حوكمة البيانات: فن التنظيم وعلم الامتثال(1 - 2)

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

loading ad...

د. حمزة العكاليك

عمان- في صميم العمل المؤسسي الحديث، تكمن البيانات كأحد الأصول الأكثر قيمة، فهي الوقود الذي يغذي رؤى الأعمال ويشكل الإستراتيجيات ويدعم اتخاذ القرارات الحاسمة.اضافة اعلان
 فالبيانات في جوهرها هي المعلومات الخام التي يتم جمعها وتخزينها عبر أنظمة متنوعة، بدءًا من الأرقام والنصوص وصولًا إلى الصور والتسجيلات الصوتية والمرئية.
 هذه البيانات، عندما تخضع لعمليات المعالجة والتحليل الدقيقة، تتحول إلى معلومات قيمة ومعرفة معمقة تمكن المؤسسات من فهم عملياتها بشكل أفضل، والتنبؤ بالاتجاهات المستقبلية، وفي نهاية المطاف، اتخاذ قرارات أكثر دقة وفعالية.   
ومع تزايد الاعتماد على البيانات، برزت الحاجة إلى إطار عمل قوي يضمن إدارتها بكفاءة وفعالية، وهو ما يُعرف بمفهوم حوكمة البيانات. ويمكن تعريف حوكمة البيانات على أنها مجموعة من السياسات والإجراءات والأدوار والمسؤوليات التي تحدد كيفية جمع البيانات وتخزينها واستخدامها وحمايتها داخل المؤسسة.
  والهدف الأساسي من حوكمة البيانات هو ضمان جودة البيانات وسلامتها، والامتثال للأنظمة والقوانين ذات الصلة، وتعزيز موثوقية المعلومات المستخدمة في عمليات صنع القرار، مما يؤدي في النهاية إلى تحقيق أهداف المؤسسة بكفاءة أكبر.   
وتعتمد حوكمة البيانات الفعالة على ثلاثة عناصر رئيسة متكاملة: الأشخاص، والتقنيات، والإجراءات. حيث يشمل عنصر الأشخاص تحديد اللجان التوجيهية وفرق حوكمة البيانات وأمناء البيانات الذين يضطلعون بمسؤولية وضع السياسات والإشراف على استخدام البيانات لضمان الامتثال للمعايير التنظيمية وتحقيق الجودة المطلوبة.
 أما عنصر التقنيات، فيركز على الأدوات والأنظمة التكنولوجية التي تستخدم لحماية البيانات وتعزيز خصوصيتها والحفاظ على كفاءتها، مما يضمن استخدامها بشكل آمن وفعال.
 وأخيرًا، ويشمل عنصر الإجراءات العمليات والسياسات التي يتم تنفيذها لضمان تطبيق معايير جودة البيانات وتوثيق مصادرها وتوفيرها بسهولة عند الحاجة إليها لاتخاذ قرارات دقيقة ومستنيرة.   
ولتعزيز حوكمة البيانات، تعتمد المؤسسات على مجموعة متنوعة من الأدوات والتقنيات المتخصصة. من بين هذه الأدوات أنظمة إدارة البيانات الرئيسة (MDM) التي تعمل على توحيد البيانات وتكاملها عبر مختلف أنظمة المؤسسة.  كما تستخدم أدوات حماية البيانات والتشفير لضمان خصوصية المعلومات الحساسة ومنع الوصول غير المصرح به إليها.  وتلعب منصات تحليل البيانات دورًا حيويًا في تحليل كميات كبيرة من البيانات واستخراج رؤى دقيقة تدعم عمليات صنع القرار الإستراتيجي. بالإضافة إلى ذلك، تستخدم أدوات تتبع الامتثال لمراقبة مدى التزام المؤسسة باللوائح والقوانين التنظيمية المختلفة.   
وعلى الرغم من الأهمية البالغة لحوكمة البيانات، تواجه المؤسسات العديد من التحديات عند تطبيقها. ويشمل ذلك عدم وضوح الأدوار والمسؤوليات داخل فرق العمل، ومقاومة التغيير من قبل الموظفين الذين اعتادوا على طرق عمل مختلفة، ونقص الاستثمار في التقنيات الحديثة اللازمة لتطبيق عمليات الحوكمة بفعالية، والتعامل مع كميات هائلة من البيانات المعقدة.  وللتغلب على هذه التحديات، يجب على المؤسسات تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح وإنشاء إطار عمل منظم لحوكمة البيانات، وتوفير برامج تدريبية وتثقيفية للموظفين لتوضيح أهمية الحوكمة، والاستثمار في التقنيات المتقدمة التي تسهل إدارة البيانات وتحسين جودتها، واستخدام أدوات تحليل البيانات والذكاء الاصطناعي للتعامل مع البيانات الضخمة والمعقدة بكفاءة.   
ولتطبيق حوكمة بيانات فعالة، يجب على المؤسسات الالتزام بمجموعة من المبادئ الأساسية. وتشمل هذه المبادئ الشفافية في كيفية إدارة البيانات واستخدامها داخل المؤسسة، والمساءلة من خلال تحديد المسؤوليات والمهام لكل من يتعامل مع البيانات، وسلامة البيانات لضمان دقتها واتساقها عبر الأنظمة المختلفة، والامتثال للقوانين واللوائح ذات الصلة مثل GDPR و PDPL ، والأمان والخصوصية لحماية البيانات من الوصول غير المصرح به أو الاختراقات الأمنية، وقابلية الاستخدام لضمان سهولة الوصول إلى البيانات من قبل أصحاب المصلحة المعنيين دون تعقيد أو تأخير.   
ففي قطاع الرعاية الصحية، على سبيل المثال، تلعب حوكمة البيانات دورًا حاسمًا في تحسين جودة الخدمات الصحية وضمان الامتثال للوائح. ويتم تحقيق ذلك من خلال وجود فرق متخصصة لإدارة بيانات المرضى والتأكد من مطابقتها لمعايير الجودة والخصوصية واستخدام أنظمة السجلات الصحية الإلكترونية (EHR) وأنظمة التشفير لحماية البيانات وتطبيق سياسات واضحة مثل منح الأذونات للجهات المخولة فقط وتنفيذ تدقيق دوري للبيانات.
بالإضافة إلى حوكمة البيانات، يعد تحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح أمرًا بالغ الأهمية لضمان اتخاذ قرارات فعالة وتنفيذ المهام بكفاءة داخل المؤسسات. فهناك العديد من النماذج التي تساعد في توزيع الأدوار والمسؤوليات داخل الفرق، مما يسهم في تحسين التنسيق وتقليل التداخلات. 
في الختام، تعد حوكمة البيانات الفعالة وتحديد الأدوار والمسؤوليات بوضوح في عمليات صنع القرار من الركائز الأساسية لنجاح أي مؤسسة تسعى إلى تحقيق أهدافها بكفاءة وفعالية في عصر يعتمد بشكل متزايد على البيانات والمعلومات.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق