في قلب اليابان، وتحديدًا في منطقة كانساي، افتتح جناح مملكة البحرين أبوابه ضمن إكسبو 2025 أوساكا، حاملًا معه عبق التاريخ وصوت البحر، في مشاركة رابعة تؤكد الحضور الثقافي المتجدد للمملكة على الساحة العالمية.
وتحت شعار «تلاقي البحار»؛ لا يكتفي الجناح بأن يكون مبنى معماريًا لافتًا، بل يتحول إلى تجربة حسية وإنسانية تلامس جوهر ما تمثله البحرين؛ حضارة ضاربة في القدم، وانفتاح دائم على العالم.
بتصميم مستوحى من التراث البحري وتقاليد النجارة اليابانية، يقدم الجناح رؤية فريدة لعلاقة البحريني بالبحر، ليست بوصفه مجرد مورد طبيعي، بل كحالة وجدانية ومصدر حياة. وقد أبدعت المهندسة لينا الغطمة في ترجمة هذه الرؤية إلى أربعة طوابق على مساحة 995 مترًا مربعًا، تمزج بين الحداثة والاستدامة والهوية المحلية.
التصميم لا يستعرض فقط الجمال المعماري، بل يقدم قصة مكان وشعب، حيث تلتقي الحواس الخمس في تجربة تفاعلية صنعتها مواهب بحرينية بتعاون مع فنانين محليين أمثال حسن حجيري، وشركات إبداعية مثل شيبرد ستوديو.
هذا الحضور لا ينعزل عن البعد التراثي والثقافي الأوسع، إذ نظمت هيئة البحرين للثقافة والآثار فعالية «تاريخ وثقافة البحرين» في العاصمة طوكيو بالتعاون مع معهد طوكيو الوطني، لتعميق التبادل العلمي والإنساني بين البلدين. وقد أتيح للزوار خوض تجربة غامرة في أعماق التاريخ باستخدام تقنيات الواقع الافتراضي، لاكتشاف تلال المدافن وغرف الدفن من فترة دلمون وتايلوس، في تفاعل يربط بين الماضي العريق والتكنولوجيا الحديثة.
الجناح البحريني، بما يضمه من عروض ثقافية وطابق اقتصادي بإشراف مجلس التنمية الاقتصادية، يؤكد التكامل بين التاريخ والمستقبل؛ فالمقهى الذي تشرف عليه الشيف البحرينية تاله بشمي، يقدم قائمة مبتكرة تمزج بين نكهات البحرين وتقنيات الطهي اليابانية، بينما يعرض المتجر منتجات مستوحاة من التراث المحلي، وتكمل الأزياء الرسمية التي صممتها لولوة الأمين صورة الجناح كمنصة متكاملة لهوية وطن.
ورغم أن البحرين تشارك كدولة صغيرة من حيث الجغرافيا، إلا أن حضورها في هذا الحدث العالمي الكبير الذي يستقطب أكثر من 28 مليون زائر، يعكس طموحًا كبيرًا ورؤية حضارية عميقة، إنها رسالة تؤكد أن الثقافة ليست ترفًا، بل استثمار في الإنسان، وجسر للتفاهم بين الشعوب.
«تلاقي البحار»؛ ليس مجرد عنوان لجناح وطني، بل تعبير صادق عن التقاء الحضارات، واحتفاء بالاختلاف، وتأكيد على القيم الإنسانية المشتركة.
وفي اليابان، حيث تحتفى التفاصيل وتصان التقاليد، وجدت البحرين مسرحًا مناسبًا لتقول للعالم؛ هنا ثقافة تعيش، وهوية تنبض، وتاريخ لا يزال يصنع المستقبل.
0 تعليق