لم تعد مدينة رفح مجرد نقطة على خريطة قطاع غزة، بل تحولت إلى رمز حي للإبادة والتطهير الممنهج من قبل الجيش الإسرائيلي، الذي يسعى إلى محو المدينة بتاريخها وأهلها وذاكرتها، وتحويلها إلى مقبرة مفتوحة تحت أنقاض المنازل والذكريات.
جاء ذلك بعدما أعلن الجيش الإسرائيلي تطويق المدينة وعزلها كليا عن باقي قطاع غزة عبر إنشاء "محور موراغ"، الذي يفصلها عن مدينة خان يونس المجاورة، بعد أيام من إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بدء عملية عدوانية واسعة في مدينة رفح، جنوب القطاع، عقب استئناف العدوان على غزة في 18 مارس/آذار 2025.
ويترجم هذا التطور واقع رفح منذ اجتياح الجيش الإسرائيلي لها في السادس من مايو/أيار 2024، حيث أُجبر نحو 300 ألف من سكانها، وزهاء مليون من النازحين فيها، على إخلائها والنزوح عنها. ومنذ ذلك الحين، لم تشهد رفح، وهي صغرى محافظات القطاع الخمس، أي فترات هدوء.
وثقت مقاطع فيديو وصور، منذ بدء العملية البرية على مدينة رفح، دمارا واسعا ألحقته إسرائيل بالأحياء السكنية، وقد لاقت هذه المشاهد انتشارا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي بين مغردين فلسطينيين وعرب، متأثرين بحجم الدمار الكبير والممنهج الذي لحق بالمدينة.
تدمير ممنهج
ذكر الناشط تامر عبر منصة "إكس" أن الجيش الإسرائيلي يستكمل تدمير ما تبقى من مدينة رفح "خلف الكواليس وبعيدا عن الأضواء"، لافتا إلى أن العديد من العائلات لا تزال محاصرة داخل المدينة حتى هذه اللحظة، ولا يُعرف شيء عن مصيرهم.
من جانبه، أشار الناشط معين الكحلوت إلى أن مدينة رفح تم تدميرها بشكل كامل، موضحا أن اهتزازات التفجيرات كانت تُسمع في مدينة العريش المصرية ومنطقة النقب، وقد اشتكى المستوطنون من الأصوات المرعبة الناتجة عنها.
جريمة بخلفية عقيدة احتلالية
أما الناشط يحيى حلس، فقال إن "نسف المباني في شرق حيي الشجاعية والتفاح، وفي مدينة رفح، مستمر بوتيرة عالية جدا، خصوصا في الليل".
وأضاف: "يتم مسح ما تبقى من المنازل، وتدمير أحلام الناس، وفرض واقع جديد. للأسف، ما يحدث هو أكبر من كارثة، أكبر من مصيبة، بل أكبر من كل شيء".
وكتب أحد المغردين قائلا: "المشهد الذي لا يُحكى... هُنا مدينة مش بس انقصفِت.. انمسحت. رفح تحولت لركام. جنوب قطاع غزة صار شاهدا على جريمة، خلفيتها عقيدة احتلالية بدها تمحي الناس والحيطان وحتى الذاكرة".
وتساءل مغردون: "ماذا تبقى من رفح ليتم نسفها بهذا الشكل الوحشي كل يوم؟ ولماذا يحدث كل هذا وسط صمت دولي؟".
ورأى مدونون أن ما يحدث في رفح من تدمير المدينة بلا هوادة، يُجسد مشهدا يلخص الإبادة المستمرة للبشر والحجر، وسط صمت دولي مريب وعجز تام عن إيقاف المجزرة.
وأضاف آخرون أن الجيش الإسرائيلي يحتفل أمام العالم بتدمير رفح، وكأنهم يحتفلون بذبح وطن، بعدما كانت تضج بالحياة قبل 11 شهرا فقط، صارت الآن مجرد أثر بعد عين، مدينة تتحول تحت أنقاضها إلى مقبرة مفتوحة، مدينة لا تجد حتى من يبكيها كما تستحق.
الجيش الإسرائيلي يسيطر على نحو نصف مدينة رفح
وفي السياق ذاته، رصدت وكالة "سند للرصد والتحقق" -التابعة لشبكة الجزيرة- أن الجيش الإسرائيلي سيطر على 47% من مدينة رفح بعد توسيع عمليته العسكرية الجارية.
وذكرت الوكالة -في تغريدة على منصة "إكس" - أن الخرائط اعتمدت على تحليل صور أقمار اصطناعية، تعود لما قبل بدء العملية العسكرية وحتى 12 أبريل/نيسان الجاري.
وأشارت إلى أن الصور تُظهر تنفيذ عمليات تجريف واسعة، إضافة إلى هدم ونسف منازل، وإنشاء سواتر ترابية، وانتشار مكثف للآليات العسكرية الإسرائيلية.
وبدعم أمريكي مطلق، ترتكب إسرائيل، منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، إبادة جماعية بغزة خلفت أكثر من 168 ألف شهيد وجريح فلسطيني، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 11 ألف مفقود.
0 تعليق