صحة الحديث وحدها لا تكفي!

عكاظ 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
سبق وأن ذكرت أن العديد من الأحاديث المتداولة تخالف ما ورد في القرآن الكريم القطعي الثبوت القطعي الدلالة. فليس كل حديث صحيح يجب العمل به، فالنصوص الشرعية تتجاذبها الأحكام الأصولية وقواعدها، كما وأنه من شروط قبول الأحاديث النبوية ألا يكون شاذاً وألا تكون به علة فادحة، فلابد لأي نص شرعي لاستنباط الحكم منه المرور به عبر عدة قنوات وفق ترتيب معين مصطلح عليه بين الفقهاء، حتى يكون النص صالحاً للعمل به، بصرف النظر عن كونه صحيحاً ورد في البخاري، أو في مسلم، أو متفق عليه بينهما، أو هو مما تقبلته الأمة بالرضا والقبول، فصحة الحديث لوحدها أياً كانت لا تقتضي وجوب العمل به. يقول ابن تيمية إن ما في الكتب أنفع من صحيح البخاري، لكن هو وحده لا يقوم بأصول العلم. إذ لابد من معرفة أحاديث أخرى وكلام أهل الفقه، فكم من حديث صحيح لا غبار عليه وصل إلينا عبر أقوى السلاسل الذهبية في السند وأقوى عمومات العقل والنقل في المتن ومع ذلك ذهب أئمة الفقه إلى العمل بخلاف مقتضاه.

من ضمن الأحاديث التي نسمعها ونرددها دون التثبت من صحتها رغم مخالفتها لنص القرآن حديث (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)، قالت عنه السيدة عائشة: «والله ما قاله رسول الله»، وأضافت: «أين منكم قوله الله تعالى (لا تزر وازرة وزر أخرى)». الميت لا حول له ولا قوة، أهله يبكون عليه فيعذبه الله! منطق لا يتفق والعدل الإلهي.

كما رفض أبو حنيفة حديث «لا يقتل مسلم بكافر» رغم صحة سنده؛ لمخالفته قول الله تعالى «النفس بالنفس»؛ لأن حديث الآحاد لا يخصص بعموم القرآن في المذهب الحنفي. فأحاديث الآحاد لا يؤخذ بها في مجال العقائد، ما سمعه شخص عن الرسول، وسمعه شخص آخر عن الشخص الأول، حتى نصل لمن وثقها، أو سمعها وهذا يُسمى الآحاد، وعلينا تمحيص ما إذا كان ثابتاً، ويتماشى مع تعاليم القرآن، أو يتوافق مع تعاليم المتواتر، ويتماشى مع مصلحة الناس، وبناء على ذلك يتم استخدامه أم لا.

وقد روت فاطمة بنت قيس حديثاً عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه لم يجعل لها سكنى ولا نفقة وذلك عندما طُلقت ثلاثاً، رفض سيدنا عمر هذا الحديث لمخالفته قوله تعالى «لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة». وقال لا نترك كتاب الله لقول امرأة لا ندري حفظت أم نسيت.

وسأل مسروق أم المؤمنين عائشة: يا أماه هل رأى محمد ربه؟ قالت: لقد وقف شعر رأسي مما قلت! أين أنت من ثلاث؟ من حدثكم بها فقد كذب، من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب، ثم قرأت «لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير». وأضافت: «وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب». ومن حدثك أنه يعلم ما في غد فقد كذب، ثم قرأت «وما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت». ومن حدثك أن محمداً كتم أمراً فقد كذب، ثم قرأت «يأيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك». كما استنكرت السيدة عائشة عندما وصلها حديث أن رسول الله وقف على موتى المشركين في بدر وخاطبهم بأسمائهم وأسماء آبائهم بأنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقا، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ واستدلت بالآية القرآنية «وما أنت بُمسمع من في القبور»، فلم تقبل أم المؤمنين ما يعارض في ظاهره لفظ القرآن. ولعل من ضمن معرفة الحديث الكاذب من الصحيح أن لا يكون الحديث مخالفاً لمنطوق العقل أو أن يأتي الحديث ركيك المعنى يستحيل صدوره عن نبي الأمة، مثل «لولا النساء لعُبد الله حقاً»، أو حديث «لولا المرأة لدخل الرجل الجنة»، وحديث «لا تسكنوهن الطابق الثاني من المنزل»، فهذه الأحاديث وغيرها تخالف منطوق العقل والمنطق، وفيها من ركاكة المعنى ما يستحيل صدوره عن نبي الأمة عليه الصلاة والسلام.

وهذا ما أكده الأمير محمد بن سلمان بأن «هنالك عشرات الآلاف من الأحاديث، والغالبية العظمى منها لم تثبت، ويستخدمها العديد من الناس كوسيلة لتبرير أفعالهم، فعلى سبيل المثال، تنظيما القاعدة وداعش يستخدمان الأحاديث النبوية الضعيفة جداً، التي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم». ويضيف سموه: «وهذا ما نحاول تحديده ونشره؛ لتثقيف العالم الإسلامي حول طريقة استخدام الحديث، وهذا سيُحدث فارقاً كبيراً، ويحتاج إلى الوقت، ونحن في المراحل النهائية، إنه مُجرد توثيق للحديث بالطريقة الصحيحة».

جزى الله سمو الأمير محمد الخير على هذا العمل الجبار خير الجزاء. ونفع به المسلمين في كل الأرض.


إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق