تفاعلوا قبل أن تساقوا إلى المحاكم

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حتى هذه اللحظة تستقبل محاكم الأسرة في البلاد الإسلامية دعاوى من زوجات وقع عليهن ضرر من أزواجهن، سواء ضرراً نفسياً بسبب الهجر، أو جسدياً نتيجة اعتداء الأزواج، لكن الأمر لن يدوم، وربما ستشهد المحاكم في المستقبل القريب دعاوى ضرر من نوع آخر، فنحن لسنا بمنأى عن العالم، وهذا أحد الأمثلة، ففي فبراير 2024، تقدمت سيدة أمريكية بدعوة تفريق ضد زوجها، الذي كانت مشكلته معها – حسب ما ورد في نص المحكمة – «انعدام التفاعل اللازم على وسائط التواصل الاجتماعي» فما اقترفه هذا الزوج المسكين أو الجاحد – تحديد ذلك يعتمد على وجهة نظرك عزيزي القارئ والزاوية التي تنظر منها – أنه – وهذا بالفعل ما حصل - لم ينشر صورتها منذ ستة أشهر، كما أنه لم يضع لها قلباً أحمر على منشوراتها الأخيرة، بل تمادى في جريمته أكثر من ذلك، وتجاهل ثلاث حالات رومانسية موجهة له ضمناً نشرتها الزوجة، فرفض القاضي الدعوى معلقاً بأن المحكمة لا يمكنها قياس الحب باللايكات.

قد تنطبق عبارة القاضي على كثير من أفراد المجتمع، لكن في الوقت نفسه غيرهم وهم كثر، أفعالهم وتصرفاتهم تقول إن العواطف تقاس باللايكات والإيموجيات والمشاركات والنشر، فهم يحبون بواسطة الكتابة والمبالغة في الوصف، ويخاصمون بإلغاء المتابعة والإعجاب، والاهتمام لديهم يقاس بعدد مرات الإشارة (Tag)، والتفاعل مع منشورات الآخرين ومجاملتهم يعتبرونها خيانة ما بعدها خيانة، حتى الهدايا تحولت إلى رقمية، وكل العلاقات بين أفراد المجتمع صارت بحاجة إلى توثيق رقمي لإثباتها، فتحولت المشاعر من محسوسة إلى مرئية عبر التطبيقات المختلفة، وإلا لن تصدق فهي بحاجة إلى حضور رقمي صاخب أقوى من الحضور الواقعي، حتى تحولت إلى واجب يومي له جدول زمني، يبدأ بـ«صباح الحب» وينتهي بـ«تصبح على خير» ويا ويله من نسي فقرة من الجدول، كل ذلك وربما الطرفان لم يلتقِ أحدهما بالآخر فعلياً وربما لن يلتقيا في يوم من الأيام، لكن المهم إعلان الحب هذا هو المطلوب، حتى لو لم يكن هناك حب أساساً، وهذا يشمل المتزوجين أيضاً، المهم هاشتاغات #انت_الحب، #انت_الروح حاضرة وموجودة باستمرار، وإلا ستواجه العلاقات الزوجية خطر الانهيار، باختصار هناك معادلة جديدة للحب وهي: الحب = (عدد الصور × عدد القلوب) ÷ عدد دقائق التأخر في الرد.

لذا إذا كنت من النوع الصامت الذي لا يعبر عن حبه رقمياً، فأنت خارج الخدمة، فلا يمكن للخوارزميات أن تتعرف على مشاعرك، وبالتالي لن يتعرف عليها الطرف الثاني، وهذا ما قد يتسبب في وجودك أمام القاضي في المحكمة في يوم ما، وربما سيكون القاضي قد استسلم للأمر بعد تغير المجتمع وعندها ستكون قضيتك خاسرة، فأنت لم توثق حبك رقمياً وبالتالي ليس لديك بينة عليه أمام المحكمة.

* عميد كلية القانون – الجامعة الخليجية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق