‏انهيار الولايات المتحدة‏

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

ملفين غودمان*‏ - (كاونتربنش) 17/4/2025


‏في أقل من 90 يومًا، أصبحت الولايات المتحدة في عهد ترامب بلدًا مختلفًا تمامًا. وليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة تواجه انهيارًا سيكون من الصعب عكس اتجاهه أو احتواء تداعياته.اضافة اعلان
*   *   *
‏"قرر العالم بأسره أن الحكومة الأميركية ليس لديها أي فكرة عما تفعله".‏
‏- مارك بليث، "التضخم: دليل للمستخدمين والخاسرين" (نيويورك تايمز، 14 نيسان (أبريل) 2025).‏
‏كانت تصريحات البروفيسور مارك بليث تتحدث عن الاضطراب والفوضى التي صنعتها إدارة ترامب في الأسواق المالية العالمية بسبب تعاملها غير الكفء على الإطلاق مع أسواق السندات، وبدء حرب تجارية مع الصين. لكنّ من الممكن توجيه تهمة بليث إلى كل جانب من جوانب حكم ترامب على مدى الأشهر الثلاثة الماضية، بدءًا من تعيين وزراء ورؤساء للوكالات هم الأقل خبرة وقدرة على الإطلاق في تاريخ الولايات المتحدة. كان دونالد ترامب قد تحدث في خطاب تنصيبه لولايته الأولى في العام 2017 عن "مذبحة أميركية". حسنًا، الآن بعد ثماني سنوات، ها نحن ذا -مذبحة أميركية.‏
‏في أقل من 90 يومًا، أصبحت الولايات المتحدة في عهد ترامب بلدًا مختلفًا تمامًا. وليس من المبالغة القول إن الولايات المتحدة تواجه انهيارًا سيكون من الصعب عكس اتجاهه أو احتواء تداعياته. لقد استولى الفرع التنفيذي سلطات ترتبط عادة بمتطلبات زمن الحرب. وتم تحييد السلطة التشريعية إلى حد كبير بسبب التنازل شبه الكامل من جانب الحزب الجمهوري. ويواجه النظام القضائي تحديًا غير مسبوق من رئيس ونائب رئيس لا يحترمان محاكمنا وقضاتنا. وأقال ترامب ما لا يقل عن 15 مفتشًا عامًا كان الكونغرس قد كلفهم باستئصال الانتهاكات في الوكالات الفيدرالية. هذه دعوة مفتوحة للفساد وسوء استخدام السلطة.‏
اليوم تواجه الولايات المتحدة أزمات وجودية، ودستورية، وأزمة هوية تؤشر كلها على تدهور البلاد. ويمكن مسبقًا رؤية الأثر في عدم الاستقرار الذي نعاني منه، محليًا ودوليًا.
‏الأزمة الدستورية: كان فشل دونالد ترامب في الامتثال لأمر المحكمة العليا غير الموقَّع في الأسبوع الذي سبق كتابة هذه السطور ظاهرًا في اتخاذ خطوات لإعادة مهاجر سلفادوري -كيلمار أبريغو غارسيا- هو بداية أزمة دستورية توقعها الكثيرون من الذين كانوا يخشون عودة ترامب إلى البيت الأبيض. تم ترحيل أبريغو غارسيا ظلمًا إلى السجن الأسوأ سمعة في السلفادور، ولا يوجد حتى الآن دليل على ارتكابه أي مخالفات. لم يتم القبض عليه أو اتهامه بارتكاب جريمة أبدًا. وأخبر رئيس السلفادور، نايب بوكيلي، ترامب في 14 نيسان (أبريل) بأنه لن يعيد أبريغو غارسيا، وقالت المدعية العامة، بام بوندي، وهي تجلس إلى جانب ترامب، إن الأمر متروك للسلفادور لاتخاذ القرار. وفي مثال كامل على القسوة الشديدة التي بلا رحمة لإدارة ترامب، أضافت بوندي أنه "إذا أرادوا إعادته، فسنسهل ذلك، بمعنى توفير طائرة".‏
‏في الأسبوع الماضي، قال ترامب إنه لا يحترم قرارات المحاكم الفيدرالية، لكنه سيطيع قرارات "المحكمة العليا". وبعد يومين، ألقت إدارة ترامب القفاز، قائلة إنه ليس مطلوبًا منها إشراك حكومة السلفادور في تسهيل عودة أبريغو غارسيا. كان ترحيل أبريغو غارسيا بمثابة حالة "اختطاف رسمي"، حيث تم إبعاده من الولايات المتحدة من دون اتباع الإجراءات القانونية الواجبة. وكانت نبرة ترامب المتحدية مدعومة من وزارة العدل التي تتحرك لتوسيع سلطات السلطة التنفيذية بطرق غير قانونية -بل وحتى غير دستورية.‏
‏الأزمة الوجودية: تضع الأزمة الدستورية الولايات المتحدة في أزمة وجودية، حيث نجد أعضاء بارزين في الإدارة، ولا سيما المدعي العام ونائب رئيس أركان الرئيس، وهم يشككون في المفاهيم الأساسية لسيادة القانون والحرية نفسها. لم يسبق أن كان هناك تحد بهذا الحجم في أي وقت في تاريخ الولايات المتحدة، باستثناء فترة الحرب الأهلية في ستينيات القرن التاسع عشر. على مدى السنوات المائة والخمسين الماضية، افتخر السياسيون والمؤرخون الأميركيون بالولايات المتحدة بسبب استثنائيتها، التي ميزت الولايات المتحدة وبررت تصدير التقاليد والقيم الأميركية. والآن، لم تعد "الاستثنائية" تعمل كمجاز في الخطب السياسية والروايات التاريخية.‏
‏على مدى السنوات الثمانين الماضية، كانت الولايات المتحدة فخورة بشكل خاص بلعب دور لا غنى عنه في تخليص العالم من التهديدات الفاشية والشيوعية، لكن إدارة ترامب خلقت ارتباكًا استراتيجيًا في ما يتعلق بأهداف وغايات الولايات المتحدة. الآن أصبحت حالة التحالف عبر الأطلسي موضع تساؤل. والحرب التجارية والتعريفية الجمركية مع الصين تزداد سوءًا. كما أثار الضغط على أوكرانيا شكوكًا حول موثوقية الدعم الأميركي بين الحلفاء في أوروبا وآسيا.‏
أزمة الهوية: تتجلى أزمة الهوية في الخِسّة العميقة التي يتسم بها ترامب نفسه، حيث يتحمّل مسؤولية شخصية عن القسوة التي تميّز تعامل إدارته غير القانوني وغير الدستوري مع اللاجئين. إن القصيدة المنقوشة على تمثال الحرية تُعبّر عن دور التمثال كرمز للترحيب والأمل. أما اليوم، فإن اللاجئين في الولايات المتحدة، الذين فرّوا من العنف في بلدانهم الأصلية، يواجهون عنفًا أشد داخل الأراضي الأميركية. وقد تعهّد ترامب بترحيل مليون مهاجر في سنته الأولى، ولولا نقص التمويل والموظفين، لكان على الأرجح قد نفّذ هذا الهدف. ويشرف نائب رئيس موظفي البيت الأبيض، ستيفن ميلر، على حملة الترحيل، ويضغط على ثلاثين دولة لقبول مهاجرين لا يحملون جنسياتها وليسوا من مواطنيها. وتشكل قضية أبريغو غارسيا حالة نموذجية لتجسيد الخِسّة الساحقة التي يتسم بها فريق ترامب.
‏يشكل إلغاء تأشيرات الطلاب الأجانب، الذي يشرف عليه وزير الخارجية الذي يبدو أن هذا هو نشاطه الوحيد هذه الأيام، علامة أخرى على الهوية الأميركية الجديدة. في أقل من 60 يومًا تم إلغاء تأشيرات أكثر من 1000 طالب دولي كجزء من جهد زائف لمحاربة "معاداة السامية" في حرم الجامعات. وكان محمود خليل، الطالب في جامعة كولومبيا، هو الحالة الأولى في هذه الحملة التي تسببت في ترحيل العديد من الطلاب الدوليين، وهو بالضبط ما يفضله ترامب وروبيو وميلر. ونتيجة لذلك، لن يفكر الطلاب الأجانب في الجامعات الأميركية لتحصيل تعليمهم العالي، خاصة وأن كندا وأستراليا تقدمان قدرًا أكبر بكثير من الأمان والدعم.‏
‏ويعاني المواطنون الأميركيون أنفسهم أيضًا من لؤم فريق ترامب. فقد ألغى ترامب الحماية الأمنية لابن وابنة الرئيس جو بايدن، بل وتحدث عن هانتر بايدن باعتبار أنه يستحق عقوبة الإعدام، وهو ما يفسر سبب عفو بايدن عن ابنه قبل ترك منصبه في المقام الأول. وأثارت لغة ترامب مخاوف جدّية لدى مستشار الأمن القومي السابق جون بولتون، والدكتور أنتوني فاوتشي، والجنرال مارك ميلي، وهو ما قد يفسر سعادة ترامب بإزالة الحماية الأمنية الخاصة بهم. وتم طرد أكثر من عشرة مدعين عامين عملوا في التحقيق الجنائي لمجلس جاك سميث الخاص بشأن مخالفات ترامب.‏
‏تتعرض كل مؤسسة مهمة في الولايات المتحدة للهجوم من قبل المتخلفين في إدارة ترامب، حتى المكتبات والمتاحف التي نعتمد عليها باعتبارها "أكثر مصادر المعلومات موثوقية في هذا البلد"، وفقًا للرئيس التنفيذي لـ"التحالف الأميركي للمتاحف". كنا قد اعتدنا أن نقول سابقًا إن الاتحاد السوفياتي هو الدولة الوحيدة في العالم التي لديها "ماض لا يمكن التنبؤ به"، لكنّ هذا الاتهام يمكن توجيهه إلى الولايات المتحدة أيضًا. في الشهر الماضي، أصدر ترامب أمرًا تنفيذيًا بعنوان "استعادة الحقيقة والعقل إلى التاريخ الأميركي"، والذي تعهد فيه بمراجعة روايتنا التاريخية وإعادة صياغتها.
‏استهدف ترامب نفسه "مؤسسة سميثسونيان" و"المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأميركيين من أصل أفريقي" بما سماه إعادة التجهيز والمراجعة. ويتولى نائب الرئيس، جي دي فانس، الذي يجلس الآن في مجلس إدارة سميثسونيان، مسؤولية إزالة "الأيديولوجية غير اللائقة" للمؤسسة. ويتم استهداف جامعات النخبة؛ والوكالات التنظيمية الناجحة؛ والإدارات الصحية؛ ومكاتب المحاماة المرموقة، وإضعافها في هذه العملية. حتى أن دونالد ترامب هندس استيلاءً مباشرًا على "مركز كينيدي"، في ما كان مثالاً على نرجسيته المرضية.‏
قال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إن انهيار الاتحاد السوفياتي في العام 1991 كان "أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين". من الممكن أن يكون الانهيار السوفياتي قد منح الولايات المتحدة الكثير من القوة لمنفعتها الخاصة، وهو ما أفضى إلى إساءة استخدام السلطة في توسيع منظمة "حلف شمال الأطلسي" (الناتو)؛ وعشرين عامًا من الحرب في أفغانستان؛ والوجود العسكري المستمر في العراق الذي أعقب حربًا مماثلة استمرت عشرين عامًا. ربما تكون أكبر كارثة جيوسياسية حتى الآن في القرن الحادي والعشرين هي الانهيار السياسي والاقتصادي للولايات المتحدة، والذي ستكون له نتائج وتداعيات بعيدة المدى على المجتمع الدولي بأسره.‏
‏بالإضافة إلى الاضطرابات الداخلية التي أطلقتها إدارة ترامب، كانت الولايات المتحدة تفقد قوتها ونفوذها على الساحة الدولية، بما في ذلك تراجع نفوذ الولايات المتحدة في "تحالف الأطلسي" الذي ضمن سلامة علاقات الولايات المتحدة مع أوروبا الغربية؛ والانقسام الطائش "والهائل" بين الولايات المتحدة والصين الذي لا معنى له على الإطلاق؛ والتراجع عن الحد من التسلح ونزع السلاح؛ وتطهير وتسييس الجيش المحترف؛ وتهديد الأسبوع الماضي للنظام المالي العالمي الذي ضمن تفوق الدولار الأميركي والسندات الأميركية في الأسواق الدولية. كانت بريطانيا قد فقدت تفوق الجنيه الإسترليني في أعقاب حرب السويس في العام 1956. والتاريخ لا يعيد نفسه، لكنّ صداه يتردد. وربما نشهد فقدان الدولار هيمنته بسبب حماقة فريق ترامب للأمن القومي.

‏*ملفين أ. غودمان Melvin A.: زميل أقدم في "مركز السياسة الدولية" وأستاذ الحكومة في جامعة جونز هوبكنز. محلل سابق لوكالة المخابرات المركزية. وهو مؤلف كتب "‏‏فشل الاستخبارات: تراجع وسقوط وكالة المخابرات المركزية" Failure of Intelligence: The Decline and Fall of the CIA؛‏‏ ‏‏و"انعدام الأمن القومي: تكلفة النزعة العسكرية الأميركية‏‏" National Insecurity: The Cost of American Militarism؛ ‏‏و"مبلغ عن المخالفات في وكالة المخابرات المركزية‏‏" A Whistleblower at the CIA. أحدث كتبه "المذبحة الأميركية: حروب دونالد ترامب" American Carnage: The Wars of Donald Trump (منشورات أوبس، 2019)؛ و"احتواء دولة الأمن القومي" Containing the National Security State (منشورات أوبس، 2021). وهو كاتب عمود الأمن القومي في "كاونتربنش.أورغ".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: The Meltdown of the United States

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق