شكّلت فيروز، ما يشبه اللاوعي الجمعي العربي للصباح. جيلًا بعد جيل، اعتادوا أن يبدأوا يومهم بصوتها، فتكوّنت علاقة شرطية «كل صباح يكتمل بفيروز»، وكل استماع لها يُعيد تشكيل لحظة الصباح. ومع تكرار هذا الطقس، أصبح صوتها مرساة ذهنية، تضبط إيقاع الوقت، وتُطمئن الروح.
فيروز في الصباح هي حالة استقرار نفسي، حاجة جمالية، ارتباط وجداني يُغني الوقت نفسه، يعيد تعريفه لا كمرورٍ ميكانيكي للساعات، بل كإحساس حيّ يبدأ كل يوم من جديد.
ارتباط صوت فيروز بالصباح ليس ظاهرة عابرة أو مجرد عادة ثقافية نشأت بالصدفة، بل هو نتاج تفاعل عميق بين خصائص صوتها، وبنية أغانيها، والسياق الزمني الذي يُبثّ فيه هذا الصوت، إضافة إلى البعد النفسي والجمالي الذي يحتاجه الإنسان في لحظة استيقاظه الأولى.
من حيث بنية الأغاني، فكثير من أغانيها الصباحية -التي كتبها الأخوان رحباني- تتحدث عن البدايات: «نطرتك عالباب»، «صباح ومسا»، «يا زهرة المدائن»، «كيفك إنت»، «طلع الضو عالناس»... كلها محملة بصور الضوء، المدينة، الحب، الحنين، والعلاقة الحيّة بين الإنسان والعالم. وهذه المواضيع تتناغم مع الفجر لا كزمن فقط، بل كرمز للبدايات الجديدة والأمل والتأمل.
وهكذا، كما ارتبط صوت فيروز، بالصباح العربي، فإن لكل ثقافة أصواتها التي ترافق بدايات يومها: ففي اليابان، تُبثّ مقطوعات البيانو الهادئة في القطارات والمحطات صباحاً لتلطيف الانتقال إلى العمل، وفي الغرب كثيراً ما تُستعاد مقطوعات «باخ» و«شوبان» في ساعات الفجر الأولى.
أما نحن العرب، فقد وجدنا في صوت فيروز ذلك الحضور الذي لا يقتصر على الترف الموسيقي، بل يتجاوز إلى ما يشبه الإفطار العاطفي لصباحاتنا.
أخبار ذات صلة
0 تعليق