في مشهد لا يمكن أن يستوعبه العقل، أو يتقبله الضمير؛ أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي قبل أيام على استهداف خيمة الصحفيين قرب مجمع ناصر الطبي في خان يونس جنوب قطاع غزة، ما أدى لاحتراق الصحفي الفلسطيني الشاب أحمد منصور.
استشهد أحمد محترقاً، على مرأى ومسمع العالم الحر، كما ارتقى اثنان من زملائه، وأُصيب تسعة صحفيين آخرين بجراح متفاوتة، أحمد وزملاؤه لم يكن لديهم سوى الكلمة والصورة، كانوا يحاولون إيصال صوت من لا صوت لهم إلى العالم، لكن الاحتلال قرر إسكاتهم بالنار.
لم تكن هذه الجريمة سوى حلقة جديدة في سلسلة طويلة من الاستهداف الممنهج للصحافة في غزة، استهداف لا يخطئ أحد أهدافه؛ طمس الحقيقة، إخفاء جرائم الحرب، وحرمان العالم من أن يرى بأم عينه تفاصيل حرب الإبادة التي تشن على الشعب الفلسطيني الأعزل منذ أكتوبر 2023. ما الذي يخيف الاحتلال إلى هذا الحد من صحفي يحمل ميكروفوناً أو كاميرا؟ الجواب واضح.
«الحقيقة»، الكلمة التي يمكن أن توقظ الضمير الإنساني العالمي، ويمكن أن تحرك الشعوب والمؤسسات، أصبحت هدفاً في مرمى النيران.
الاستهداف لم يتوقف عند الإعلام؛ بل امتد إلى المستشفيات والمراكز الطبية، ما حدث في مستشفى المعمداني قبل أيام لا يمكن وصفه إلا بجريمة متعمدة، قصف مباشر وتدمير ممنهج واستهداف لمرضى وأطباء ومسعفين، فقط لأنهم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح تحت الركام.
ما يحدث في غزة منذ ما يزيد عن عام ونصف يمثل حرب إبادة كاملة الأركان، أهدافها الأطفال في حضانات المستشفيات، الأمهات الحوامل، الصحفيون في خيامهم، وعلى كل من يحمل قدراً من الإنسانية، ويحاول أن يصنع فارقاً. أين هو الضمير العالمي؟ أين هي المؤسسات الدولية التي طالما تغنت بحرية التعبير وحماية المدنيين؟ إن استمرار الصمت أمام هذه الجرائم هو شراكة غير معلنة، وتواطؤ مخزٍ مع آلة القتل.
ما يحدث في غزة اليوم هو اختبار قاسٍ للإنسانية. العالم مطالب، الآن وليس غداً، بالتحرك العاجل من أجل وقف هذه الحرب الهمجية، وتوفير حماية حقيقية للمدنيين، والصحفيين، والطواقم الطبية، وكل من بقي على قيد الأمل في غزة.
لا بد من إدخال المساعدات الإنسانية فوراً، خصوصاً الأدوية، والأغذية، والمحروقات التي يحتاجها الناس للبقاء على قيد الحياة، فلا يمكن أن يترك أكثر من مليوني إنسان لمصير الجوع والبرد والمرض، بينما يشاهدهم العالم عبر شاشاته، دون أن يحرك ساكناً.
صرخة غزة اليوم نداء استغاثة للضمير العالمي؛ أوقفوا حرب الإبادة، احموا الصحفيين، افتحوا أبواب الحياة للمدنيين، فلا شيء في هذا العالم يستحق أن يقتل الإنسان من أجله بهذه الوحشية.
0 تعليق