في تطور لافت قد يُغيّر ملامح المشهد الأمني في العراق والمنطقة، أبدت عدد من الفصائل المسلحة المدعومة من إيران استعدادها لنزع السلاح، تجنباً لتصعيد عسكري مباشر مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وجاءت هذه الخطوة استجابة لتحذيرات أمريكية شديدة اللهجة لبغداد، مفادها أن الفصائل قد تُستهدف بضربات جوية ما لم يتم تفكيكها.
محادثات متقدمة بين الحكومة وقادة الفصائل
أفاد سياسيون وقادة ميدانيون أن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني يجري محادثات "متقدمة جدًا" مع عدد من قادة الفصائل حول آلية نزع السلاح. ووفقًا لما صرّح به عزت الشابندر، السياسي الشيعي البارز، فإن الفصائل لا تُبدي تصلبًا في موقفها، بل تُدرك تمامًا حجم التهديدات الأمريكية، وتُفضل التهدئة على المواجهة.
الفصائل تُجنّب العراق التصعيد
قادة من فصائل بارزة مثل «كتائب حزب الله، حركة النجباء، كتائب سيد الشهداء، وأنصار الله الأوفياء» قالوا إنهم لا يرغبون بالتصعيد مع إدارة ترامب، وإنهم حصلوا على "الضوء الأخضر" من الحرس الثوري الإيراني لاتخاذ ما يرونه مناسبًا لحماية مصالحهم وتفادي مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة أو إسرائيل.
أحد قادة كتائب حزب الله علّق قائلاً: "ترامب مستعد لأخذ الحرب إلى مستويات أسوأ، ونحن نعلم ذلك جيداً، ونريد تفادي سيناريو كهذا."
انسحاب جزئي وإجراءات أمنية مشددة
منذ منتصف يناير، بدأت بعض الفصائل بالفعل بإخلاء مقراتها في مدن رئيسية مثل الموصل والأنبار، وتقليص وجودها خوفاً من ضربات جوية أميركية محتملة. كما عزّز قادة فصائل من إجراءاتهم الأمنية، فقاموا بتغيير مقرات سكنهم وأرقام هواتفهم ومركباتهم بشكل متكرر لتفادي الرصد والاستهداف.
دور الحرس الثوري الإيراني
بحسب المصادر، فإن الحرس الثوري الإيراني، وهو الداعم الرئيسي لهذه الفصائل، لم يمانع الخطوة، بل شجعها ضمنيًا حفاظًا على التوازن الإقليمي ومنع انهيار ما تبقى من «محور المقاومة الإيراني» الذي يواجه ضغوطًا شديدة منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر 2023.
محور المقاومة في موقف ضعيف
تعيش إيران مرحلة من التراجع الإقليمي بعد سلسلة من الضربات التي طالت حلفاءها في المنطقة. فحماس تتعرض لهجمات إسرائيلية متواصلة، وحزب الله في لبنان يواجه ضغطًا عسكريًا متصاعدًا، في حين استهدفت الولايات المتحدة مواقع للحوثيين في اليمن. وتأتي هذه التطورات في ظل تراجع نفوذ النظام السوري، أحد حلفاء طهران الرئيسيين سابقاً، ما يعزز من هشاشة محور المقاومة.
إمكانية دمج الفصائل أو تحويلها لأحزاب سياسية
من الخيارات المطروحة على طاولة النقاش، وفقًا لمصادر قريبة من المفاوضات، دمج عناصر الفصائل المسلحة ضمن القوات الأمنية الرسمية، أو تحويلها إلى أحزاب سياسية تعمل تحت مظلة النظام السياسي العراقي. إلا أن تنفيذ هذا السيناريو ما زال يواجه تحديات تتعلق بالثقة والتنسيق وآلية التطبيق.
الموقف الأميركي: لا ولاء لإيران
وزارة الخارجية الأميركية شددت في بيان لها أن هذه الفصائل يجب أن تخضع للقائد العام للقوات المسلحة العراقية وليس لإيران. وقال مسؤول أميركي، فضّل عدم ذكر اسمه، إن هناك تجارب سابقة توقفت فيها الهجمات لفترة قصيرة نتيجة الضغط الأميركي، لكنه شكك في مدى التزام الفصائل بنزع السلاح على المدى الطويل.
خاتمة: العراق بين ضغوط الخارج وحسابات الداخل
تجد الحكومة العراقية نفسها اليوم أمام معادلة معقدة؛ فهي تسعى للحفاظ على التوازن بين علاقاتها مع الولايات المتحدة وإيران، وفي الوقت ذاته تريد تفادي صراع دموي على أراضيها. ورغم أن قرار نزع السلاح لم يُحسم بعد، إلا أن مجرد انخراط الفصائل في حوار من هذا النوع يُعد سابقة، وقد يُمهّد الطريق لإعادة تشكيل المشهد الأمني والسياسي في العراق والمنطقة بأكملها.
0 تعليق