يعد تفضيل الشراء أو التسوق من داخل الدولة دعامة للاقتصاد الوطني، حيث يعتمد الاقتصاد الوطني على ما يتم تصنيعه أو إنتاجه من السلع والمنتجات التي تستهلك داخل البلد أو تكون معدة للتصدير إلى الخارج. غالبا ما تكون نسبة تفضيل الشراء من المنتجات والسلع المحلية هي الأعلى ويأخذ الشراء من خارج الدولة النسبة الأقل. وفي حال كانت النسبة عكس ذلك -الشراء من الخارج هي النسبة الأعلى-، فهذا يوحي بوجود خلل اقتصادي يؤدي إلى ضعف القوة الشرائية للسلع المنتجة محليًا. ولعل ما يحدث حاليًا في الولايات المتحدة الأمريكية من زيادة فرض الرسوم الجمركية على الواردات من أهدافه فرض نوع من «الحمائية» للمنتجات والسلع التي تنتج في الداخل؛ لتكون لها الأفضلية من قبل المستهلك الأمريكي ومنحها ميزة تنافسية من حيث السعر مقارنة بالمنتجات المستوردة التي تخضع للرسوم الجمركية.
يأتي طرح هذا الموضوع بعد توجيه سؤال من أحد أعضاء مجلس الشورى لمعالي وزير التراث والسياحة بشأن توجه العمانيين -للتسوق- أو الشراء للسلع والمنتجات من دول الجوار بنسبة تصل إلى (91%). سوف نستخدم مصطلح -الشراء- والذي نقصد به التسوق أو الشراء من الخارج بدلا عن الشراء المحلي. ولكن من غير الواضح ما إذا كانت النسبة السابقة وهي تفضيل الشراء من الخارج تتضمن الشراء بالطرق المعتادة أو عن طريق التجارة الإلكترونية.
بيد أن ما يدعم النسبة السابقة ما تتم ملاحظته بشكل لافت بأن الغالبية من العمانيين يفضلون التمتع بإجازاتهم عن طريق الرحلات والوجهات السياحية الخارجية خلال مواسم الأعياد الدينية والمناسبات الوطنية والإجازات الأسبوعية. على سبيل مثال، فإن حركة السيارات المغادرة لدول الجوار في تلك الفترات قد توحي بتفضيل العمانيين للإنفاق وشراء السلع والمنتجات من الخارج.
الإحصاءات تشير إلى انخفاض الصادرات العُمانية غير النفطية خلال المدة من (2023 إلى 2024) بنسبة بلغت (16%).
في الجانب الآخر، فإن الواردات السلعية ارتفعت خلال نفس المدة بنسبة وصلت إلى (12%)، تلك الأرقام تدل على ارتفاع السلع المستوردة عن تلك المصدرة. وإن كانت الأرقام السنوية للميزان التجاري للدولة تؤكد على ارتفاع الصادرات على الواردات، إلا أن ذلك يأتي بدعم كبير من الصادرات النفطية والغاز التي تمثل ما نسبته (67%) من إجمالي الصادرات السلعية النفطية وغير النفطية خلال نفس المدة. كما أن هناك خللا في الميزان التجاري بين سلطنة عُمان وثلاث من الدول الخليجية الشقيقة وهي: الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والكويت، حيث ترتفع حركة الواردات السلعية من تلك الدول عن الصادرات وإعادة التصدير إليها من سلطنة عُمان. وبالتالي، فإن ارتفاع نسبة تفضيل العُمانيين التسوق -الشراء- من دول الجوار عن الشراء المحلي قد يتوافق مع أرقام التجارة الخارجية.
هناك أسباب كثيرة تدعو لتفضيل العمانيين للشراء من الخارج وخاصة من دول الجوار منها أن هناك تنوعا للسلع والمنتجات تلامس احتياجات المستهلكين حسب مقدرتهم الشرائية تكون عادة موجودة في منطقة جغرافية واحدة. تلك المناطق الصناعية تمت تهيئتها لجذب المستثمرين مع الخدمات التي تقدمها لراحة المتسوقين. أيضا رحلات التسوق أو الشراء من الخارج تتيح تنوعا سياحيا للإقامة المريحة التي تتوافر بها وسائل النقل والضيافة وتنوع الأسعار حسب القوة الشرائية للزائر أو المتسوق. أيضا الأسعار تظل تنافسية حتى بعد إضافة قيمة الشحن والتوريد من مكان شراء السلع من دول الجوار إلى سلطنة عُمان. في الجانب الآخر، فإن تفضيل العمانيين للشراء من الخارج لا يقتصر على دول الجوار، فهناك الكثير من العمانيين عند بناء منازلهم الخاصة، فإنهم يقومون بزيارة للدول الأخرى ومنها الصين لشراء كل ما يحتاجه المنزل نظرا للتنوع وأيضا الأسعار التي عادت تكون تنافسية.
أيضا بالنسبة لشراء السيارات المستعملة والتي لها سوق رائجة يلاحظ بأن أغلب معارض السيارات داخل الدولة أصبحت تميل إلى استيراد السيارات من الخارج -ذات المواصفات غير الخليجية- نظرا لوجود مزايا إضافية أغلبها تتعلق بأنظمة الأمن والسلامة والتقنية العالية والتي عادةً لا تتوافر في السيارات التي تحمل المواصفات الخليجية. مع ملاحظة بأنه خلال السنوات الأخيرة أصبح هناك ارتفاع لافت في أسعار السيارات ذات المواصفات الخليجية وأيضا في قطع غيارها، الأمر الذي أفقدها الميزات التنافسية وبالتالي تفضّل فئات كثيرة من العمانيين التوجه للأسواق والمعارض بدول الجوار.
كما أن هذا التوجه -وهو الشراء من الخارج- أصبح تمارسه شركات التأمين عندما تتعاقد من المؤسسات الخاصة بإصلاح السيارات الناتجة عن الحوادث. فإن أغلب شركات التأمين تفضل شراء قطع الغيار من خارج الدولة نظرا لمناسبة أسعارها مقارنة بالأسعار التي يمنحها الوكيل الحصري داخل الدولة.
وإن كان هناك تزايد للشركات التجارية التي توفر السلع والمنتجات، إلا أن أغلبها يعتمد بشكل كبير على البيع بالشكل التقليدي مع قلة الشركات التجارية التي توفر الخيارات المرنة للشراء عن طريق (On-line Shopping) وإن توافرت فهي في نطاق محافظة مسقط. وبالتالي، مبادرات الشراء أو التسويق الإلكتروني أحد الممكنات التي تساعد في زيادة القوة الشرائية نظرا لتفضيل السلع والمنتجات داخل جغرافية الوطن.
تفضيل العمانيين التوجه لشراء السلع والمنتجات من الخارج أو دول الجوار يعطي دلالات بأن التجار والمستثمرين وشركات القطاع الخاص استثماراتهم لم تصل إلى مستوى تقديم سلع ومنتجات تكون بأسعار ومواصفات ترضي المستهلكين. كما أن بناء المجمعات التجارية ذات الأبعاد الترفيهية ظلت أغلبها داخل حدود محافظة مسقط. مع قلة مثيلاتها بالمحافظات الأخرى، الأمر الذي يدفع الغالبية إلى البحث عن أماكن أخرى للشراء خارج البلاد.
وبالتالي، هذا التفاوت في الأبعاد التجارية والترفيهية بين المحافظات قد يكون أسهم في تفضيل الشراء أو التسوق من الخارج. الأمر الذي يحتاج معه إلى مراجعات جادة تتعلق بالتحفيز الاقتصادي بالمحافظات الأخرى لدفع المستثمرين إلى معرفة أذواق المستهلكين وتوجهاتهم الشرائية والتي على أساسها يستطيعون تخطيط استثماراتهم التي تلامس تطلعات المواطنين وتكون بأسعار تنافسية.
أيضا تفضيل الشراء من الخارج قد يكون من ضمن أسبابه هو استمرار الاحتكار لبعض المنتجات والسلع والأجهزة الكهربائية والإلكترونية من قبل الوكلاء الحصريين الذين يتحكمون في الأسعار مع غياب المنافسة العادلة في السوق المحلي. وبالتالي، هذا يؤدي للتساؤل حول الأهداف التي حققها مركز حماية المنافسة ومنع الاحتكار في إيجاد بيئة من التنافسية بين الشركات والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في ممارسة الأعمال داخل الدولة.
وعلى الرغم من الموقع الجغرافي المتميز لسلطنة عُمان والذي يؤهلها بأن تستقطب استثمارات ومشاريع صناعية كبيرة، إلا أن ذلك ما زال دون التوقعات. ولعل ذلك يكمن في قلة المناطق الصناعية التي تساعد على احتضان الصناعات الثقيلة. بيد أن التسهيلات والحوافز المضمّنة بقانون المناطق الصناعية الخاصة والمناطق الحرة الذي صدر مؤخرا يعطي نقلة نوعية في منح التسهيلات لإقامة المشاريع الصناعية.
من تلك الحوافز الإعفاء من ضريبة الدخل لسنوات طويلة، وحرية تحويل الأرباح والإعفاء الجمركي للصادرات، تلك الحوافز سوف تدعم الاقتصاد الوطني من خلال زيادة المناطق الصناعية والحرة التي تحتضن مشاريع صناعية واعدة من شأنها توفير بدائل للسلع والمنتجات للسوق المحلي، وأيضا تنشيط حركة الصادرات السلعية للخارج.
تفضيل العمانيين للشراء الخارجي -التسوق- بنسبة عالية سواء عن طريق المنصات والموقع الإلكترونية أو عن طريق السفر والسياحة لدول الجوار أو الدول الأخرى مسألة بالغة الأهمية تدل على وجود خلل اقتصادي غير متوازن يؤثر سلبا على استثمارات القطاع الخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة. هذه المسألة لا يكتفى بمجرد طرح التساؤلات من قبل أحد سعادة أعضاء مجلس الشورى والإجابة عليها بنعم أو لا أو أن الموضوع خارج اختصاص مسؤول ما، بل تحتاج إلى رؤية اقتصادية ذات أبعاد استراتيجية تتضمن برامج ومبادرات استثمارية يقودها القطاع الخاص بإشراف الجهات الحكومية لتعزيز التنويع الاقتصادي من السلع والمنتجات التي يتم إنتاجها في عُمان.
تلك البرامج من شأنها تعظيم القوة الشرائية المحلية مع التطلعات لزيادة حركة قطاع الصادرات السلعية لتغزو الأسواق العالمية وخلق توازن متكافئ في الميزان التجاري على مستوى دول الجوار، والدول الشقيقة والصديقة.
0 تعليق