إقالة والتز وصراع القوى في عالم ترامب

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ترجمة ـ قاسم مكي - واشنطن بوست -

كان مايكل والتز يملك كل المؤهلات المطلوبة لتولي منصب مستشار الأمن القومي في إدارة أمريكية عادية. فهو جندي ذو قبعة خضراء محترم (عمل سابقا في القوات الخاصة بالجيش الأمريكي) ومناصر بشدة لإسرائيل ومتشدد تجاه روسيا والصين وإيران. وربما ذلك ما قضى عليه.

خفَّف من وطأة إطاحة والتز من منصبه يوم الخميس تعيينُه سفير الرئيس دونالد ترامب لدى الأمم المتحدة. هذا الهبوط الناعم سيرحب به أصدقاء والتز العديدون في الخارج. لكن سيبعده عن الصراع على السلطة في البيت الأبيض والذي لم يكن لديه فيه أبدا قدر كبير من النفوذ.

أصبح والتز هدفا لسهام النقد بعد فضيحة «سيجنال جيت» في مارس. استاء دونالد ترامب من استخدام والتز تطبيق تراسل تجاري لإجراء مناقشات حساسة وأيضا من حقيقة أن قائمة محادثة تم استخدامها للتخطيط لضربات في اليمن شملت دون قصد رئيس تحرير مجلة أتلانتك والذي كان رقم هاتفه محفوظا ضمن قائمة جهات الاتصال الخاصة به. في الواقع، منذ البداية بدا والتز المنضبط ضعيفَ الانسجام مع ترامب الذي حشد في إدارته أصدقاء من أصحاب البلايين.

لكن العليمين ببواطن الأمور في واشنطن يقولون إن إقالة والتز مدفوعة بعداء ظل يحتدم داخل إدارة ترامب منذ يوم تنصيبه. يضع هذا الصراع المتشددين من أمثال والتز والذين يطلق عليهم أحيانا لقب المحافظين الجدد في مواجهة مع حلفاء نائب الرئيس جيه دي فانس والذين يوصفون بالانعزاليين الجدد. لكن هذا التبسيط المُخِلّ يقلل من تعقيد علاقات النفوذ المتشابكة داخل فريق الرئيس الأمريكي.

التغيير في تركيبة الأمن القومي بالبيت الأبيض يأتي في وقت غير ملائم على نحو خاص. فمبعوث ترامب الخاص ستيف ويتكوف يحاول التوسط في الوصول إلى اتفاقيات مع روسيا لإنهاء الحرب في أوكرانيا وإيران للحد من برنامجها النووي. انزعج مسؤولون عديدون في الخارجية الأمريكية تحدثت معهم يوم الخميس من أن والتز الذي يُنظر إليه كشخصية «استقرار» سيغادر مع نائبه الماهر اليكس وونج في مثل هذه اللحظة الحساسة.

اتسمت إدارة ترامب الثانية بولاء علني غير محدود للرئيس. لكن هذه الجبهة الترامبية التي تبدو موحدة تحجب ثلاث مجموعات تصارع من أجل النفوذ. لقد صار مايكل والتز الضحية البارزة الأولى لهذا الاقتتال الداخلي.

المجموعة الأولى، من هذه المجموعات الثلاث مشكلة من المؤمنين الحقيقيين بشعار ماغا (لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى). وهؤلاء يرتابون بشدة فيما يعتبرونها تحالفات أجنبية مُورّطة تقود إلى حروب وأعباء اقتصادية للولايات المتحدة. إلى جانب (نائب الرئيس) فانس يدعم هذه المجموعة أيضا دونالد ترامب جونيور ابن ترامب ومستشار العائلة. وهو الدور الذي سبق أن شغلته في الفترة الأولى لرئاسة ترامب ابنته ايفانكا وزوجها جاريد كوشنر. وتلعب اليمينية المتطرفة لورا لومر دور المنافحة الإعلامية على الإنترنت عن هذه المجموعة.

المجموعة الثانية، تتشكل من الجمهوريين التقليديين ذوي النزعة العالمية. والتز عضو بارز في هذه المجموعة إلى جانب وزير الخارجية ماركو روبيو ومدير وكالة الاستخبارات المركزية جون راتكليف. تشغل هذه المجموعة المناصب الكبيرة لكنها الأقل تأثيرا على ترامب.

المجموعة الثالثة، وربما الأكثر أهمية يمكن وصفها بجماعة الأوليجارش (أثرياء النفوذ.) وهؤلاء هم الأصدقاء أصحاب البلايين الذين يشعر ترامب أنه الأقرب إليهم والأكثر ثقة بهم. يأتي في مقدمة القائمة ويتكوف والذي يوصف بأنه أقدم صديق حميم لترامب. أما الآخرون فهم ستيف بيسنت وزير التجارة وهوارد لوتنك وزير الخزانة وإيلون ماسك الأكثر ظهورا حتى وقت قريب ومسؤول وزارة الكفاءة الحكومية والبليونير الأكثر ثراء في المجموعة كلها.

هذا المقعد «ثلاثي الأرجل» ظل ثابتا في بعض الأوقات لكن التوتر كان واضحا وسط هذه المجموعات مؤخرا في مناسبتين تجسدان الانقسامات الأيديولوجية في الإدارة الأمريكية.

أولا، كان هنالك هجوم في تقرير نشرته صحيفة نيويورك بوست يوم الأربعاء تحت عنوان «يقول الحلفاء والعليمون يجب ألا يقود ويتكوف مفاوضات إيران وروسيا». نقل التقرير عن معاون سابق لترامب لم يُفصح عن اسمه قوله أن ويتكوف رجل طيب لكن (ليس له حظ من الفطنة)». كما اشتمل أيضا على تعليقات ناقدة من مسؤولين بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيين وهي مركز أبحاث منحاز لإسرائيل ظل يشكك في دور ويتكوف في مفاوضات إيران.

استثار التقرير ردا سريعا من دوائر ترامب. شارلي كيرك الصوت الإعلامي لحركة ماغا والذي كثيرا ما يظهر مع دونالد ترامب الابن كتب على منصة اكس يوم الأربعاء أن «مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات تقود حملة ضد ويتكوف. إنها تدعو علنا المسؤولين في الإدارة الأمريكية إلى تقويض مساعي الرئيس ترامب ووقف الاتفاق مع إيران. القوى المعادية لويتكوف قوى معادية لحركة ماغا».

لورا لومر أيضا استمرت في التحريض ضد والتز بعدما ساهمت في حث ترامب على طرد سبعة موظفين على الأقل بمجلس الأمن القومي في الشهر الماضي. وبعد فترة قصيرة من ظهور أولى الأخبار عن إطاحة والتز غرَّدت لومر بما معناه «لقد تدحرج رأسه».

هنالك تجسيد ثان لهذا الاضطراب وسط مجموعات إدارة ترامب وهو إقالة ثلاثة من كبار معاوني وزير الدفاع بيت هيجسيث الشهر الماضي. أشار المعلقون إلى عوامل مختلفة وراء ذلك من بينها فوضوية إدارة هيجسيث ومخاوف بشأن تسريبات لوسائط الإعلام. لكن مصادر داخلية عديدة أخبرتني أن بعض الذين أقيلوا من هؤلاء المعاونين كانوا يشاركون نائب الرئيس فانس شكوكه حول جدوى الإفراط في استخدام القوة العسكرية الأمريكية والحروب الأجنبية غير الضرورية. موقف هيجسيث الخاص به في «حكومة المجموعات الثلاثة» هذه غير واضح، إنه متشدد عسكريا، لكنه أيضا ناقد من موقع حركة «ماغا» لسياسات التنوع والمساواة والشمول.

هذه الفوضى الضاربة أطنابها تأتي في لحظة خطرة. فالإدارة الأمريكية تحاول التوسط في اتفاقيات سلام مع إيران وروسيا دون تعريض حلفائها المقربين في إسرائيل وأوكرانيا وأوروبا للخطر. كان والتز مرساة (عنصر استقرار) لعالم السياسة الخارجية الجمهوري التقليدي كما هي الحال أيضا مع خليفته المؤقت ماركو روبيو.

لكن ترامب الركيزة الثابتة الوحيدة في إدارته. وهو في هذا الأسبوع (تاريخ المقال 1 مايو) يتشدد في موقفه تجاه روسيا ويوقع اتفاقا أمنيا مع أوكرانيا ويتحرك باتجاه اتفاق نووي مع إيران. أما في الأسبوع القادم فلا أحد يعلم ما سيفعله.

ديفيد اجنيشس روائي وصحفي يكتب عن الشؤون الخارجية لصحيفة واشنطن بوست

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق