حقائب ظهر..

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تتأسس حقائب الظهر من المفهوم الواسع للمسؤولية، ومن الوعي بالالتزام، ومن اليقين بأهمية الأمانة والصدق؛ وحتى من الرضا بالقضاء والقدر، وإن كان كل ذلك؛ ليس شرطا؛ أن يتماهى إلى الرضا لكثير من المواقف، حيث يذهب الفهم هنا إلى الجبر، وإلى الإلزام، وإلى قبول الأمر على مضض، حيث لا خيار آخر متاح، لأن التنصل على كثير من الالتزامات والواجبات يعد نقيصة فـي حق الفرد الذي يعيش فـي المجتمع.

ندرك أن كل ما نتحمله تجاه الآخر، وتجاه أنفسنا هو حمولة مضنية بها ثقل غير منكور، ومع ذلك نرى أنه لا خيار لنا فـي قبول الأمر أو رفضه، فالحقيقة المتخفـية وراء الستائر «الهواجس الذاتية» هي التي تجعلنا نرضخ لحقيبة الظهر هذه، ونتأبطها؛ ولكن؛ على ظهورنا، ونعيش حالة من التأفف المتخمر بين الأنفس، فالإفصاح عن ذلك قد يجر وراءه الكثير من العناء النفسي، فنلزم الصمت للتخفـيف من أعباء حقيبة الظهر، ومن يخرج عن قناعة الصمت، فذلك قد بلغ ما بلغ من الألم، وعدم التحمل.

فمنذ صباحات الباكر إلى مساءات اليوم تتعدد هذه الحمولات التي تنوء من حملها الأجسام والأنفس، فهناك القريب وذوو القربى، وهناك الصاحب والصديق، وهناك الوظيفة والواجب، وهناك القيم، والأعراف، وهناك الجماعة، والجيران، وفـي كل زاوية من هذه الزوايا يكمن حمل كبير وثقيل، من الالتزام فـي بعديه المادي والمعنوي، بضرورة الوفاء بما يجب أن يكون، وفـي كل هذه التموضعات لا يكفـي أن تكون الحالة وفق سياقها الطبيعي من الالتزام حيال استحقاقاتها من الواجب، والأمانة والصدق، بل قد يحدث أن تكون فـي هذه كلها أو فـي واحدة منها ما يقوض عليك راحتك، ويحملك فـيما لا تطيق، من مضاعفة ما يجب أن تقوم به تجاهها، ويكون الحال كما قال أحدهم: «إن لم تزد شيئا على الحياة، فأنت عبء على الحياة» وبالتالي فحتى لا توقع نفسك فـي «عبء على الحياة» تراك تضحي، وتخاطر، وتتنازل.

وهل أحدنا مكلف بأن يتحمل عبء الآخر، أو يصمت لأجل خاطره، أو يتحمل منغصاته؛ إن حدثت بصورة فوضوية؟ قد يكون الأمر سهلا بالنسبة إلى الأشخاص، بأن تُحَيِّد نفسك عن الوقوع فـي مأزق تحمل عبء الآخر، ولكن هذا الآخر تتفاوت علاقتك به، فذوو القربى؛ والأصدقاء المقربون؛ ليس الأمر يسيرا أن تتنصل عنهم، لتخفف من عبء حقيبة الظهر التي تحملها، وأما بالنسبة للمفاهيم الأخرى كالوظيفة والقيم، والجماعة، والجيران، فإن نسبة تحمل أعبائها تتفاوت وفق الشعور بالمسؤولية، والالتزام، والسمت، ولكنك لن تستطيع أن تجرد نفسك عن الالتزام؛ ولو بالجزء اليسير الذي يقتضيه الواجب؛ وتستشعره أنت كفرد تحجز لك مكانة فـي وسط المجتمع، فالمسألة ليست خيارا مباحا بصورة مطلقة، وإنما تحيطها بعض المسائل الفنية؛ إن تصح التسمية؛ وذلك خاضع للدور الذي نقوم به فـي هذه الأوساط كلها، فالأدوار الهامشية؛ يقينا؛ تشعرك بكثير من الحرية وعدم الالتزام، أما الأدوار المهمة، فلا بد لنا أن نقوم بكامل المسؤوليات والواجبات التي ينتظر نتائجها الآخرون من حولنا، وهذا مما يضاعف العبء الذي نستشعره، وقد ننزله منزلة الدين على أنفسنا، ولذلك نستشعر عظمته، وثقله.

ليس هناك من أحد لا يستشعر ثقل مسؤولية ما، سواء تجاه نفسه، أو تجاه الآخرين من حوله، فهذا أمر مسلم به، تبقى فقط درجة هذا التحمل، وهذا يعود إلى الشعور الذي يقلق البعض منا، ولا تكون درجة القلق عند البعض الآخر بالدرجة ذاتها، ومن هنا أيضا يتفاوت ثقل حقائب الظهر عند الناس، فمنا من يصرح وربما يصرخ، ومنا من يلوذ بالصمت، كخيار أخير.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق