أثر المؤسسات غير الربحية على الاقتصاد: مساهمة استراتيجية في النمو والتنمية

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تُمثل المؤسسات غير الربحية ركيزة أساسية في منظومة الاقتصاد الحديث، حيث يتجاوز دورها حدود العمل الخيري التقليدي ليشمل مساهمات ملموسة في الناتج المحلي الإجمالي، وتوليد فرص العمل، وتعزيز الابتكار الاجتماعي، وسدّ الفجوات في الخدمات التي قد لا يغطيها القطاع العام أو القطاع الخاص.

تشير دراسة صادرة عن «مركز جونز هوبكنز للدراسات المجتمعية» إلى أن مساهمة القطاع غير الربحي تتراوح بين 5% و10% من الناتج المحلي الإجمالي في العديد من الدول المتقدمة.

ففي الولايات المتحدة على سبيل المثال، بلغ عدد العاملين في المؤسسات غير الربحية نحو 12.5 مليون موظف حتى عام 2023، أي ما يعادل 10% من إجمالي القوى العاملة، ما يجعل هذا القطاع ثالث أكبر مشغّل في البلاد بعد قطاعي التجزئة والصناعة.

أما من الناحية المالية، فقد ساهمت المؤسسات غير الربحية الأمريكية بما يزيد على 1.5 تريليون دولار في الاقتصاد الوطني خلال عام 2022، وفقاً لبيانات مكتب التحليل الاقتصادي الأمريكي (BEA). وفي السياق الأوروبي، تتجاوز أعداد المؤسسات غير الربحية المسجّلة 2.8 مليون منظمة، تسهم بأكثر من 7% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي.

في العالم العربي، بدأت تتبلور بوضوح معالم هذا التأثير الاقتصادي، لاسيما مع تنامي التوجّه نحو الحوكمة والاستدامة داخل القطاع غير الربحي.

ففي المملكة العربية السعودية، أفاد تقرير صادر عن المركز الوطني لتنمية القطاع غير الربحي بأن القيمة الاقتصادية للقطاع تجاوزت 17 مليار ريال سعودي في عام 2022، مع وجود أكثر من 3,400 منظمة غير ربحية، فيما تسعى رؤية المملكة 2030 إلى رفع عدد المتطوعين إلى مليون متطوع سنوياً، وهو ما يسهم في تعزيز الناتج المحلي غير النفطي.

وتجدر الإشارة إلى أن العمل التطوعي يُعد من أبرز روافد الاقتصاد غير الرسمي، إذ تقدّر الأمم المتحدة القيمة الاقتصادية العالمية للعمل التطوعي بأكثر من 400 مليار دولار سنوياً.

في ضوء ما سبق، يظهر جلياً أن المؤسسات غير الربحية تُعد فاعلاً اقتصادياً حقيقياً، وليست مجرد آلية لتقديم المساعدة. إن الاستثمار في تطوير هذه المؤسسات، وتوفير بيئة تنظيمية ومالية داعمة، يُمثّل خطوة استراتيجية نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة على المدى الطويل.

وينبغي على صُنّاع السياسات في الدول العربية والعالم دعم المؤسسات غير الربحية ليس بوصفها مكملة لدور الدولة فحسب، بل بوصفها شريكاً استراتيجياً في دفع عجلة الاقتصاد وتحقيق الأهداف الوطنية للتنمية المستدامة.

ويتطلب ذلك تعزيز الإطار القانوني والمالي الذي ينظّم عمل هذه المؤسسات، وتسهيل إجراءات التمويل والاستثمار الاجتماعي، وبناء شراكات فاعلة بين القطاعين العام والخاص والقطاع الثالث.

كما أن الاستثمار في بناء القدرات المؤسسية والبيانات المفتوحة سيُسهم في رفع كفاءة الأداء وتعظيم الأثر الاقتصادي والاجتماعي لهذه الجهات، ما ينعكس إيجاباً على رفاه المجتمعات واستقرارها.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق