«عيدكم مبارك» رسالة تصلني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من شخص عزيز لم أرَه منذ زمن بعيد، اشتاقت عيني لرؤيته، واشتاقت أذني لسماع صوته، وربما أرسلها للجميع دفعة واحدة، بلا روح، بلا دفء، بلا لقاء وعناق. رسالة لم تفرحني بقدر ما أحزنني. عبارة مؤلمة سمعتها أثناء زيارتي لأحد المجالس في العيد. شاشات الهواتف أصبحت ضيوفنا الأولى في المناسبات والأعياد، وجلساتنا العائلية باتت صامتة يُغني فيها كل فرد على ليلاه الإلكترونية.
أين ذهبت روح العيد؟ أين ذهب العيد الذي كنا نعيشه في زمن الطيبين؟ زمن الأجداد والجدات. أين ذهبت تلك التجمّعات واللقاءات العائلية التي تنبعث منها رائحة الحب ودفء المشاعر قبل رائحة الطعام والكعك والحلويات؟ أين صوت الضحكات النابعة من الأعماق؟ هل باتت ذكرى نتذكرها ونكتب عنها المقالات، ونرثيها في الأشعار؟! أم أصبحت رسوماً ورموزاً تُرسل على وسائل التواصل بأنواعها، وكروت معايدة إلكترونية مزينة بأجمل النقوش ومكتوبة بأجمل العبارات ولكنها تخلو من المشاعر والأحاسيس وحرارة العناق، ترسل بشكل أنيق وجميل، وتُجهز قبل العيد، ولكن أين من كتبها؟! هيهات اللقاء! إنها يا سادة التكنولوجيا التي غزت العالم بأكلمه، سرقت القلوب وسيطرت على العقول. التكنولوجيا التي ربما قرّبت العالم كما يقولون وجعلته قرية صغيرة، ولكنها بالمقابل جمّدت المشاعر وإذا تجمّدت المشاعر قست القلوب وتباعدت، وتولّد الجفاء بين الأخوة والأهل والأصدقاء، ويا لها من مصيبة علينا أن ندركها قبل فوات الأوان.
فيا ليتنا نغفل أجهزتنا، ونفتح أدمغتنا، ونعيد تشغيل مشاعرنا ونعيش حياة طبيعية وجدانية كما يفترض أن يكون، بعيداً عن التكنولوجيا التي لا ضرر من استخدامها في أوقاتنا الصعبة وحين الحاجة إليها. فهي تبقى سلاحاً ذا حدّين له سلبياته وإيجابياته ونحن من يقرّر كيف نستعمله.
ولكن، هناك سؤال يدور في ذهني أحببت أن أشاركه معكم، هل هي وحدها التكنولوجيا المسؤولة عما يحدث في مجتمعاتنا من عقوق وقطيعة رحم وضعف في الروابط الاجتماعية؟ أم هناك أسباب أخرى ربما يغفل عنها الكثير علينا أن نستوعبها ونعالجها؟
في الختام أهديكم السلام وكل عام وأنتم بخير.
0 تعليق