غزة بين الكارثة والبطولة: قراءة في المأساة والمقاومة

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وما يخلّفه من دمار ومعاناة إنسانية غير مسبوقة، نظّم مركز تعلّم واعلم للأبحاث والدراسات ندوة حوارية بعنوان "غزة.. الكارثة والبطولة"، استضاف خلالها الكاتب والمفكر أحمد ذيبان الربيع، وأدارها الدكتور أحمد ماضي.اضافة اعلان


تناولت الندوة تحليلاً معمقًا للعملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر، وما أعقبها من ردود فعل إقليمية ودولية، مرورًا بالسرديات التاريخية والسياسية المرتبطة بالقضية الفلسطينية، وانتهاءً بمواقف الرأي العام العالمي من جرائم الحرب الإسرائيلية، في ضوء واقع إنساني كارثي وصمود فلسطيني يُعيد تعريف معنى البطولة.

في بداية اللقاء، طرح أحمد الربيع تساؤلًا: "هل أخطأت حركة حماس في تنفيذ عملية السابع من أكتوبر؟"، مبينًا أن الحركة كانت على يقين من وقوع رد إسرائيلي، وكانت في أسوأ تقديراتها تتوقع أن تستمر العمليات العسكرية شهرًا أو شهرين على الأكثر، لكن أن تتحول إلى حرب إبادة جماعية ومحرقة حقيقية، وأن يسقط هذا العدد الهائل من الشهداء والجرحى، فذلك كان خارج الحسابات. وإذا كانت حركات التحرر الوطني تقدم التضحيات بالضرورة، فإن الكارثة الإنسانية التي يعيشها سكان القطاع غير مسبوقة في التاريخ.


وأشار الربيع إلى مقولة الروائي "إرنست همنغواي" في رواية العجوز والبحر: "الإنسان لم يُخلق للهزيمة. قد يُدمَّر، لكنه لا يُهزم". وقال إن هذه العقيدة القتالية كانت موجودة بشكل فردي لدى الجيوش النظامية، وهناك بطولات حقيقية حدثت، ويحضره في هذا السياق قائد معركة القدس عام 1948، المرحوم عبد الله التل، وغيرُه كثيرون.


كما تحدث المحاضر عن إحياء دولة الاحتلال ما يُسمى بـ"ذكرى الكارثة والبطولة"، أو ما يُعرف بـ"المحرقة – الهولوكوست"، والتي تسبقها بثمانية أيام ما يُعرف بـ"عيد الاستقلال الإسرائيلي"، وهو في الحقيقة تاريخ نكبة الشعب الفلسطيني الأولى عام 1948، وتشريده وإعلان قيام دولة الاحتلال، بدعم وتواطؤ دوليين، وعجز عربي.


 وأضاف أن هذه الذكرى ترتبط بمزاعم صهيونية بشأن مقتل ستة ملايين يهودي على يد النظام النازي في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، وبحسب الرواية الإسرائيلية، فهي تشير إلى تمرد بعض "غيتوهات" اليهود في أوروبا على النازية.


ورأى الربيع أن هناك غموضًا يكتنف الرواية الصهيونية، وأن العديد من المفكرين الأوروبيين دحضوا هذه السردية، وأبرزهم المفكر والفيلسوف الفرنسي روجيه جارودي، الذي شكك في كتابه الأساطير المؤسسة لدولة إسرائيل بالأرقام الشائعة حول إبادة يهود أوروبا في غرف الغاز على يد النازيين. وقال إن جارودي كشف ما وصفه بـ"الكذبة" التي روّجت لها الجمعيات الصهيونية، بدعم من الأحزاب الحاكمة في أوروبا وأمريكا. ولأن الحركة الصهيونية واللوبيات اليهودية تمارس الترهيب ضد كل من يشكك بـ"المحرقة"، فإن التهمة الجاهزة له هي "معاداة السامية". وقد تم تقديم جارودي للمحاكمة عام 1998، وأصدرت محكمة فرنسية حكمًا عليه بالسجن لمدة سنة مع وقف التنفيذ.


وأضاف الربيع أن جارودي استند في تشكيكه إلى مذكرات ناحوم جولدمان، رئيس المؤتمر اليهودي العالمي، الذي قال: "لا أعرف ماذا سيكون مصير إسرائيل لو لم تلتزم ألمانيا بتعهداتها، فالسكك الحديدية، ومنشآت الموانئ، وأنظمة الري، وقطاعات كاملة من الصناعة والزراعة، لم تكن لتصل إلى ما هي عليه لولا التعويضات الألمانية"، والتي قُدرت بـ100 مليار دولار.


وقال الربيع إننا منذ السابع من أكتوبر 2023 وحتى اليوم نعيش "محرقة حقيقية"، تنقلها المحطات الفضائية والإذاعات ووسائل التواصل الاجتماعي مباشرة، في حرب إبادة جماعية تشنها قوات الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة. وقد أسفرت حتى الآن عن استشهاد ما بين 50 إلى 60 ألف فلسطيني، غالبيتهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى نحو عشرة آلاف مفقود تحت الأنقاض، وأكثر من 110 آلاف جريح.


 وقد تحولت الحياة في القطاع إلى جحيم وأرض محروقة غير قابلة للحياة، تنتشر فيها الأمراض والأوبئة، مع تدمير شبه كامل للبنية التحتية وقطاع الخدمات، بما في ذلك المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد، وحتى المرافق التابعة لمنظمة الإغاثة الدولية "الأونروا"، مثل المدارس التي لجأ إليها مئات الآلاف هربًا من القصف، لتلاحقهم الهجمات العسكرية.


وخلص الربيع إلى أن ما يتعرض له قطاع غزة يستحق بالفعل وصف "الكارثة والبطولة"، حيث الدمار والقتل يطالان كل شيء: "البشر والحجر". ومن جهة أخرى، سجّلت المقاومة الفلسطينية بطولات غير مسبوقة بأسلحة بسيطة، في مواجهة جيش مدجج بأحدث ما أنتجته التكنولوجيا الأميركية والغربية من أسلحة دمار. كما أن الشعب الفلسطيني يعيش معاناة هائلة، حيث يفترش النازحون الأرض أو يمضون وقتهم بين أنقاض منازلهم بلا طعام أو ماء. ورغم ذلك، ينهضون من تحت الركام كـ"طائر الفينيق"، متمسكين بأرضهم وقضيتهم العادلة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق