كان الحشد مهيبا بمركز عمان الدولي للمؤتمرات والمعارض في صباح اليوم الخامس من المعرض، والمخصص لطلاب المدارس الذكور. غير أن الأزقة في الداخل وبين الأجنحة بدت خاوية منهم، ولم تنل من هذه الأفواج التي ملأت البهو إلا القليل.
وبينما انشغل أغلب الطلبة بمسابقة «هيئة البيئة»، راحت قلة قليلة منهم تجوب الأجنحة، باحثة ــ دون قوائم أو تخطيط ــ عن كتب تحمل لهم الجديد. هكذا حدثني تركي السيابي ورفيقا دربه، حمد وسيف، حين قال: «أعترف أن القراءة مهمة، لكنني كلما قرأت كتابًا شعرت أنني استفدت ولم أستفد. ما زلت أبحث عن ذلك الكتاب الذي، متى انغمست فيه، وجدت أن شيئًا جديدًا قد قيل بالفعل.» تبذل دور النشر جهدا كبيرا فـي الترويج لكتبها فـي أيام طلاب المدارس بتوزيع المنشورات الدعائية لإصداراتها، هكذا كان ممر بلاتينيوم بوك وما جاوره هادئا عكس أيام الطالبات تماما، حيث يصبح الممر ذاته سعيا لا يتوقف ولا يتسع لقدم. مرة أخرى وقبل أن تنتهي الفترة المخصصة للطلاب الذكور ليقفلوا عائدين إلى مدارسهم، يجلس المعلم على طاولة فـي البهو يفحص ما اقتناه طلابه من كتب، فكان أن ضحك عندما أخرج أحدهم من كيسه كتاب «سوالف جن» قائلا: لا تقرأه قبل النوم.
فعاليات متواصلة
ويواصل المعرض فعالياته الثقافـية والفنية المصاحبة، حيث افتتح اليوم الخامس بفعالية للجمعية العمانية للكتاب والأدباء عن الحكاية الشعبية فـي ظفار حزاية من الموروث الشعبي بقاعة أحمد بن ماجد وقدمتها ثمنة الجندل، وأقيمت عن مركز العوتبي للدراسات الثقافـية والتراثية بجامعة صحار ندوة «الهُوية التراثية العمانية فـي المنجز البحثي الجامعي: خلاصات ورؤى»، شارك فـيها الدكتورة هاجر حراثي والدكتور علي المانعي والدكتور دولا القاضي وإدارة البروفـيسور نضال الشمالي، وأجرت وزارة الأوقاف والشؤون الدينية حوارات شبابية فكرية لطلبة المدارس والجامعات، أدارها قسور الراشدي وسلطان الراشدي، وقدم المترجم أحمد المعيني ممثلا باللجنة الثقافـية ورشة فـي الترجمة الأدبية «كيف نترجم».
ونفذت اللجنة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر - وزارة الخارجية جلسة حوارية حول التعريف بالاتجار بالبشر وأشكاله وسبل مكافحته، شارك فـيها مروة البلوشية ومريم الشحية والملازم تركي الغيثي وعيسى المنجي، وشارك محمد السليمي وخلفان العبري وعلي الفليتي وطالب الوحشي فـي جلسة حوارية تناولت «المؤشرات الثقافـية: أهميتها وأدوارها»، والتي نظمتها اللجنة الوطنية العمانية للتربية والثقافة والعلوم. وفـي جلسة حوارية أقامتها مؤسسة إشراق للصحافة والنشر ناقش الدكتور سليمان الجامودي والدكتور علي الشكيلي «التعليم من الحفظ والتلقين إلى البحث والابتكار»، وأقيمت فـي جناح ضيف الشرف «محافظة شمال الشرقية» جلسة حوارية بعنوان «محافظة شمال الشرقية فـي أعين الرحالة العرب والغرب»، شارك فـيها الدكتور هلال الحجري وأدارها المكرم الدكتور محمد الحجري، وقدم سعيد البداعي محاضرة تناولت «إتيكيت التعامل مع ذوي الإعاقة السمعية»، بجناح وزارة الثقافة والرياضة والشباب، وأقامت اللجنة الثقافـية جلسة حوارية بعنوان «النزاهة: مرتكز الاستدامة والشفافـية المجتمعية»، شارك فـيها الدكتور خالد العامري والمستشار ناصر الحوسني والدكتور رجب العويسي، وناقشت وزارة الإعلام فـي جلسة حوارية «الإعلام الجديد ودوره فـي تشكيل الثقافة المجتمعية»، شارك فـيها الدكتور خميس أمبوسعيدي والدكتورة بدرية النبهانية وسالم العمري ومازن الهدابي وهلال الهلالي وأدارها خالد الزدجالي.
وحاور الدكتور أحمد الرحبي الكاتب دميتري ستريشنيف فـي جلسة حوارية نظمتها اللجنة الثقافـية حول «شيخ الرحالة الروس..أفاناسي نيكيتين وأول إطلالة أوروبية على عمان»، كما أقام جناح ضيف الشرف أمسية للشعر الشعبي شارك فـيها سلطان الحارثي وياسر الحارثي وحمد النعماني وإبراهيم الفزاري، فـيما أحيت المترجمة آليس جوثري وفرانشيسكا فودري أمسية حول «ترجمة الأدب العربي»، من تنظيم اللجنة الثقافـية، أدارتها منال الندابي، وشهد المسرح المدرج مسابقة سفراء الرؤية 2025، فـيما شهدت قاعة الفراهيدي حفلا موسيقيا للمجمع العربي للموسيقى.
تدشين كتب
ودشنت اليوم مجموعة من الكتب منها الديوان الشعري الثامن للكاتبة والأديبة عواطف أحمد عبد اللطيف الحوطي من الكويت، و«مناديل لأجنحة الفراشة» لمجموعة مؤلفـين، و«ديوان سنديم أزرق فوق جبل شمس» لمؤلفه هاشم الشامسي، وكتاب «الدهر فـي شعر أبي مسلم البهلاني» للمؤلف علي المسعودي.
تجربة شعرية
وأقيمت فـي ختام اليوم الرابع من معرض مسقط الدولي للكتاب جلسة حوارية تناولت التجربة الشعرية للشاعر العُماني حسن المطروشي، وأدارها الكاتب والإعلامي خلفان الزيدي، بحضور جمهور من المهتمين بالشعر والثقافة. واستعرض المطروشي خلال الجلسة محطات أساسية فـي مسيرته الشعرية، متأملًا علاقته بالنص، ومشاركاته فـي المسابقات العربية الكبرى مثل «أمير الشعراء»، و«شاعر المعلقة»، وما صاحبها من توتر ومسؤولية تمثيل الوطن ثقافـيًا فـي محافل شعرية تتطلب الإتقان والانضباط. وأكد المطروشي أن المشاركة فـي هذه المسابقات ليست مجرد تجربة فردية، بل هي اختبار قاسٍ للذات الشعرية وللوعي الثقافـي والوطني أيضًا، مشيرًا إلى أن التحدي لا يكمن فقط فـي الوقوف أمام جمهور واسع أو لجنة محكمة، بل فـي مواجهة النفس ومساءلتها عبر القصيدة.
وفـي حديثه عن النص الشعري، قال المطروشي: إن القصيدة ليست شكلًا جاهزًا، بل سؤال مفتوح، وقلق داخلي، وتجربة معيشة، تتطلب الصدق والبذل والانحياز للمعنى. وأشار إلى أنه يفضّل النصوص التي تفتح أفقًا للتأويل، وتتجاوز المباشرة، معترفًا بأن قصائده تميل إلى «التكثيف والتداخل»، وقد يراها البعض غامضة لكنها فـي عمقها تسعى إلى إشعال التفكير لا تقديم أجوبة جاهزة. كما تناول المطروشي علاقته بالتوثيق، مؤكدًا أن الشاعر لا يكتب ليؤرّخ ذاته فقط، بل ليضع لحظة شعورية أو فكرية فـي قلب الزمن.
وقال:« نكتب كي لا نُمحى، والقصيدة هي ذاكرتنا التي تقاوم الذوبان». وتطرقت الجلسة إلى تجربته مع الترجمة، حيث تُرجمت بعض نصوصه إلى لغات عدة مثل الفرنسية والإسبانية، وهو ما اعتبره نافذة لتبادل الجماليات، مؤكدًا أهمية أن يحمل النص المترجم خصوصيته الثقافـية وهُويته العُمانية دون أن يفقد قدرته على مخاطبة الآخر. كما عبّر عن تقديره للمشهد الشعري العماني، مشيرًا إلى أنه يشهد حراكًا متنوعًا يحتاج إلى التوثيق والنقد المواكب، مشددًا على ضرورة دعم المواهب الشابة وتمكين الأصوات الجديدة من التعبير عن واقعها بلغة لا تنسخ السائد بل تبتكر. واختتم الجلسة بقراءات شعرية لعدد من نصوصه، حملت مزيجًا من الحنين والاحتجاج، الأسى والتأمل، فـي لغة مشحونة بالإيقاع والرمز، لتُحلق بالجمهور إلى فضاء الشعر بوصفه تجربة وجودية خالصة.
0 تعليق