أعادت الرسوم الجمركية التي وقعها الرئيس الأمريكي دونالد أمس واستهدفت عشرات الدول وأثارت بلبلة عالمية تنذر بمخاوف اقتصادية عميقة إلى الأذهان قانون مشابه يعود لعام 1789، والذي جاء لمواجهة غزو السلع للأسواق الأوروبية وحماية المؤسسات الناشئة وتوفير عائدات إضافية للخزانة.
فما بين عامي 1775 و1783، عاشت المستعمرات الثلاث عشرة، التي تحولت فيما بعد للولايات المتحدة الأمريكية، على وقع أحداث حرب الاستقلال.
وفي الـ3 من سبتمبر 1783، عرفت هذه الحرب نهايتها بشكل رسمي عقب توقيع اتفاقية باريس التي اعترفت على إثرها بريطانيا باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية بشكل رسمي.
إلى ذلك، عانى الاقتصاد الأمريكي من ويلات حرب الاستقلال حيث لم تمتلك البلاد مداخيل كافية لإعادة الهيكلة والإعمار ودفع عجلة الاقتصاد والحركة التجارية. وأمام هذا الوضع، خطط الأمريكيون لتمرير قوانين حول الرسوم الجمركية بهدف توفير مداخيل إضافية لملء الخزينة الوطنية وإنعاش الاقتصاد.
عقب حرب الاستقلال، عانت الولايات المتحدة الأمريكية ويلات أزمة اقتصادية خانقة. فأثناء الحرب، تحولت العمالة من مجال الزراعة والتجارة الشرعية نحو التصنيع والقرصنة. ومع نهاية الحرب، اختفى عدد كبير من هذه المهن التي حرم عدد منها حسب القوانين الأمريكية. من جهة ثانية، وجدت الولايات المتحدة الأمريكية نفسها أمام اقتصاد عاجز عن تحقيق مردود إيجابي. فتزامنًا مع تراجع الطلب على عدد من السلع التي تم التركيز عليها زمن الحرب وإقبال الأمريكيين على استيراد السلع الأوروبية الرخيصة، انهار العديد من الشركات والمؤسسات الأمريكية الصغيرة التي نشأت ما بعد الحرب وعجزت عن مقارعة السلع الأوروبية بالأسواق الأمريكية.
وخلال الأشهر التي سبقت تمرير أول قانون رسوم جمركية بتاريخ البلاد، تلقى الكونغرس الأمريكي العديد من العرائض، من أصحاب الشركات والمؤسسات الأمريكية، التي طالبته بالتحرك لمواجهة السلع الأوروبية التي أغرقت السوق الأمريكية وهددت التجارة والصناعة الوطنية.
إلى ذلك، عانى الكونغرس الكونفدرالي، خلال السنوات الأولى التي تلت الحرب، من حالة ضعف وتفكك جعلته غير قادر على مواجهة السلع الأوروبية، خاصة البريطانية، التي دخلت الأراضي الأمريكية وغزت الأسواق دون أي ضرائب أو رقابة.
وفي مقابل ذلك، كانت الدول الأوروبية، خاصة بريطانيا، فرضت ضرائب مرتفعة على السلع الأمريكية التي حلت بأراضيها جاعلة بذلك أسعارها مرتفعة وعملية تسويقها شبه مستحيلة.
أول قانون رسوم جمركية
وخلال الفترة ذاتها، عانت الخزينة الأمريكية تعاظم ديونها بسبب حرب الاستقلال وعدم امتلاكها لمصادر دخل كافية لسدادها، حيث منح الدستور الأمريكي الكونغرس حق فرض ضرائب جمركية. ومع تراكم الأزمات الاقتصادية، أصبحت عملية إقرار رسوم جمركية على السلع الأجنبية أمرًا ضروريًّا لضمان استمرار وجود الولايات المتحدة الأمريكية وتجنب خطر تفكك الاتحاد.
وبالكونغرس، انقسم النواب لشقين. فبينما أيد المصنعون الشماليون فرض رسوم جمركية عالية لحماية الصناعة، طالب المزارعون الجنوبيون برسوم جمركية منخفضة لضمان تواصل استيراد السلع الأوروبية الرخيصة.
عقب مشاورات مطولة، مرر الكونغرس الأمريكي قانون الرسوم الجمركية للعام 1789 عقب ضغوط مارسها النائب عن ولاية فرجينيا، والرئيس المستقبلي، جيمس ماديسون (James Madison). وقد كان الهدف من هذا القانون حينها دعم الحكومة وحماية الصناعة الوطنية الناشئة وضمان بعض المداخيل الإضافية لخزينة الدولة بهدف سداد الديون.
وبموجب هذا القانون الذي وقعه الرئيس جورج واشنطن يوم الـ6 من يوليو 1789، فرضت رسوم جمركية بقيمة 60 سنتًا على كل طن من السلع المستوردة بواسطة سفن أجنبية و30 سنتًا على كل طن يستورد على متن السفن الأمريكية المشغلة من قبل أطراف أجنبية و6 سنتات فقط على الطن المستورد بالنسبة للسفن المملوكة للأمريكيين.
0 تعليق