خطوة الزواج ليست "مخرج نجاة" إنما اختبار حقيقي للنضج النفسي

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان- الزواج في حقيقته ليس حلا سحريا للمشكلات الشخصية، ولا مخرجا للهروب من وحدة أو فوضى نفسية. من يظن أن الزواج سيمنحه الاستقرار الذي عجز عن إيجاده في داخله، يضع عبء خلاصه على كتف شخص آخر.اضافة اعلان
فالزواج ليس طريقا للاستقرار، بل هو طريق يسلكه المستقرون. ولهذا، كثيراً ما يقدم البعض على الزواج وهم يظنونه المرفأ الآمن الذي سيصلح حياتهم، ويرمم ضياعهم الداخلي، فيحملون العلاقة ما لا تحتمل من آمال وأحمال. أن يكون الشريكان مستقرين نفسيا قبل الزواج، ليس ترفا ولا شرطا ثانويا، بل هو حجر الأساس لبناء علاقة صحية وعميقة. فالزواج ليس مجرد مشاركة تفاصيل يومية، بل رحلة نضج بين عقلين وقلبين، يحملان تجاربهما ومخاوفهما وأحلامهما.
تؤمن به ياسمين، (34 عاما)، التي تقول "إن استقرار الزوجين قبل دخولهما في العلاقة هو ركيزة أساسية لاستمرارها، إذ يحميها من الانهيارات النفسية والسلوكية التي قد تقود أحيانا إلى العنف أو حتى إلى جرائم نتيجة اضطرابات نفسية متراكمة منذ الطفولة".
وتضيف أن العلاقة الزوجية لا يجب أن تكون مهربا من مشكلات "نرفض التعافي منها لأننا لا نعترف بها اصلا"، مما يحولها إلى حقل ألغام قد ينفجر في أي لحظة. وتوضح أن المقصود هو القدرة على ضبط الانفعالات، والنضج العاطفي، والوعي بالذات، مع تفهم الاختلافات واحترام الحدود.
وفي السياق ذاته، تتفق إيناس مع ياسمين، معتبرة أن السعادة في الزواج تولد من شعور الأمان العاطفي الذي يمنحه الاستقرار النفسي لكل من الشريكين. فعندما يكون كل طرف متصالحا مع ذاته، قادرا على فهم مشاعره وإدارتها، يصبح أكثر قدرة على فهم الطرف الآخر واحتوائه.
وتشير إيناس إلى أن الاستقرار النفسي يمنح الشريك قدرة على الإنصات بدلا من الدفاع، وعلى الصبر بدلا من الانفعال. كما أنه يبدّل نظرة الشريكين إلى الخطأ، ويدفعهما للبحث عن أرضية مشتركة تجمعهما، ويرفع من سقف التسامح بينهما.
وتؤكد أن العلاقة الزوجية لا يمكن أن تزدهر في أرض مضطربة تحاصرها مشاعر القلق من كل جانب. فكثيرون يهربون إلى الزواج بحثا عن الخلاص، معتقدين أنهم حين يضعون أيديهم بأيدي شركائهم سيغلقون أبواب الألم التي فتحتها الحياة، لكن الحقيقة أن الزواج لا ينهي المعاناة، بل يكشفها بوضوح أكبر.
أظهرت دراسات نفسية عديدة أن معظم الجرائم المرتكبة ضمن إطار العلاقات العاطفية لم تكن وليدة اللحظة، بل نتيجة تراكمات عجز الشريكان عن التعامل معها بنضج ووعي. فعندما يفتقد الشخص إلى السلام الداخلي، يصبح أكثر عرضة لأن يتحول إلى أداة مؤذية، سواء تجاه نفسه أو تجاه الآخر.
إن غياب الاستقرار النفسي يجعل من الزواج ساحة لإعادة صراعات قديمة؛ فالمشاعر غير المفهومة، والاحتياجات غير المشبعة منذ مراحل الطفولة، أو حتى من علاقات سابقة، قد تُسقط على الشريك دون وعي، محمّلة إياه عبء ماضٍ لم يكن جزءاً منه. أما من اختبر الاستقرار النفسي قبل الإقدام على الزواج، فيدخل العلاقة من موقع الشريك الحقيقي، لا من موقع المنقذ أو الضحية.
 بيئة مشحونة بالصراعات 
وتبين الاستشارية النفسية والأسرية والتربوية حنين البطوش أنه مع ازدياد معدلات الجرائم داخل العلاقات الزوجية، تبرز الحاجة الملحّة للتأكيد على أهمية تحقيق الاستقرار النفسي والعاطفي لدى الشريكين قبل اتخاذ قرار الزواج. فالعلاقة الزوجية ليست مجرد عقد قانوني أو ارتباط اجتماعي، بل شراكة طويلة الأمد تتطلب وعياً مشتركاً، وتحملاً للمسؤولية، وقدرة على التعامل مع ضغوط الحياة بنضج واتزان.
وعندما يفتقد أحد الطرفين أو كلاهما هذا التوازن الداخلي، تتحول العلاقة إلى بيئة مشحونة بالصراعات، وقد تتطور إلى حالات من الانفجار النفسي والسلوكي تصل احيانا إلى حد العنف أو ارتكاب الجرائم.
ومن أبرز أسباب الخلل في بعض العلاقات الزوجية أن بعض الأفراد يدخلون هذا الارتباط وهم مثقلون بمشكلات نفسية أو عاطفية لم يتم التعامل معها بالشكل الصحيح. فيرون في الزواج مهرباً أو حلاً سحريا لماضيهم المؤلم، سواء كان ذلك بسبب الوحدة، أو الحرمان العاطفي، أو الهروب من بيئة أسرية مضطربة.
غير أن الواقع يثبت أن الزواج لا يصلح الخلل الداخلي، بل قد يزيده تعقيدا إذا لم يبن على أسس من الوعي والنضج، مما يحوله من مساحة يفترض أن تكون آمنة إلى بيئة سامة وغير مستقرة.
والأسوأ من ذلك وفق البطوش أن الأطفال غالبا ما يدفعون الثمن بصمت، إذ يتأثرون نفسيا وسلوكيا بما يشهدونه من عنف أو توتر أو تفكك أسري، ما ينعكس سلبا على نموهم وتكوين شخصياتهم في المستقبل.
 التحلي بوعي ذاتي عميق 
لتحقيق علاقة زوجية متوازنة وناجحة، لا بد أن يتحلى الشريكان بوعي ذاتي عميق، واستعداد نفسي حقيقي لخوض تجربة الحياة المشتركة. ويتطلب ذلك امتلاك مهارات التواصل الفعّال، والقدرة على إدارة الخلافات بطريقة ناضجة وصحية، إلى جانب التفاهم حول القيم والأهداف التي تجمعهما، بحسب البطوش.
كما ينبغي لكل طرف إجراء تقييم نفسي ذاتي، أو مهني عند الحاجة، خاصة إذا كان يحمل في ماضيه صدمات أو تجارب مؤلمة، لضمان الدخول في العلاقة من موقع التعافي والنضج، لا من موقع الهروب أو محاولة التعويض. وتنوه بأن الزواج ليس علاجا للمشكلات النفسية، بل هو انعكاس واستمرار للحالة الداخلية التي يعيشها الإنسان. ومن هذا المنطلق، تبرز أهمية أن يدخل الشريكان هذه العلاقة وهما في حالة من التصالح مع الذات والتوازن النفسي.
ولأن الزواج مسؤولية كبرى، فإن وجود شريكين يتمتعان بوعي ذاتي واستقرار داخلي يمكنهما من فهم احتياجاتهما واحتياجات الآخر، والتواصل بشكل فعال، وحل الخلافات بطريقة بناءة، هو أمر جوهري لنجاح هذه العلاقة. كما ينعكس هذا الاستقرار على قدرة كل طرف في تحمل مسؤوليات الزواج الكبيرة، سواء تجاه الشريك أو الأسرة المستقبلية.
ويتيح الاستقرار النفسي التعامل مع المشاعر السلبية كالغضب والإحباط بأساليب ناضجة وصحية، بعيدا عن الانفعالات المؤذية أو الإسقاطات. كما يعزز مشاعر التعاطف والتفهم، ما يسهم في بناء بيئة زوجية آمنة، داعمة، وصحية.
والأهم من ذلك، كما تقول البطوش أن الزوجين المستقرين نفسيا يشكلان نموذجا ايجابيا لأطفالهما، إذ تعلم العلاقة الإيجابية بين الوالدين الأبناء قيم الحوار والاحترام والحب الآمن. فينشأ الأطفال على أسس نفسية سليمة، يشعرون فيها بالثقة والأمان، ويكتسبون مهارات بناء علاقات صحية، والتعبير عن المشاعر، ومواجهة التحديات بطريقة ناضجة.
مع ذلك، يلجأ بعض الأشخاص إلى الزواج باعتباره مخرجا سريعا أو "حلا سحريا" لمشكلاتهم الشخصية. ومن أبرز أسباب ذلك التوقعات غير الواقعية، حيث يعتقد البعض أن الزواج سيملأ الفراغ العاطفي، أو ينهي مشاعر الوحدة وانعدام الأمان، فيرونه وسيلة للهروب من الضغوط والتحديات. غير أن الواقع يكشف لاحقًا أن هذه المشكلات لا تختفي، بل قد تتفاقم مع تعقيدات العلاقة الزوجية.
وتنوه البطوش أن بعض الأشخاص يجدون الزواج كوسيلة للهروب من واقع صعب، سواء بسبب مشكلات أسرية أو مهنية أو مالية، متخيلين أن الزواج سيمنحهم بداية جديدة أو يغطي على الأزمات القائمة. إلى جانب ذلك، هناك من يرضخون للضغوط الاجتماعية والثقافية التي تفرض الزواج كعلامة على النضج أو النجاح، فيتخذون قرارهم دون وعي أو استعداد كافٍ.
ولكي تنجح العلاقة الزوجية وتكون سوية بما يضمن شعور الأطفال بالأمان والاستقرار، تقول البطوش انه لا بد من توفير مجموعة من الأسس الجوهرية للعلاقة الصحية. في مقدمة هذه الأسس يأتي الاستقرار النفسي والعاطفي، حيث ينبغي لكل طرف أن يكون متوازنا داخليا، وقادرا على تلبية احتياجاته العاطفية دون الاعتماد الكامل على الآخر. فالعلاقة الناجحة تقوم على التكامل لا على الاتكالية.
أما الخلافات، فهي جزء طبيعي من أي علاقة بشرية، لكن الفارق يكمن في طريقة إدارتها؛ وترى البطوش أن الشريكين الناضجين يتعاملان معها بالحوار البنّاء، بعيدا عن التجريح والانفعال. ويستحب للزوجين تعلم طرق وفنون إدارة الخلافات، بما يتسم بالحكمة واللين والمحبة، لتتحول الخلافات إلى فرص للنمو والنضج لا أسباب للتنافر.
إضافة إلى ذلك، تعد المشاركة في المسؤوليات من العوامل الأساسية التي تقلل الضغوط اليومية، وتعزز الإحساس بالتكافؤ بين الشريكين، مما يشعر كل طرف أنه ليس وحيدا في مواجهة تحديات الحياة. كما أن تبادل الرعاية العاطفية والدعم المتبادل يسهم بشكل كبير في تعميق أواصر العلاقة، خاصة في اللحظات التي تتطلب تماسكا ومساندة متبادلة.
 الاعتقاد الخاطئ "زوجوه بيعقل"
يرى الاستشاري النفسي الأسري الدكتور أحمد سريوي أن كثير من الناس يعتقدون أن الزواج يمكن أن يكون علاجا للاضطرابات النفسية والشخصية، انطلاقا من القناعة الشائعة بفكرة "زوجوه بيعقل"، مؤكدا أن هذا الاعتقاد خاطئ تماما. فالأسرة مؤسسة تحتاج إلى أفراد أسوياء قادرين على أداء وظائفها ومهامها الأساسية، مثل توفير الحب والاحترام والحماية النفسية والجسدية، بالإضافة إلى تأمين الاستقرار والأمان.
ويبين سريوي أن من مهام الأسرة أيضا غرس المعتقدات والقيم والاتجاهات لدى الأطفال، وتكوين شخصياتهم، وتهذيب أخلاقهم، والعناية بصحتهم النفسية والجسدية، إضافة إلى تقديم الرعاية الضرورية لضمان بقائهم ونموهم السليم. وبحسب سريوي، تلعب الأسرة دورا في تشكيل شخصية الفرد وتنمية ذاته، إذ يساهم الجو الأسري المريح في دعم نمو الطفل الاجتماعي والنفسي والثقافي والديني بشكل سليم. كما يستمد أفراد الأسرة مكانتهم الاجتماعية من مكانة أسرهم داخل المجتمع الذي يعيشون فيه.
وإلى جانب ذلك، تقوم الأسرة بتوفير الحماية الجسمية والنفسية والاقتصادية لجميع أفرادها، سواء كانوا أطفالا أو شيوخا أو أمهات أو آباء أو إخوة وأخوات. كذلك، تضطلع الأسرة بدور مهم في تعليم أفرادها القيم الدينية، وتعزيز احترامها وممارسة طقوسها.
ويؤكد سريوي مجددا أن الزواج لا يمكن أن يكون علاجا للاضطرابات النفسية أو الشخصية لدى الفرد المقبل على الزواج، مشددا على أهمية تأهيل الأبناء نفسيا واجتماعيا قبل إقدامهم على هذه المرحلة المفصلية من حياتهم، لضمان بناء علاقة زوجية صحية ومستقرة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق