فاطمة حسونة، إسماعيل الغول، رامي الرفاعي، محمد أبو حطب، أدهم حسونة، منتصر الصواف، حلمي الفقعاوي، سامر أبودقة، حمزة الدحدوح.. هذه الأسماء ليست مجرد سطور في سجل مهنة، بل أرواح طاهرة ارتقت وهي تمسك بالكاميرا والميكروفون لتكتب الحقيقة بدمها، وتوثق لحظة بلحظة واحدة من أكثر الحروب وحشية في تاريخ الإنسانية.
في يوم الإعلام العربي، بينما تقام الفعاليات وتُلقى الكلمات، هناك 209 صحفيين فلسطينيين قضوا منذ 7 أكتوبر 2023 تحت نيران الاحتلال في قطاع غزة، لا لأنهم كانوا في مرمى «نيران عشوائية»، بل لأنهم كانوا الهدف، قتلوا لأنهم ينقلون ما لا يريد العالم أن يراه، قصفوا في منازلهم، أو أثناء عملهم، أو في لحظة راحة نادرة، ومعهم عائلاتهم، أطفالهم، وزملاؤهم.
في كل مكان آخر من هذا العالم، توجد قوانين تحمي الصحفي، اتفاقيات ومعاهدات وقرارات من الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تنص على أن الكلمة لا يجب أن تقتل، وأن حامل الكاميرا له الحق في أن يعود حياً إلى منزله، لكن في غزة هذه النصوص تنتهك كل يوم، في وضح النهار وعلى مرأى العالم، وتترجم إلى قنابل فوق رؤوس الصحفيين.
ما يجري في غزة ليس فقط حرباً على مدنيين عُزّل؛ بل حرب على الشهود، الصحفي هناك لا يملك سترة واقية، ولا ضماناً قانونياً، ولا حتى شبكة إنترنت دائمة، كل ما لديه هو إيمانه العميق بأن قول الحقيقة هو واجب وأن صمته خيانة.
وما يُدمي القلب أكثر أن الاحتفاء بيوم الإعلام العربي يأتي وسط هذا الصمت القاتل، حيث تُغتال الحقيقة كل يوم، ولا أحد يحاسب، ما جدوى هذه الأيام الرمزية إن لم تتحول إلى وقفة ضمير عالمية؟ ما فائدة الاحتفال بـ»حرية التعبير» بينما زملاؤنا يُقتلون لأنهم يصرّون على ممارستها؟
الاستهداف المنهجي للصحفيين في غزة ليس مجرد خرق للقانون، إنه جريمة مكتملة الأركان، إعلان واضح بأن من يروي الحقيقة سيكون الثمن دمه، مما يفرض علينا، كصحفيين، كمؤسسات، كأمم، أن نراجع موقفنا، لا نريد مزيداً من القوانين والتشريعات، بل نريد قوانين تُطبَّق وآليات حماية حقيقة، وعقوبات تُفرَض على من يتعمّد قتل الحبر والكاميرا.
ورغم كل هذا لم ينكسر الإعلام الفلسطيني ولم يتوقف، بل ازداد قوة وصلابة وهو يطارد الضوء في العتمة، ويشق صوته من تحت الركام. تحية لكل أولئك الذين مازالوا هناك، في الميدان، يرسلون لنا الصورة قبل أن يطفئها القصف، ويكتبون السطر الأخير قبل أن يُصمتوه إلى الأبد.
0 تعليق