ديسمبر 18, 2024 5:04 م
كاتب المقال : علي سعادة
لم أجد في عملية المقارنة التي قام بها نشطاء على منصات التواصل وكتاب وصحافيون، بين الأوضاع في الأردن والأوضاع في دول عربية معينة، أية قيمة سياسية أو وطنية أو قيمة مضافة إلى الدولة الأردنية، فجزء كبير قارن على سبيل المثال بين السجون في سوريا في عهد آل الأسد، وبين السجون في الأردن.
فأكدوا أنه لا توجد عندنا معتقلات سرية، ولا يوجد عندنا صيدنايا، ولا يوجد اختفاء قسري، ولا تعذيب كما وصفه بعض الناجين من سجون الأسد، ولا حواجز تفتيش يعتقل عندها المواطن عشوائيا وبناء على مكيدة أو مزاج أو ابتزاز.
الشيء يقارن بمثله وليس بضده، وكل ما ذكر هو ضد وليس بمثل.
وقبل ذلك نسجوا مقارنات بين الأردن وما شهدته بعض الدول العربية مثل العراق بعد الغزو الأمريكي، وبعض الدول العربية على وقع “الربيع العربي” مثل مصر وتونس واليمن وليبيا والسودان، وأكدوا أن الأردن نجا من نتائج تلك الفترة ” الإشكالية” من تاريخ الوطن العربي.
والواقع أنني لم اٌقرأ تحليلا أو قراءة سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية واحدة تفسر لنا لماذا الأردن استثناء وسط محيط عربي وإقليمي مضطرب ومنقسم، فالغالبية هربت إلى التفسير السهل والذي قد يفيد صاحبها في الحصول على الرضا الرسمي، حيث عزوا ذلك إلى قيادة الملك، لا خلاف على ذلك، لكن المنطق والوقائع تقول إن الملك يحتاج إلى أدوات ومؤسسات أخرى تساعد في تثبيت دعائم الاستقرار.
وأنا شخصيا لست محللا سياسيا أو باحثا سوسيولوجيا حتى أؤكد أن الأردن كان استثناء أم لا، لأن المقارنة كما قلت كانت مع الضد والذي لا يشبهك تماما.
ولم أجد أية مقارنة تساعد في عملية الإصلاح والتطوير ومعالجة أكبر مشكلة نواجهها وهي البطالة وتأكل الرواتب، بل على العكس فإن هذه المقارنات تعطي المسؤول مبررا للبقاء في منطقة الاسترخاء والطمأنينة الزائفة وعدم إيجاد حلول عملية وإنما ترحيل المشاكل لمن سيأتي بعده على قاعدة “سكن تسلم” .
نعم يوجد لدينا استقرار سياسي واجتماعي، ولا يوجد اختفاء قسري، لكن لدينا سجناء حكموا وفق قانون سيء السمعة وأثار جدلا واسعا ووضعنا في مرتبة لا تليق بالدولة الأردنية على مؤشرات حقوق الإنسان والحريات الصحفية، وفي مقدمة هؤلاء الكاتب أحمد حسن الزعبي الذي حكم بالسجن على بوست لا يوجد فيه شتم أو تعريض بأحد أو إساءة لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة أو رموزها، وهو كاتب وصحافي معروف بأنه وطني لم يتلق يوما أموالا من أية سفارة ولم يأخذ تمويلا من مؤسسات أجنبية ذات أجندات خارجية.
وأمعنت الحكومة في معاقبته بأن رفضت، عبر وزير العدل، تحويل الحكم إلى خدمة مجتمعية.
المقارنة يجب أن تكون في الانجازات والإرث الحضاري للدولة، المقارنة يجب أن تكون مع دول تشبهنا سياسيا، وبظروف مشابهة، لكنها متطورة اقتصاديا وماليا وتقنيا، مثل هذه المقارنة يجب أن تكون حافزا للمسؤول وللمواطن على العمل للوصل إلى تلك المرتبة وتجاوزها أيضا.
وأيضا المقارنة في قدرة الدولة على الحفاظ على نسيجها الاجتماعي وإخضاع الجميع لسلطة القانون، وفصل السلطات الثلاث بعضها عن بعض بشكل كامل، أن توقف أولئك الذين يلعبون بالنسيج الاجتماعي على منصات التواصل دون رقيب أو حسيب، فهؤلاء، يحولون، بطريقة حمقاء، مكونات اجتماعية وفرعية إلى كيان سياسي، كما أن غالبيتها ترسخ لمشروع انقسام كبير من الممكن أن يلعب عليه أعداء الوطن في مرحلة لاحقة لإضعاف الدولة وتهديد كيانها الوطني واستقرارها وأمنها .
في العالم الافتراضي هناك حرب داخلية، لكنها في عالم الواقع غير موجودة إطلاقا، وهذا التناقض مخيف ويثير الذعر، لأن سلطة الواقع مسترخية وغير مدركة لما تقوم به سلطة العالم الافتراضي من مقارنات وحروب.
0 تعليق