من دلمون إلى الرفة بقيادة الفارس الأول.. البحرين وجهة النخبة

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قبل أكثر من أربعة آلاف عام، ومنذ حضارة دلمون التي ازدهرت على أرض البحرين، ارتبطت هذه الجزيرة بالخيل ارتباطاً وثيقاً، حيث كانت الخيول جزءاً من نسيج الحياة اليومية، ووسيلة للزينة والتنقّل والحرب، ومنذ تلك العصور القديمة لم تنقطع علاقة البحريني بالخيل، بل تطوّرت من رمزٍ للبقاء إلى عنوان للفخر، لتصبح الفروسية مع مرور الزمن مكوناً أصيلاً من الهوية البحرينية، وموروثاً انتقل من السهول القديمة إلى مضامير العصر الحديث محتفظاً بمكانته الرفيعة ودلالاته المتجذّرة في وجدان الوطن.

فمنذ أن دخل الشيخ أحمد بن محمد آل خليفة، الملقب بأحمد الفاتح، البحرين فاتحاً في عام 1783، ارتبطت الفروسية بهوية الدولة الناشئة، فكانت الخيل عنوان السيادة وموروث العزّ، توارثه حكّام آل خليفة عبر الأجيال، حتى بلغ ذروته في عهد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة ملك البلاد المعظم، الفارس الأول، الذي ارتقى بالفروسية إلى أفق حضاري واقتصادي، وجعل من البحرين قبلةً للخيل ومحبيها، وموطناً للسلالات الأصيلة، وفي ظل هذه الرؤية منذ القدم، تأسس نادي راشد للفروسية وسباق الخيل عام 1977، ليكون راعياً لهذا التراث، ودافعاً به نحو آفاق أرحب.

وبدعم مباشر من صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن حمد آل خليفة ولي العهد رئيس مجلس الوزراء، الذي يولي قطاع الفروسية اهتماماً استراتيجياً ضمن رؤيته الشاملة للتنمية المستدامة، انطلقت خطوات التطوير نحو آفاق جديدة، حيث تولّى نجله، سمو الشيخ عيسى بن سلمان بن حمد آل خليفة، رئاسة نادي راشد للفروسية وسباق الخيل، فدخلت الفروسية البحرينية مرحلة متقدمة من التحديث، شهدنا خلالها انطلاق السباقات الليلية لأول مرة، واتساع رقعة المشاركات الدولية، وارتقاء كأس البحرين الدولي إلى مصاف البطولات العالمية، إلى جانب إضافة سلسلة من الأشواط الجديدة التي باتت تجذب ملاّك ومدربي نخبة الخيول من مختلف أنحاء العالم.

وفي خلفية هذا الإنجاز، كان هناك عمل إداري محكم يقوده السيد يوسف بوحجي، الرئيس التنفيذي للنادي، الذي عمل على تفعيل الشراكات مع مؤسسات تجارية كبرى، واستحدث مشاريع استثمارية، واهتم بتحديث البنية التحتية، إلى جانب بناء سمعة مؤسساتية تجعل من النادي واجهة مشرّفة باسم البحرين، ولم يكتفِ بإدارة السباقات، إنما ذهب إلى أبعد من ذلك وعمل على تطوير تجربة الحضور، وجعل من كل فعالية حدثاً سياحياً واقتصادياً، ووجهة للبحرينيين خلال عطل نهاية الأسبوع للاستمتاع بالتجربة الترفيهية الاستثنائية.

وهنا تتجلى ملامح التحول، فالنادي تجاوز كونه مجرد مضمار للسباق، ليكون منصة تعمل على إبراز البحرين كلاعب محوري في مشهد الفروسية العالمي، حيث أصبحت زيارة مثل السير أليكس فيرغسون لنادي راشد، لحضور سباق جواده، مشهداً مألوفاً يعكس المكانة التي بلغتها المملكة، وليس ذلك لقيمة الجوائز فحسب، وإنما بحسن التنظيم، ودفء الاستقبال، وجودة المنافسة.

ومن بين الخطوات النوعية التي تعزّز هذا التوجّه، قرأت في الأيام الماضية خبراً عن إنشاء فندق فاخر داخل النادي، مستلهمة من تجربة «الميدان» في دبي، حيث يندمج سحر الضيافة مع نبض السباقات، وتتقاطع السياحة الرياضية مع الاستثمار الذكي، فوجود فندق مطل على المضمار سيعزّز من الرفاهية وتجربة السياح، وهو ضرورة استراتيجية لجعل الفروسية منتجاً متكاملاً، يضيف إلى تجربة الزائر أبعاداً جديدة، ويدعم السياحة من خلال استقطاب المهتمين من دول العالم، وفتح باب الإقامة الفاخرة أمام الملاّك والمشجعين، وتعزيز الإنفاق المحلي في محيط النادي.

الفندق المقترح سيكون إضافة نوعية إلى اقتصاد الرياضة في البحرين، ومصدراً لفرص العمل، ومحفّزاً للنمو في قطاعات الخدمات والضيافة، وسيكتمل بذلك مشهد جديد لنادي راشد، حيث السباق لا يُشاهد فقط من المدرجات، بل من شرفات الغرف الفاخرة، وحيث السياحة تتشابك مع التراث، وتتحول الفروسية من فعالية إلى تجربة متكاملة.

وهكذا تمضي البحرين في رهانها على هويتها، مستندة إلى إرث عميق، وإرادة ملكية طموحة، وإدارة تؤمن بأن في كل خطوة على المضمار، قصة يمكن أن تُروى للعالم، وصورة جديدة يمكن أن تُرسم على خارطة السياحة والاقتصاد، بصهيلٍ لا يعرف التوقف.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق