمان، والاضطرابات العاطفية.
صرّحت الدكتورة كارا ناترسون وهي طبيبة أطفال، ومؤلفة سلسلة الكتب الأكثر مبيعاً للفتيات يعنوان "رعايتك والحفاظ عليك" (The Care and Keeping of You)، والمجلد المنفصل التالي للأولاد، "أمور الرجال" (Guy Stuff). في لقاء أجرته مع كبير المراسلين الطبيين لدى CNN، الدكتور سانجاي غوبتا في إطار برنامجه Chasing Life أنّ "البلوغ، في أضيق تعريف له، هو الطريق إلى النضج الجنسي".
وقالت ناترسون إنّ التعريف الأوسع يشمل تأثيرات كل تلك الهرمونات الجنسية، مثل الإستروجين، والبروجسترون، والتستوستيرون، وما يرافقها من "تقلبات المزاج، وتحولات الصداقة، وطريقة اتخاذ القرارات لدى الأطفال في طور النمو".
لكنها لم تُدرك نقص المعلومات المتاحة إلا بعد أن بلغ أطفالها سن المراهقة، إذ قالت: "دخل أطفالي سن البلوغ، وأصبح واضحًا لي تمامًا أننا بحاجة إلى ما هو أكثر بكثير من مجرد كتابي الصغير وكتب الآخرين".
بهدف المساعدة في سدّ هذا الفراغ وتخفيف وطأة غموض هذه المرحلة من الحياة (وأحيانًا الشعور بالخجل)، أنشأت مع صديقة لها منصة lessawkward.com.
بينما أن عملية البلوغ لم تتغير، إلا أن توقيتها قد تغيّر، إذ قالت ناترسون لغوبتا: "يبدأ البلوغ (عالميًا) باكرًا، نحن نعرف ذلك منذ زمن طويل"، مضيفة أن أسباب ذلك متنوعة، تشمل التغيرات في متوسط وزن الأطفال، والعوامل البيئية، والضغوط النفسية والاجتماعية المستمرة.
ولفتت ناترسون إلى أنّه غالبًا ما يُخلط بين البلوغ وعملية بيولوجية منفصلة، لكنها وثيقة الصلة تُعرف بـ"تضخم الغدة الكظرية"، الذي يحدث عندما تُفرز الغدد الكظرية هرموني DHEA وDHEAS"، مُشيرة إلى أنهما يتشابهان مع الإستروجين والتستوستيرون. ويُحفّز هذان الهرمونان الجسم على إفراز المزيد من العرق، وفي أماكن مُعينة، إفراز بروتينات أكثر دهنية وكثافة، وبالتالي إنبات المزيد من الشعر".
وأوضحت أنّ هذا الأمر "يحدث بالتوازي مع وقت البلوغ تقريبًا، لكن قد يبدأ لدى بعض الأطفال، قبل ذلك بكثير. على سبيل المثال، قد يكون لدى طفل في الخامسة من عمره شعر عانة، وهو ليس في سن البلوغ".
هل ينبغي على الوالدين القلق؟ وإن كان الأمر كذلك فمتى؟
أشارت ناترسون إلى أنه يجب على أي شخص بالغ يعتقد أن أولاده سيدخلون سن البلوغ ولديه سؤال أو استفسار، التواصل مع مقدم رعاية صحية، الذي بدوره سيعاين الطفل بدنيًا لتحديد ما يحدث بالضبط.
ماذا يمكنكِ فعله لمساعدة طفلكِ على اجتياز هذه المرحلة الصعبة من حياته؟ تريد ناترسون من الأهل مراعاة هذه الأمور الخمسة.
البلوغ يبدأ باكرًا
صرحت ناترسون أنّ "متوسط العمر يبلغ ما بين 8 و9 سنوات للفتيات وما بين 9 و10 سنوات للأولاد، مما يعني أنه يحدث أبكر بمعدل سنتين إلى ثلاث سنوات مقارنة بما يحدث لكثيرين منا".
وأضافت أنها عندما كانت تدرس بكلية الطب، كان الطلاب يدرسون عن بداية البلوغ التي تترافق مع بداية نمو الثدي، في سن الحادية عشرة أو الحادية عشرة والنصف. لكن بعد ذلك، نُشرت دراسة رائدة شملت 17,000 فتاة في عام 1997، أظهرت أن متوسط عمر بداية نمو الثدي كان 9.96 سنوات للفتيات من البشرة البيصاء و8.87 سنوات للفتيات من البشرة السوداء.
وأكدّت دراسة أخرى شملت أكثر من 1,200 فتاة، نُشرت في عام 2010 هذه النتائج.
وقالت ناترسون: "لم تؤكّدها فحسب، بل نقلت نقطة البداية إلى أبعد من ذلك، إذ بدءًا من عام 2010، كنّا نعلم أنّ متوسّط عمر نمو الثدي لدى الفتيات يتراوح بين 8 و9 سنوات في هذا البلد. أما بالنسبة للشبان، فتبدأ مرحلة البلوغ بنمو الخصيتين والقضيب، وهو أمرٌ لا يعلمه غالبية الأهل صراحة.. يتراوح متوسط العمر بين 9 و10 سنوات".
تأثير الإنترنت
أشارت ناترسون إلى أن مرحلة البلوغ تختلف جذريًا اليوم عما كانت عليه قبل 20 عامًا، ويعود ذلك جزئيًا إلى انتشار الشاشات، موضحة أن "الهواتف المحمولة، والأجهزة اللوحية، وأجهزة الكمبيوتر، وأجهزة ألعاب الفيديو، تُغير طرق نمو الأطفال خلال سنوات ما قبل المراهقة وفترة المراهقة، جسديًا وعاطفيًا".
وأضافت: "الأجهزة ذاتها، سواء عبر محتواها الجذاب أو الضوء الأزرق المنبعث منها، تُبقي الأطفال مستيقظين حتى وقت متأخر من الليل، ما يُقلل بدوره من نومهم"، لافتة إلى أنّ "قلة النوم تؤثر على كل شيء، من عملية الأيض إلى النمو لديهم. أما عاطفيًا، تُقلّل قلة النوم من التركيز، وتُفاقم مشاكل الصحة العقلية وتُغير المزاج العام، وكل ذلك يؤثر على الصداقات، وعلاقات الأشقاء، والعلاقات العاطفية، وأكثر من ذلك".
تطرقت ناترسون إلى أنّ تأثير الشاشات قد يؤثّر بشكل مباشر على تقدير الذات، وسلوكيات المخاطرة، وخياراتهم بشأن أجسادهم.
وقد يشمل هذا المحتوى أيضًا المواد الإباحية، إذ أضافت أن "متوسط عمر المشاهدة الأولى للمواد الإباحية يبلغ 12 عامًا.. و15٪ من الأطفال في سن العاشرة شاهدوا هذا المحتوى". (تستند هذه الإحصائيات إلى استخدام المراهقين للمواد الإباحية الذي أبلغوا عنها ذاتيًا في استطلاع أجرته شركة Common Sense Media في عام 2022).
وقالت: "إذا لم تكن لديكم أحاديث كهذه حول الروائح، والمشاعر، والجنس وأمور أخرى مع أطفالكم، فإن شخصًا آخر سيفعل ذلك".
وتابعت أن البلوغ يؤثّر على الجسم والدماغ، موضحة أن "الهرمونات الجنسية ذاتها التي تُغير الجسم تؤثر أيضًا على الدماغ، وهو ما يُفسر كل شيء من تقلبات المزاج إلى التحولات الاجتماعية وصولًا إلى اتخاذ القرارات".
وأضافت: "الهرمونات الجنسية سواء كانت الإستروجين والبروجستيرون في مرحلة بلوغ الإناث، أو التستوستيرون في مرحلة بلوغ الذكور، جميعها تؤثر على الدماغ، وتُغير طريقة إطلاق الخلايا العصبية والتعبير عن المزاج".
وأكدت أن أكثر ما يحتاج إليه المراهقون هو مساحة للتحدّث، وإذا فشلت المحادثة وهو ما يمكن أن يحدث للجميع، يحب على الأهل المحاولة من جديد.
0 تعليق