جيل Z وطموح التقاعد المبكر.. خطة "مدروسة" أم خيال يصعب تحقيقه؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

عمان - "ما بدنا ننتظر لسن الستين لنرتاح، نشتغل اليوم بذكاء ونعيش بكرا براحة"؛ بهذه العبارة يلخّص العديد من الشباب من جيل Z رؤيتهم الجديدة للحياة والعمل، وتحديدا من خلال تبنيهم لحركة FIRE (الاستقلال المالي والتقاعد المبكر)، التي باتت تجذب شريحة متزايدة ممن يرون في النمط التقليدي للحياة طريقا طويلا ومرهقا لا يشبه أحلامهم ولا يناسب طموحاتهم.اضافة اعلان
ما يقصد بـ FIRE ؟
FIRE هو اختصار لـ Financial Independence Retire Early، أي الاستقلال المالي والتقاعد المبكر. تقوم الفكرة على مبدأ الادخار المكثف، أحيانا تصل النسبة إلى 50 % أو حتى 75 % من الدخل والتقليل من المصاريف غير الضرورية، مع استثمار المدخرات في أصول تدر دخلا على المدى الطويل، مثل الأسهم، والصناديق الاستثمارية، والعقارات.
الهدف يكون بالوصول لمرحلة من الحرية المالية تسمح للشخص بترك العمل الوظيفي في سن مبكرة أحيانا قبل الأربعين والعيش كما يريد، بعيدا عن ضغوط العمل، والاعتماد على الدخل السلبي من استثماراته.
- هل هذا أمر يمكن أن يتحقق؟
يقول الخبير الاقتصادي حسام عايش إن حركة FIRE، رغم شعبيتها المتزايدة عالميا، لا يمكن إسقاطها ببساطة على الواقع الأردني. ويرى أن الفكرة مستوردة من بيئات اقتصادية واجتماعية مختلفة، حيث ترتبط بظروف دخل مرتفعة، وأسواق استثمارية مستقرة، ونظام ضريبي مشجع، وهي مقومات لا تتوفر جميعها في الأردن.
ويضيف أن البيئة المحلية قد تتيح فقط لفئة ضيقة من الشباب فرصة دخول عالم الادخار والاستثمار المبكر، بينما معظم ما يعرض من قصص نجاح على الإنترنت قد يكون مبالغا فيه أو غير دقيق، ويغذي توقعات غير واقعية لدى الشباب.
جيل Z.. بين الطموح والمرونة
لكن جيل Z، كما يرى آخرون، لا يهرب من الواقع، بل يعيد رسمه. شباب تنشأ في بيئة تكنولوجية، وتغرق في المحتوى الرقمي والفرص غير التقليدية، يبحث عن نمط حياة مرن يحقق له الاستقلالية، لا يتعلق فقط بالمال بل بحرية الوقت والقرار والهوية.
يقول خالد (27 عاما): "فكرة إنك تنتظر 30 سنة لتحقق حلمك ما بتقنعني، بشتغل اليوم، بوفر، وبستثمر، لأني بدي حياتي تكون إلي، مش للوظيفة".
وهذا ما يصفه حسام عايش بدقة، إذ يصف هذا الجيل بأنه رقمي بالكامل، نشأ في عصر الذكاء الاصطناعي، ويميل للتفكير بطريقة مختلفة عن الأجيال السابقة، معتبرا أن العالم الافتراضي يشكل مساحة محتملة للإبداع والربح. لكنه يحذر أيضا من الفجوة بين الواقع الرقمي والاقتصادي، ومن الوقوع في فخ الفشل خلف قصص النجاح اللامعة.
 تقاعد مبكر أم شراء بيت الأحلام؟
في الوقت الذي كان فيه امتلاك "بيت العمر" حلما مقدسا للأجيال السابقة، يختار متبعو FIRE التخلي عنه مقابل مرونة أكبر. فهم يفضلون الإيجار، أو حتى الانتقال للعيش في مدن أو دول أرخص، لتقليص النفقات الشهرية، وتحقيق الاستقلال المالي.
يقول حسام عايش إن شراء العقارات في ظل الفوائد المرتفعة وأسعار السوق المتقلبة قد لا يكون خيارا حكيما دائما. وحتى لو امتلك الشاب دخلا جيدا، فإن الربط المالي بقرض عقاري طويل الأمد قد يعطل حلم التقاعد المبكر، ويجعل الالتزامات تتغلب على الطموحات.
بالنسبة لهؤلاء الشباب، الامتلاك لم يعد مرادفا للأمان، بل أصبح أحيانا عبئا. يفضلون استثمار أموالهم في أصول تدر دخلا، لا تستهلكه، ويرون أن الراحة النفسية والحرية تتفوق على الفخامة أو المظاهر.
ماذا عن الدخل والادخار في الأردن؟
يشير عايش إلى أن متوسط الرواتب في الأردن يتراوح بين 600 إلى 650 دينارا. وفي ظل هذا الدخل المحدود، فإن الادخار بنسبة 50 % ممكن نظريا، لكنه يتطلب تقشفا حادا وحرمانا شبه كامل من أي رفاهية، وهو ما قد لا يناسب الجميع.
ومع ذلك، فإن الشباب غير المرتبطين بمسؤوليات أسرية أو إيجار سكن، قد يتمكنون من بدء رحلة الادخار، شرط أن يتحلوا بالانضباط المالي والقدرة على تأجيل المتع قصيرة الأمد. "الاستقلال المالي ليس حلما مستحيلا، لكنه صعب، ويتطلب وعيا ماليا واستثمارا ذكيا"، بحسب العايش.
الاستثمارات.. فرصة أم فخ؟
يرى عايش أن بعض الشباب ينجحون في استغلال الاقتصاد الرقمي، أو استثمار عوائدهم عبر أدوات ادخارية تقليدية، لكن فئة أخرى تنجرف نحو استثمارات عالية المخاطرة مثل العملات المشفرة أو الأسهم عالية التذبذب، مدفوعة برغبة في الربح السريع.
ويحذر من أن هذه الاستثمارات قد تكون مغرية، لكنها تستنزف الطموحات أكثر مما تبنيها، مشيرا إلى أن عالم الاستثمار مليء بالوعود الكاذبة التي تستهدف الشباب عديمي الخبرة.
وبينما لا تحقق الاستثمارات الآمنة (مثل الودائع أو السندات) أكثر من
5-10 % عائدا سنويا، فإنها على الأقل توفر استقرارا، وتجنب الشباب خسائر كبيرة قد تقضي على كل ما ادخروه في لحظة.
 التداول والاستثمار.. طرق
نحو الاستقلال المالي
يتمثل أحد الاختيارات المتاحة لشباب جيل Z في استثمار أموالهم لتحقيق الاستقلال المالي والتقاعد المبكر، ولكن ما الفرق بين الاستثمار والتداول؟ بحسب الخبير الاقتصادي وصفي الصفدي، فإن الاستثمار يعتمد على شراء أصول مالية بغرض تحقيق عوائد طويلة الأجل، مثل الأسهم أو العقارات، بناء على تحليلات أساسية لفرص النمو والأداء المالي. بالمقابل، يعتمد التداول على شراء وبيع الأصول المالية خلال فترات زمنية قصيرة، بهدف الاستفادة من تقلبات الأسعار السريعة. ويعتمد المتداولون على التحليل الفني لتحديد اللحظات المناسبة لدخول السوق أو الخروج منه.
لكن دخول عالم التداول يتطلب مجموعة من المهارات الأساسية، أبرزها: فهم العوامل الاقتصادية المؤثرة على الأسواق مثل التضخم وأسعار الفائدة، واستخدام الأدوات التحليلية مثل الرسوم البيانية، بالإضافة إلى مهارات إدارة المخاطر. رغم سهولة دخول السوق عبر الإنترنت، يحتاج المبتدئ إلى رأس مال قابل للمخاطرة، وقت كاف، وفهم جيد للأسواق.
وفي الأردن، يتزايد اهتمام الشباب بالتداول، خاصة في ظل انتعاش العملات الرقمية، رغم أن الوعي بمخاطر التداول ما يزال ضعيفا. إذ يعاني العديد من الشباب من المعلومات المغلوطة أو من إغراء الوعود بالربح السريع، ما يزيد من خطر الوقوع في فخ منصات غير مرخصة.
العملات الرقمية: التحديات والفرص
بينما يتسارع التوجه نحو العملات الرقمية على مستوى العالم، ما يزال الموضوع يشكل تحديات كبيرة على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي. يرى الخبير الاقتصادي وصفي الصفدي أن العملات الرقمية، وخاصة تلك المشفرة، تمثل مخاطر على الاقتصاد بسبب نقص الرقابة القانونية وارتفاع احتمالات الاحتيال. وبالتالي، فإن العديد من الدول قد تبنت سياسات حظر للتداول بها، مثل الصين وكوريا الجنوبية وروسيا، بما فيها الأردن التي حذرت مواطنيها من التعامل بهذه العملات.
 الفرص الاقتصادية للعملات الرقمية
ومع ذلك، يشير الصفدي إلى أن العملات الرقمية التي تصدرها الدول، مثل "العملة الرقمية للبنك المركزي"، قد تكون مفيدة إذا خضعت لرقابة البنوك المركزية. هذه العملات، التي تكون لها قيمة معادلة للعملات الرسمية، ستسهم في تعزيز الشمول المالي. وفقا للصفدي، يمكن لهذه العملات أن تسهل عمليات التداول النقدي في المناطق النائية وتوفر أداة فعالة لتمكين الأفراد من الوصول إلى الخدمات المالية دون الحاجة للبنوك التقليدية. إضافة إلى ذلك، تساهم في تعزيز التجارة الإلكترونية بين الدول، مما يعزز الاقتصاد الرقمي ويشجع على التحويلات المالية السريعة والآمنة.
 الحماية والرقابة.. أولويات أساسية
على الرغم من الإمكانيات التي قد تفتحها العملات الرقمية، يشير الصفدي إلى ضرورة وجود أنظمة أمان متكاملة لحماية المعاملات الرقمية ومنع عمليات القرصنة والاحتيال التي تؤثر على الاقتصاد والأفراد على حد سواء. ويؤكد على أن وجود هذه الأنظمة تحت إشراف البنوك المركزية هو الحل لضمان الحماية من المخاطر الرقمية التي قد تهدد استقرار الأسواق المالية.
 التحديات الاقتصادية 
من ناحية أخرى، يعكس الحديث عن العملات الرقمية في الأردن التحديات التي تواجه الاقتصاد المحلي في سعيه نحو الاستقلال المالي والتقاعد المبكر. فعلى الرغم من وجود الفرص في الاقتصاد الرقمي، يبقى الواقع المحلي صعبا بالنسبة للعديد من الشباب، خاصة مع محدودية الدخل وارتفاع تكاليف المعيشة.
تسهم هذه المعلومات في تعزيز الفهم لكيفية تأثير التطور الرقمي على مفهوم الاستقلال المالي، وضرورة تنظيم هذا القطاع بشكل يضمن الحقوق المالية ويحمي الأفراد من المخاطر المحتملة.
FIRE .. مشروع حياة لا يشبه الجميع
رغم التحديات، يبقى جيل FIRE مصمما على خلق نمط حياة جديد. لا يسعى إلى تقليد الآخرين، بل إلى كسر القوالب التقليدية للنجاح. يدرك أن طريقه ليس سهلا، ولا يناسب الجميع، لكنه مؤمن بأن التخطيط، والانضباط، والمعرفة المالية قد تمكنه من عيش حياة حقيقية، لا مؤجلة.
وبينما يرى آخرون هذا الجيل متشتتا أو غير ملتزم، تظهر تجربة FIRE العكس تماما: جيل يقرأ، يتعلم، ويجرب، ويسعى ليكون "سيد وقته" بدل أن يكون أسير وظيفة أو راتب.
يبقى السؤال الأهم: هل بيئة الاقتصاد الأردني، والمجتمع المحيط، قادران فعلا على تقبل هذا النمط الجديد؟ وهل يمكن أن يصبح FIRE حلما قابلا للتحقيق، لا مجرد وسم يتصدر التريند؟
ربما لا نملك الإجابة الآن. لكن ما هو واضح، أن جيل Z لن ينتظر أحدا ليمنحه الموافقة، بل بدأ بالفعل في رسم طريقه نحو استقلال يشبهه أكثر من أي وقت مضى. 
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق