دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- تُحارب ميليسا فاليانت التلوث البلاستيكي بأسلوبها الخاص. إذ تضع بحقيبتها في كل مرة تخرج فيها لتناول الطعام، أدوات مائدة قابلة لإعادة الاستخدام.
ترفض فاليانت استخدام الأدوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، لأنّها ليست مجرد نفايات، بل جزء من أزمة التلوث البلاستيكي المرتبطة على نحو وثيق بتغيّر المناخ.
يُصنَع البلاستيك من مواد مشتقة من الوقود الأحفوري، ويُساهم احتراقه في إطلاق غازات دفيئة، مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، وهما يُعتبران السبب الرئيسي في ارتفاع حرارة الأرض. أما أدوات المائدة البلاستيكية، فتُصنع غالبًا من مادة تُدعى "البوليسترين"، وهي نوع من البلاستيك القاسي الذي يتم إنتاجه من مخلفات البترول.
البلاستيك وتغيّر المناخ: الخطر الخفي
أوضحت فاليانت، وهي مديرة الاتصالات في مشروع Beyond Plastics الوطني الهادف إلى إنهاء التلوث البلاستيكي ويأخذ من كلية بينينغتون بولاية فيرمونت الأمريكية مقرًا له: "البلاستيك يساهم بتغيّر المناخ في كلٍّ من مراحل دورة حياته".
وأضافت أنّ "إنتاج البلاستيك يساهم في ارتفاع حرارة الكوكب بمعدل يزيد أربع مرات عن السفر الجوي".
لا تقتصر المشكلة على أثره المناخي فقط، بل يمتد أثر البلاستيك ليشمل تلوّث الهواء والماء الناتج عن عمليات الحفر والتكسير الهيدروليكي، وصولًا إلى الانبعاثات السامة من مصانع إنتاج البلاستيك.
أشارت فاليانت أيضًا إلى أن دورة حياة البلاستيك ترتبط بما يُعرف بالظلم البيئي، إذ غالبًا ما تُصنع المنتجات البلاستيكية وتُتلف في المجتمعات ذات الدخل المنخفض، أو في المجتمعات من ذوي البشرة الملوّنة. وقد أدّت هذه الملوثات إلى ارتفاع معدلات الإصابة بالسرطان في تلك المناطق.
من جهة أخرى، لفتت الدكتورة جيليان غولدفار، وهي أستاذة الهندسة الكيميائية والجزيئية الحيوية في جامعة كورنيل بنيويورك، إلى أن "المصافي تحتاج عادةً إلى حوالي 1.5 برميلًا من المياه لكل برميل نفط تتم معالجته".
أثر أدوات المائدة القابلة لإعادة الاستخدام
تُقدّر بعض التقارير أنّ بين 36 و40 مليار قطعة من أدوات المائدة البلاستيكية تُستخدم سنويًا في الولايات المتحدة وحدها، أي أكثر من 100 مليون قطعة يوميًا.
رغم الاعتقاد الشائع بأنّ إعادة تدوير هذه الأدوات قد يُخفّف من أضرارها، إلا أن الواقع مختلف تمامًا. وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة، فإن 9% فقط من إجمالي البلاستيك الذي تم إنتاجه عالميًا حتى عام 2018، أي نحو 9 مليارات طن متري، قد تمت إعادة تدويره.
هذا يعني أن الغالبية العظمى من البلاستيك تنتهي في مكبّات النفايات أو في الطبيعة، حيث تبقى لقرون من دون أن تتحلّل.
وعلّقت غولدفار أنّ "البلاستيك المصمّم ليدوم طويلاً يعني أنّ الشوكة التي استخدمتها في غداء اليوم قد تظل في مكبّ النفايات لمدة تصل إلى 500 عام"، موضحة أنّ أدوات المائدة البلاستيكية عندما تُلقى في مكبّات النفايات، تتعرّض لعوامل ميكانيكية مثل الاحتكاك والضغط بين أطنان القمامة، إلى جانب عوامل بيولوجية وكيميائية مثل البكتيريا والمواد الكيميائية المسبّبة للتآكل.
رغم أنّ هذه العوامل لا تُسرّع من تحلّل البلاستيك بشكل فعّال، لكنّها تُسهم في إطلاق المزيد من الجزيئات البلاستيكية الدقيقة (الميكروبلاستيك)، التي قد تتسرب في المياه الملوثة وتصل إلى مصادر المياه الجوفية.
أما ما لا يُعاد تدويره أو يُرمى، فغالبًا ما يُحرق أو يُلقى في الطبيعة، حيث أشارت غولدفار إلى أنّ حرق الأدوات البلاستيكية يُطلق ثاني أكسيد الكربون، وقد يُنتج موادًا ملوّثة أخرى مثل الجسيمات الدقيقة، وأول أكسيد الكربون، خصوصًا إذا لم تكن محارق النفايات تعمل بكفاءة كاملة.
أظهرت تقارير وكالة حماية البيئة الأمريكية (EPA) أنّ الانبعاثات الناتجة عن الحرق تبقى أدنى من تلك الناتجة عن المكبّات. وتقوم الوكالة برصد هذه الانبعاثات وتحديد معايير للملوثات المسموح بها.
أما في ما يتعلق بالحلول، أكدت فاليانت أنّ الأثر الأكبر على البيئة لا يأتي من استخدام الأفراد للبلاستيك، بل من عملية إنتاجه نفسها، مضيفة أنّ "هذا سبب آخر يؤكّد أن حلول إدارة النفايات وحدها لن تكون كافية لمواجهة هذه الأزمة. نحتاج إلى إيقاف التلوث من المصدر، أي تقليل إنتاج واستخدام البلاستيك منذ البداية".
بدائل بسيطة.. وتوفير هائل
بهدف التقليل من استخدام أدوات المائدة البلاستيكية، يمكنك استبدالها بخيارات أكثر استدامة مثل الأدوات القابلة للتحلّل، أو المصنوعة من الخيزران (البامبو)، أو المعادن، وجميعها تتطلّب طاقة وموارد أقل للإنتاج.
يستهلك إنتاج كيلوغرام واحد من شوك البامبو فقط 0.46 كيلواط/ ساعة من الطاقة، مقارنة بـ11 كيلواط/ساعة لإنتاج ذات الكمية من الشَُوَك البلاستيكية. ورغم أن تصنيع الأدوات المعدنية يتطلّب مياهًا أكثر من البلاستيك، فإنّ الفوائد البيئية تظلّ أكبر على المدى الطويل.
وجدت فاليانت أن الأشخاص لا يحتاجون إلى شراء أدوات أنيقة من متجر بيئي، إذ يجب عليهم فقط استخدام ما لديهم حقيقة في المنزل.
وأضافت أنه لو تمّ الاستغناء في أمريكا عن الشوك البلاستيكية التي تزن الواحدة منها حوالي 5 غرامات، لكانت المكبات ستتجنّب نحو 200,000 طن من البلاستيك سنويًا، أي ما يعادل وزن 889 تمثالًا للحرية.
أما من ناحية استهلاك الكهرباء، أوضحت غولدفار أنّ التحوّل من الشوك البلاستيكية إلى المعدنية قد يوفّر طاقة تكفي لشحن هاتف آيفون مرة واحدة يوميًا لمدة خمس سنوات.
رغم أن تأثير فرد واحد قد لا يغيّر معادلة أزمة المناخ بمفرده، فإن غولدفار أكّدت أنه "إذا شارك هذا الشخص تجربته مع الآخرين، فقد يكون شرارة لبناء مجتمع من التغيير".
مع تزايد عدد الولايات والمدن الأمريكية التي تحظر استخدام الأدوات البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد، رأت غولدفار أنّ "هذه الجهود الجماعية قد تُحدث أثرًا بيئيًا حقيقيًا وملموسًا".
تقليل استخدام البلاستيك.. حماية لكوكبك وجسمك
بالتوازي مع تقليل المساهمة في التلوث وأزمة المناخ، فإنّ خفض استخدام الأشخاص للبلاستيك يُقلّل أيضًا من احتمالية تراكم الميكروبلاستيك داخل الجسم، بحسب ما يؤكده الخبراء، وهذه ظاهرة بدأت الأبحاث الحديثة الكشف عنها على نحو متزايد.
وقد أظهرت الدراسات وجود جزيئات بلاستيكية دقيقة في دم الإنسان، ورئتيه، والمشيمة، وحتى في الدماغ والخصيتين.
وأعربت فاليانت عن قلقها الكبير حيث أن الكثير من هذه المواد الكيميائية ترتبط بمرض السرطان، واضطرابات الهرمونات، والسكري، ومشاكل الخصوبة.
وخَلُصَت إلى أنه "علينا تقليل تعرضنا لهذه المواد، لذا من الضروري أن يتدخل صانعو السياسات لإجبار الشركات على اتخاذ خطوات جادة".
0 تعليق