المعذرة.. لقد هربنا من الباب الخلفي!

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كأننا ننتظر أن تسقط القذيفة الأخيرة فوق رأس آخر طفل في غزة، أو يهدم آخر بيت على من فيه، لنقول بعدها بمرارة «كم كان المشهد مؤلماً لنا !»، وكأن هذا التأثر العابر هو أقصى ما نملك. نلعن المجرم ونمضي، ونقنع ضميرنا بأننا تألمنا بما يكفي، وبأن من هناك هم من اختاروا هذا المصير، لأنهم قالوا «لن أستسلم لمن يسرق أرضي، ولن أعيش تحت الذل والعار».نعم، اشتركنا في الدين والدم، لكننا تفرقنا في المبدأ والموقف. تشرذمنا إلى فئات، فئة تصمت، وأخرى تبرر، وثالثة تجرم من يقول كلمة حق. أصبحنا نخشى أن ننطق رأياً قد يحرج «المحتل»، فنتهم بأننا ضد السلام! وكأن العالم أصلاً أنصت يوماً لمعنى السلام الحقيقي!لكننا لم نصحُ. ولن نصحو، على ما يبدو. هربنا من الباب الخلفي، تخلينا عن فلسطين، تركناها وحدها في مواجهة آلة القتل. لم نكن يوماً على قدر القضية، ولن نكون إذا ظللنا نبحث عن مخارج للهروب ونعلق نكستنا على شماعة الظروف.والأشد مرارة، أننا لم نكتف بالتخلي، بل وجهنا أصابع الاتهام إلى من بقي يقاوم هناك، وقلنا، لماذا يقاومون ؟ لماذا يصرون على الموت؟ ألا يعلمون أن العيش تحت الذل أهون من أجل مستقبل أبنائهم ؟ صرنا نرى المقاومة عبثاً، والدفاع عن الأرض جنوناً، والتمسك بالكرامة مكابرة!تحدثنا كما يشتهي العدو أن نتحدث، وروجنا للهزيمة كما يتمنى أن نفعل. بتنا شركاء - وإن بالصمت - في مشهد الوداع الأخير لأرض تدعى فلسطين.المعذرة يا فلسطين. اليوم، أقصى ما نفعله أن نترحم على شهدائكم. وغداً؟ قد لا نجد حتى من نترحم عليه، فالقضية انتهت أخيراً، وقد نستفيق على نكسة جديدة، واحتلال جديد، ودولة عربية أخرى تمحى من الخارطة. ووقتها، لن نتردد في تكرار ذات الأعذار، لماذا لا يقبلون العيش معاً؟ لماذا لا يرضون بجزء من الأرض؟ لماذا لم يستسلموا منذ البداية؟من يدري ما الذي يخطط له المحتل الصهيوني بعد غزة؟ ما هي الدولة التالية على قائمة «التطهير السياسي والجغرافي»؟المنطقة اليوم في أسوأ حالاتها، والخريطة ترسم من جديد بدماء الأبرياء. والخطوات على طريق «الشرق الأوسط الجديد» باتت أكثر جرأة، وأكثر وقاحة، وأكثر علنية.الهروب من الباب الخلفي لا يصنع سلاماً، ولا يحمي وطناً، ولا يصون كرامة. والأعذار لن تجبر كسر قلوب أطفال يتموا، ولا تهون على نساء ترملن، ولا تعيد الآباء أبناءهم بعد أن مسحوا من على وجه الأرض.فلسطين ليست قضية خارجية تناقش من بعيد، إنها اختبار داخلي لكل عربي ومسلم، اختبار لم ننجح فيه بعد.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق