ريشة أبو حلاوة تجسد قضايا اجتماعية وإنسانية بمفردات تجريدية

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- يعتقد الفنان التشكيلي كمال أبو حلاوة، أن الحداثة وما بعدها أفسحت المجال لانفتاح بصري وفكري، حيث لم يعد الفن انعكاسا لمرئيات جامدة، بل صار وسيلة تحليل وتأمل ونقد للواقع، بكل تفاصيله وتعقيداته.اضافة اعلان
يمثل عمل أبو حلاوة تجربة فنية مميزة تظهر قدرة الفنان على دمج الهوية الثقافية المحلية مع مفاهيم وتجارب عالمية معاصرة. فهو لا يكتفي بالتعبير عن جماليات الطبيعة والمشاعر الإنسانية فحسب، بل يعيد صياغتها بأسلوب يجمع بين التجريد والرمزية.
ويعتبر أن هذا النهج المتوازن يظهر أن الفن لا يقيد نفسه بحدود جغرافية أو ثقافية، بل يصبح وسيلة للتواصل الإنساني العميق مع التجارب العالمية، مما يمكن من رؤيته كأحد الأصوات المهمة في المشهد الفني المعاصر على المستويين المحلي والدولي.
واستشهد أبو حلاوة الذي، لعب دورا مهما في دعم الحركة التشكيلية الأردنية وأسس معارض خاصة، مما ساهم في خلق منصة للتبادل الفني داخل الأردن وخارجه، بتجارب مثل تجربة "فرانسيس بيكون"، الذي عبر عن الاضطراب الوجودي والقلق الإنساني من خلال تشويه الجسد، وتجربة "جان ميشيل باسكيات" الذي لامس الهم الإنساني والسياسي بلغة بصرية مشحونة، تمثل له إشارات واضحة على أن الفن صار خطابا معاصرا يحاكي العقل لا العين فقط، وهذا ما استهواه إلى الجانب السيكولوجي في التكوين، كوسيلة لفهم الإنسان وإعادة الأسئلة.
ويشير إلى أنه يتعامل مع اللوحة كأداة حوارية ذات طابع اجتماعي وثقافي، تتقاطع فيها الذات مع الجماعة بحسبه، "أسعى إلى توظيف الفن لبناء جسور مع مختلف شرائح المجتمع، بهدف محو الأمية البصرية التي ما تزال تشكل حاجزًا بين المتلقي والعمل الفني، والإسهام في الارتقاء بالذائقة العامة في محيطي المحلي. هذه ليست مجرد ممارسة جمالية، بل هي مشروع فكري وتربوي، ينطلق من القناعة بأن الفن يمكنه أن يكون فاعلًا في التغيير، إذا ما أحسن توجيهه واستثماره".
ويقول أبو حلاوة: "حين أقف أمام لوحتي، لا أقف كصانع فحسب، بل ككائن يُولد من جديد في كل طبقة لون، في كل لمسة فرشاة، في كل صمتٍ يسكن بين ضربات الإيقاع البصري. لوحتي ليست مجرد مساحة أملؤها، بل هي كائن حي، أراها أحيانًا حبيبةً، وأحيانًاً طفلاً أتعامل معه بأقصى درجات الحساسية، أرعاه بخوف الأم ودهشة الاكتشاف الأول".
وشبه فرشاته عندما يحملها بالسيف، لا لمحاربة الجمال، بل لمواجهة القبح وعدوى الخفي والعجز والرتابة والصمت البصري، بحسب قوله: "أواجه بفرشاة ملطخة بالألوان، لا بالدماء، أقاتل عبر اللون لا بالعنف، أصرح في صمتي اللوني وأرقص على إيقاع الحياة، كما تفرضه اللحظة، متوتراً، عاصفاً، حنوناً، وعامضاً"، ولا يهتم لشكل السطح أو حجمه، كبيراً كان أو خامة صامتة، فالأثر وحده ما يهمه. التشكيلي أبو حلاوة، لا يخشى الغوص في طبقات الظل، بل يبحث فيها عن ذاته، عن صوته، عن وجعه، عن وجوه تشبه ألوان أمواجه الداخلية، كما لو كانت ترانيما ارتطمت بجدار الحياة، ويعيدها بلغة تعبيرية عاطفية مكثفة، تحتفي بالمفارقة، بالحزن وبفرح خافت لا يقال بالكلمات، معتبراً أن لوحته هي انفعاله المختزل، وهي مرآته حين تتشظى، وهي لغته حين يصمت الجميع وهي علاقته السرية بالعالم، ووسيلته الوحيدة التي يقول من خلالها إنه موجود هنا ويشعر بما حوله.
ولا يخفي صراحته على ما يستخدمه في عمله الفني، حيث لا تحده مادة ولا تقيده وسيلة كل ما تقع عليه يديه يمكن أن يتحول إلى أداة تعبير، من اللون إلى الحركة، كما من الصوت إلى الصمت، إذ إنه لا يؤمن بشح الإمكانيات، ولا يخضع لظروف العمل، بل يرى في القيود دافعاً، وفي الصدفة احتمالاً جديداً للتشكيل والإبداع. 
ويقول الفنان أبو حلاوة: "إن المسرح "أبو الفنون"، خرج من خشبته المغلقة وامتد في داخله، صار فضاءً مفتوحاً يمارس فيه محتواه المتكامل للعرض على خلاف لوحته التي اعتبرها ليست مكاناً للعرض فحسب، بل هي ساحة للحدث فيها الصوت، وفيها الحركة، وفيها الأثر، كأنها مشهد لا ينتهي، فاللون عنده لم يعد هو البطل، بل هو ضيفاً أنيقاً، يدخل التجربة ليقدم هدية.. أثر، أو خدش، أو شخط غاضب يعلن عن وجوده مراراً، مضيفاً أنه ينفعل ويتحرك ويضرب السطح، كأنه في معركة، لكنها ليست معركة ضد شيء، بل من أجل شيء ومع كل هذه الفوضى، يكون في النهاية هو المخرج وكاتب السيناريو البصري بلا كلمات، تاركه يتحدث بالحركة، بالصوت، بالبقع، بالفزع، بالألم، وما يخرج من كل هذا ليس لوحة، بل سيمفونية كاملة، وأثر حي لمعركة جمالية خاضها الجسد والروح على سطح تجمد عليه الزمن، وكل من يراها يقرؤها بطريقته، كأنها وهم أو معجزة تولد من جديد. 
تجمع تجربة الفنان أبو حلاوة الذي شغل منصب رئيس رابطة الفنانين التشكيليين سابقاً، ومديرا عاماً لجاليري إطلالة اللويبدة، بين الثقافة الأردنية والتجديد المعاصر الذي يعبر من خلال أعماله عن المشاعر العميقة والقضايا الاجتماعية والإنسانية بطريقة تجريدية تعبيرية، مستمداً من الطبيعة والوجوه والأحاسيس، مما جعل أعماله تعبر عن روح المكان والتراث الأردني. فهو، كما يظهر في بعض لوحاته، يستخدم أشكالاً مبسطة وتجريدية للزهور والوجوه لتجسيد معان حضارية وإنسانية تتعلق بالهوية والواقع الاجتماعي. ويبرهن ذلك بميله إلى تبسيط العناصر وتركيزها على التعبير عن الحالة النفسية والعاطفية، مما يجعله قريبا من الحركات الفنية التجريدية التي تركز على نقل الشعور بدلاً من التمثيل الواقعي الدقيق.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق