أبريل 21, 2025 3:11 م
كاتب المقال : علي سعادة

أخطر ما يمارسه الكاتب والصحفي على نفسه هو الرقابة الذاتية، أن يتحول إلى رقيب داخلي، مقص رقابي، أو قلم أحمر لشطب ما قد يثير “وجع رأس” لا داعي له.
أن تصبح رقابته الداخلية هي من تضبط إيقاع أفكاره وتدفق قلمه.
كأنه يجلس في حضرة رقيب حاد الطبع مستنفر مستعد للقتال وفرض سطوته بصوته وسوطه.
كان الرقيب في السابق موظفا في دائرة المطبوعات والنشر، يتولى رقابة كل شيء، سواء كان مطبوعا أو مصورا أو مسجلا، وحده من يقرر ما يجب أن يقرؤوه وما يشاهده المواطن، ويمنع دخول أي كتاب أو مطبوعة أو فيلم أو أي تسجيل، وهذا الأمر لم يكن يشمل دور النشر والكتب والمطابع وغيرها، بل وصل إلى دور السينما التي كانت تحذف بعض المشاهد بناء على قراره (غالبا مشاهد لا أخلاقية أو تجديف أو شيء من هذا القبيل).
مع مرور الوقت، وتطبيق عدة قوانين عقوبات وقوانين تحد من حرية الكتاب والنشر و تضع الكاتب أمام خيارات صعبة بدا يولد وينمو ويترعرع ويكبر في بنية عقل الكاتب والصحافي رقيب داخلي، غول نهم يأكل كل ما يضيء من أفكار، ويقوم بقص كل شيء تلقائيا.
هذا الرقيب الذاتي، ليس قاسيا وحادا، وإنما جبان ورخو وغير واثق من نفسه، لكنه يمتلك سلطة قرار المراجعة الذاتية خوفا من عقاب السلطة أو التأويل أو التخوين أو التكفير أو التحريض، أو خوفا من سلطة المجتمع، أو الدين، وصاحب العمل ومن أو عشرات المخاوف في غالبيتها أوهام زرعتها السلطة في رأسه، وأوهمته بأن هذا لصالحه، وهي ليست بالضرورة سلطة سياسية وإن كانت هذه أخطرها وأكثرها ضررا.
ولو استطاعت هذه الرقابة الخارجية وحتى الذاتية لانتزعت دماغه ووضعت بدلا منه شريحة تتضمن تفاصيل المسموحات والممنوعات، وكانت ستزوده بأفكار للكتابة تبعده عن بطش السلطة ولا تجره إلى قاعات المحاكم .
لذلك تجد غالبية ما يكتب حاليا هو إعادة صياغة لما قالته السلطة، ليبدو وكأنه رأي كاتبه وهو في الحقيقة والواقع رأي الرقيب الداخلي، أو أن يكون نوعا من التمجيد والتطبيل والتزمير والهتاف للسلطة، وإذا لم يرغب في نقد السلطة أو تأييدها فهو يكتب بطريقة الأحجيات أو الطلاسم كحال هذا المقال تماما، والذي يحتاج إلى عفريت من الجن ليحل لغزه!
0 تعليق