الإمارات والهند.. شراكة بدلالات عالمية

مصدرك 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لقد دخلت العلاقات بين الهند والإمارات بما يمكن وصفه ب«العصر الذهبي». فبعد أن اتسمت هذه الشراكة في الماضي بروابط تاريخية في مجالي التجارة والطاقة، فقد نضجت إلى شراكة استراتيجية شاملة، وأصبحت تعد نموذجاً للتعاون المشترك عبر الحدود في عالم متعدد الأطراف.
لم يقتصر الاجتماع الأخير بين سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع، ورئيس وزراء جمهورية الهند، ناريندرا مودي على كونه لقاءً رسمياً في نيودلهي، بل كان دلالة على تطور العلاقات إلى شراكة مستقبلية تتجاوز أطر الدبلوماسية المعهودة، مدفوعة برؤية مشتركة في قطاعات حيوية مختلفة بما في ذلك التكنولوجيا والاستدامة والاتصال والفضاء.
إن ما نشهده اليوم يتجاوز مجرد التعاون الثنائي ليصبح إعادة تحديد لكيفية مواءمة اقتصادين حيويين في توحيد إمكاناتهما لصياغة النتائج العالمية. وبصفتي شخصاً ينظر إلى هذا الأمر ليس فقط من منظور جيوسياسي، بل من خلال تجربة عملية، فقد حظيت بشرف الانضمام إلى وفد الأعمال في هذا الحدث التاريخي، حيث تواصلت مع زملاء من كلا البلدين، وبدا جلياً التزامنا جميعاً بصياغة المرحلة المقبلة من هذه الشراكة الاستثنائية.
تجمع الهند والإمارات علاقات تاريخية تمتد لقرون، بما في ذلك الجوانب التجارية والثقافية والحضارية. وفي السنوات الأخيرة توطدت هذه العلاقات لتتحول إلى شراكة استراتيجية ذات نطاق أوسع وطموحات أكبر. وقد أثمرت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة (CEPA)، التي تم توقيعها في عام 2022 عن تحقيق نتائج ملموسة، حيث قفز حجم التبادل التجاري الثنائي متجاوزاً 85 مليار دولار أمريكي، لتصبح الإمارات العربية المتحدة بذلك ثالث أكبر شريك تجاري للهند. ومع تخفيض الرسوم الجمركية وإزالة العوائق التنظيمية، من المتوقع أن يتجاوز حجم التجارة حاجز ال 100 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وهو إنجاز يعكس الرؤية الحكيمة للقيادة في كلا البلدين.
بصفتها شركة انطلقت من الهند وتتبوأ اليوم مكانة عالمية في مجال خدمات التكنولوجيا الموثوقة، فقد شهدت في إف إس جلوبال هذا التحول من كثب. فالعلاقة التي كانت في الماضي ترتكز على قطاعي الطاقة والتحويلات المالية، اتسعت لتشمل مجالات أخرى مثل الطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الرقمية، والدفاع، والبنية التحتية، والسياحة، والأمن. يعد اتساع وعمق هذا التعاون استثنائياً بكل المقاييس. فقد وصف الدكتور سوبرامنيام جايشانكار، وزير الشؤون الخارجية في جمهورية الهند، هذا التطور بأنه «عصر جديد من الإنجازات» في العلاقات بين الهند والإمارات.
نادراً ما نجد شراكات ثنائية تتمتع بالتكامل الذي يجمع بين الهند والإمارات. تُجسّد الإمارات قدرةً فريدة على السرعة والدقة - ثقافة «من الفكرة إلى التنفيذ» التي تترجم الأفكار الطموحة إلى مشاريع واقعية بوضوح وغاية. وفي المقابل، تقدم الهند قوة الابتكار الاقتصادي ونطاق العمل الواسع، مستفيدةً من مخزون هائل من الكفاءات وبيئة حاضنة ومرنة لريادة الأعمال ما يمكنها من إنشاء مؤسسات تخدم المليارات وليس الملايين من المستهلكين.
إن هذا التبادل المتبادل للقدرات - سواء كانت أفكاراً أو مؤسسات أو آليات تنفيذ - هو ما سيحدد معالم مستقبل التعاون خلال العقد المقبل. فطموح دولة الإمارات العربية المتحدة نحو تحقيق التميز العالمي، وقدرة الهند على توفير هذا التميز على نطاق واسع، يشكلان معاً أساس شراكة قوية وواعدة.
في حين شكلت قطاعات الهيدروكربونات والتجارة والاستثمار على مدى عقود دعائم أساسية لهذه العلاقة، إلا أن مستقبل هذه الشراكة يرتكز بقوة على المجال الرقمي. وتعمل الدولتان على استثمار موارد كبيرة في تطوير تقنيات الجيل القادم، مثل الذكاء الاصطناعي، والتكنولوجيا المالية، والبنية التحتية الرقمية العامة، والمدن الذكية. وقد أسهمت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة في تسريع وتيرة التبادل التجاري الثنائي، إلا أن الموجة القادمة من النمو ستعتمد بشكل أساسي على تطوير أنظمة رقمية مشتركة وتعزيز الابتكار القائم على التكنولوجيا.
نلمس ملامح هذا المستقبل المتنامي في عملنا اليومي في شركة في إف إس جلوبال. فمن تقنيات البصمة الحيوية إلى تجارب العملاء المدعومة بالذكاء الاصطناعي والواجهات الرقمية السلسة، تُحدث التكنولوجيا تحولاً جذرياً في كيفية ربطنا للأفراد بالخدمات، وربط الدول بالفرص المتاحة. إن المكانة المتنامية للهند في التكنولوجيا العالمية، إلى جانب طموح دولة الإمارات في أن تصبح مركزاً عالمياً للابتكار الرقمي، يخلق بيئة خصبة للمشاريع المشتركة. وستكون الشركات التي تستطيع العمل بفعالية في هذا المجال المشترك هي الأقدر على تحقيق النمو والازدهار في السنوات القادمة.
تتجاوز الشراكة بين الهند والإمارات مجرد كونها نموذجاً للنجاح الاقتصادي، فهي قد عززت الروابط الثقافية العميقة مع ملايين الهنود الذين اتخذوا من دولة الإمارات موطناً لهم. وخلال جائحة كوفيد-19، تجلى التلاحم الإنساني بين البلدين من خلال تسهيل رحلات عودة المواطنين، وتبادل الخبرات والمعارف، وتقديم المساعدات الطبية. ومؤخراً، بدأ العالم ينظر إلى الإمارات كدولة رائدة في التناغم والتسامح بين الأديان.
وبالنسبة لرواد الأعمال والمستثمرين والمبتكرين في كلا البلدين، فإن الرسالة واضحة لا لبس فيها: هذه لحظة للتفكير بأفق واسع، والتوسع بنظرة عالمية، والتحرك بثقة وجرأة. فالمقومات الأساسية متوفرة - وأنظار العالم متجهة نحو هذا التعاون.

* المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة في إف إس جلوبال

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق