رجل التوعية المرورية وداعًا

صدى العرب 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
أن تنعي صديقًا صدوقًا ليس سهلاً، ولكن أن تذكر مناقب الصديق فإن في ذلك عزاء، لأن «الكلمة الطيبة صدقة»، وكل يوم وعلى مدى أعوام كان المغفور له بإذن الله تعالى رجل المرور ورائد التوعية المرورية عبدالعزيز بن محمد بن يوسف بوحجي رحل عن عالمنا يوم السبت 26 أبريل 2025م وقد ترك إرثًا تثقيفيًا لرجال المرور والمستمعين والمشاهدين لا ينسى وخرجت جموع المشيعين إلى مقبرة المحرق وهي تردد في خاطرها «كفيت ووفيت يا بومحمد الغالي»، نعم كنا نستمع إليه كل صباح من إذاعة البحرين وهو يوجه نداءً وتوعيةً مروريةً إلى السائقين بالالتزام والحذر والتقيد بالسرعة المطلوبة واستخدام حزام الأمان بلهجة بحرينية بسيطة ومحببة مع استخدام بعض المفردات المحرقاوية ليصل في خطابه إلى كل شرائح المجتمع الذي ينتمي إليه بما فيهم الأطفال وهم يتجهون إلى مدارسهم، وأتذكر أنه يومًا قال لي: إن أحد السواق قال له يومًا أسرعت؛ لأنني كنت متأخرًا فإذا أبنائي يقولون لي: ألم تسمع عبدالعزيز وهو يقول لك لا تسرع!! فقد وصلت يا أبا محمد رسالتك، وما أكثر الرسائل التي بعثت بها إلى الجميع وما أحوجنا إليها اليوم، فقد كنت يرحمك الله مؤمنًا بأن «السياقة فن وذوق».

كان المرحوم عبدالعزيز بن محمد بوحجي من خريجي كلية الشرطة بالقاهرة عام 1966م وانضم كبقية أقرانه إلى وزارة الداخلية بمملكة البحرين واختطَّ لنفسه طريقًا للتوعية المرورية مع قلة السيارات في ذلك الوقت، لكن الرواد كالمرحوم عبدالعزيز أدركوا أن المستقبل يحمل في طياته الكثير، ولقي كل عون ومساعدة وتشجيع من المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ إبراهيم بن محمد بن عبدالله آل خليفة الذي تقلَّد الكثير من المناصب بوزارة الداخلية فكان يرحمه الله المشجع الواعي لعبدالعزيز والمتفهم لإمكانياته العلمية وقدرته على توصيل الخطاب السهل الممتنع لجميع من يخاطبهم، ووجد في إذاعة البحرين العريقة ومن كافة المسؤولين فيها كل الدعم والتأييد والمناصرة بدءًا من المرحوم إبراهيم علي كانو مدير الإذاعة إلى المرحوم أحمد سليمان رئيس البرامج إلى المرحوم عبدالرحمن عبدالله الراعي المخرج المتميز والإداري الناجح في كل المراحل التي تقلَّد فيها المناصب إلى الأستاذ حسن سلمان كمال الأديب والشاعر والإداري الناجح رئيس الأخبار الإذاعية سابقًا الله يعطيه الصحة والعافية إلى كل الزملاء في الإذاعة من مخرجين إلى برامجيين إلى مهندسين فقد سجل فقراته الإذاعية العديد من المخرجين وكان إذا لم يجد من يخرج ويسجل له كان يدخل الأستديو ويقوم بتشغيل آلات التسجيل بنفسه ويسلِّم الشريط إلى رئيس المكتبة يومها الأستاذ إبراهيم مصطفى، ويتابع حتى يضمن إذاعة حلقاته قبل الساعة السابعة صباحًا من كل يوم.

وعندما بدأ تلفزيون البحرين إرساله عام 1973م تقدم بفكرة إعداد وتقديم سلسلة من برامج التوعية المرورية وكان بنفسه ينزل الميدان ويصور مع شرائح المجتمع ومن بينهم طبعًا السائقون الذين يتعاملون مع كل أنواع السيارات، وكان همَّه الأكبر أن تصل الرسالة إلى طلبة المدارس فهم المستقبل.

ظل المرحوم بومحمد وفيًا لمهنته، حريصًا على الأداء المتقن وربط الأحداث التي سجلها رجال المرور وقيامه بالشرح والتفصيل للحادث وساعدته الكاميرات على نقل صورة أمينة.. كان المرحوم عبدالعزيز صديقًا لكل من عمل معهم في الإذاعة والتلفزيون ولقي كل العون والمساعدة والترحيب، فهو الإنسان المحب لوطنه وقيادته ولمهنته ومنتسبي وزارته.

وعندما جاءت فكرة أسبوع المرور الخليجي والعربي أبلى بومحمد بلاءً حسنًا في هذه المناسبة وآمن بأن المرور ومشاكل المرور يجب أن تلقى كل العناية من دول خليجنا العربي ومن أمتنا العربية.

وأتذكر أنه عندما زارني في القاهرة وكنت يومها سفيرًا لبلادي مملكة البحرين لدى جمهورية مصر العربية والمندوب الدائم لدى جامعة الدول العربية أن تحدثت معه عن جهوده الطيبة وبرنامجه الإذاعي اليومي الناجح وكنت من المتابعين له وأحث أبنائي على متابعته وكذلك الزملاء وقلت له يومها: إن برنامجك الصباحي من إذاعة البحرين شبيه للبرنامج الإذاعي اليومي الذي تبثه إذاعة صوت العرب من القاهرة العريقة بعنوان «وقفة مرورية» كان يقدمه اللواء يسري الروبي لسنوات وكان المسؤول عنه الأستاذ أسامه خليل، وكان يذاع في الثامن إلا عشر دقائق صباحًا أي قبل نشرة الأخبار الرئيسية في صوت العرب من القاهرة.

واتفقت مع المرحوم بومحمد أن نلتقي مع المسؤولين في صوت العرب ومن بينهم طبعًا الدكتورة لمياء محمود رئيسة شبكة صوت العرب في القاهرة سابقًا ونتبادل الأفكار وقد رحب يرحمه الله بهذه الخطوة وتواعدنا أن نرتب زيارة بإذن الله مستقبلاً، لكن المقادير تشاء غير ما نحن نشاء.

رحم الله رائد التوعية المرورية في بلادي عبدالعزيز بن محمد بوحجي، فقد آمن برسالته الوطنية والقومية وأجرى لقاءات مع الكثير من الشخصيات التي كانت معروفة بسياقتها للسيارات الخاصة والعمومية فقد ترك يرحمه الله إرثًا وتوثيقًا لرجالات بلادي، وكنا قد شاركنا ببرامجه التوعوية في مهرجان القاهرة للإذاعة والتلفزيون، والمهرجان العربي لاتحاد إذاعات الدول العربية بتونس، ومهرجان جهاز تلفزيون دول الخليج العربي بمملكة البحرين ونالت برامجه الجوائز والتقدير اللازم.

ستظل ذكراك خالدة يا أبا محمد، فقد كنتَ وطنيًا مخلصًا وقوميًا أمينًا، وإنسانًا بكل ما تعني الإنسانية، تحب الخير للجميع وتسعى لإسعاد مجتمعك وتحث أبناءك على أن يسيروا على خطاك، فقد بلغت الأمانة وعزاؤنا أن أبناءك ساروا على خطاك، رحمك الله رحمة واسعة، ومثواك الجنة ورضوان النعيم.

إنا لله وإنا إليه راجعون.

وعلى الخير والمحبة نلتقي

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق