تحليل :سياسي أمريكي: استراتيجية التعامل مع ترامب" معضلة "رئيس وزراء كندا بعد فوزه في الانتخابات

صحيفة عمان 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

واشنطن "د. ب. أ": قلبت سياسات وتصريحات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الحياة السياسية وبخاصة معركة الانتخابات العامة الأخيرة في كندا رأسا على عقب. فبعد عقود ظلت فيها القضايا الداخلية هي محور التنافس الانتخابي بين الأحزاب الكندية، وبعد أن كان حزب المحافظين المعارض بقيادة بيير بوليفر قريبا جدا من الفوز في الانتخابات والإطاحة بحكومة الحزب الليبرالي برئاسة رئيس الوزراء السابق جاستن ترودو، جاءت تصريحات ترامب عن رغبته في ضم كندا إلى الولايات المتحدة وإعلان حرب تجارية عليها، ليتغير المشهد الكندي تماما.

وأمام تدهور شعبيته قبل انطلاق المعركة الانتخابية استقال ترودو من رئاسة الحزب الليبرالي والحكومة ليخلفه محافظ بنك إنجلترا المركزي السابق ورجل الاقتصاد مارك كارني في المنصبين، والذي تبنى خطابا قويا في مواجهة ترامب ورد على رسومه الجمركية على المنتجات الكندية برسوم مضادة على المنتجات الأمريكية، وأكد قدرة بلاده على المحافظة على استقلالها، فاستعاد شعبية حزبه وقاده إلى الفوز بفترة حكم جديدة في الانتخابات التي أجريت يوم 28 أبريل الماضي.

ومنذ وصوله إلى البيت الأبيض في يناير يقول ترامب إن كندا يجب أن تصبح الولاية الأمريكية الحادية والخمسين بدلا من بقائها دولة مستقلة، كما كرر ترامب وفريقه مجموعة من الاتهامات، حقيقية كانت أم متخيلة، ضد كندا، حتى أنهم تحدثوا عن احتمال إعادة النظر في الاتفاقيات التي ترسم الحدود بين البلدين.

وفي تحليل نشرته مجلة ناشونال إنتريست الأمريكية قال ريتشارد إم ساندرز وهو زميل بارز في قسم شؤون نصف الكرة الأرضية الغربي بمركز ناشونال إنتريست إن هذا التنمر الأمريكي مس وترا حساسا لدى الكنديين. فالحقيقة هي أن كندا، كدولة مجاورة لدولة تفوقها بعشرات المرات من ناحية حجم السكان والاقتصاد وبالطبع القدرات العسكرية، وتتحدث اللغة نفسها (باستثناء إقليم كيبيك الكندي الذي يتحدث الفرنسية)، وترتبط معها في الوقت بروابط أمنية واقتصادية وثقافية عميقة، ظلت سيادتها تبدو غير محصنة بعض الشيء، مما جعل الكنديين،تاريخيا، يخشون من احتمال انتهاكها من جانب الجارة الكبرى.

وقد دارت الانتخابات الكندية حول سؤال من سيكون القائد الأفضل في التعامل مع ترامب. وبدا اختيار كارني ملهما، إذ وجد الكنديون، الذين أذهلهم هجوم ترامب، العزاء في سيرته الذاتية المتألقة بحصوله على شهادات من هارفارد وأكسفورد، وخدمته ليس فقط كرئيس لبنك كندا المركزي، بل أيضا لبنك إنجلترا، إلى جانب هالة "الشخصية الناضجة" التي تضفي عليه هدوءا وثقة، والتي أمل الناخبون أن تساعد بلادهم على تجاوز هذه الأزمة غير المتوقعة تماما.

في المقابل كان بيتر بوليفير، مستعدا لحملة انتخابية تركز على المشاكل الداخلية مثل ركود الاقتصاد، ونقص المساكن، والمخاوف بشأن الهجرة، والتي قدم لها وصفات محافظة متشددة. لكن سياساته، بل وشخصيته السياسية العدوانية، ذكرت الناخبين بترامب نفسه. فتصريحاته بأن كندا "محطمة" بدت وكأنها صدى لشعار "لنجعل أمريكا عظيمة مجددا"، واستعداده لشن هجمات شخصية، مثل وصفه كارني بـ"المحتال السياسي"، كان تصرفا ترامبيا بامتياز، في وقت كان ترامب فيه موضع خوف وكراهية في كندا مما صب في صالح منافسه.

وبعد فوزه، يواجه مارك كارني مهمة صعبة، يتصدرها وضع استراتيجية للتعامل مع دونالد ترامب. وبصفته رئيسا للوزراء، سيسعى لبناء علاقة شخصية مع الرئيس الأمريكي المتقلب. وفي هذا الصدد، سيستفيد من أنه ليس جاستن ترودو، الذي كان ترامب يكن له كراهية شديدة على ما يبدو.

في الوقت نفسه يتوقع البعض أن يكون كارني، محاورا أكثر راحة لترامب، لما يتمتع بها من خبرة واسعة ليس فقط كمحافظ بنك مركزي، بل في عالم التمويل في وول ستريت (حيث عمل في بنك الاستثمار الأمريكي العملاق جولدمان ساكس)، غير أنه لا يمكن الاعتماد على علاقة شخصية ناجحة مع ترامب لكي يقود بلاده إلى بر النجاة.

ويقسم ترامب قادة العالم بين رؤساء الدول الكبيرة والقوية كروسيا والصين والهند الذين يعتبرهم أندادا له، ومن يحكمون دولا أصغر مثل كندا، ويرى أن عليهم الاعتراف بأنهم يجب أن يكونوا تابعين له ويسيرون على نهجه.

وعلى الصعيد العالمي، يسود هدوء حذر حاليا خلال فترة التسعين يوما التي علق فيها ترامب رسومه الجمركية المرتفعة على أغلب دول العالم، والاكتفاء برسوم شاملة تبلغ 10% فقط( باستثناء الرسوم الجمركية المرتفعة جدا المفروضة على الصين)، والرسوم المفروضة سابقا على واردات الصلب والألمنيوم بنسبة 25 بالمائة.

ويرغب ترامب في التركيز على التوصل إلى اتفاقيات تجارية مع كبرى الدول التجارية، مثل الصين واليابان والهند والاتحاد الأوروبي.، وهو ما يمكن أن يتيح فرصة لرئيس وزراء كندا الجديد لترتيب أوراقه قبل الدخول في أي مفاوضات جديدة مع الإدارة الأمريكية.

فكلما تأخرت المفاوضات بين واشنطن وأوتاوا، كان ذلك في صالح كارني مع تزايد احتمالات ركود الاقتصاد الأمريكي وتدهور شعبية ترامب وهو ما سيضعف موقفه في أي مفاوضات مع رئيس الوزراء الكندي.

ويقول ريتشارد ساندرز الذي عمل لسنوات طويلة في وزارة الخارجية الأمريكية وشغل منصب نائب رئيس البعثة الدبلوماسية في السفارة الأمريكية لدى كندا، إن هناك بعض الدلائل التي تشير إلى أن ترامب بدأ يدرك على مضض التكلفة السياسية والاقتصادية المترتبة على إنهاء تكامل الاقتصادين الأمريكي والكندي بشكل مفاجئ، بعد أن أعاد النظر في الرسوم التي فرضها على واردات السيارات ومكوناتها، نظرا لاعتماد هذا القطاع في الولايات المتحدة بدرجة كبيرة على ما يتم استيراده من كندا والمكسيك بشكل خاص.

ورغم أن كارني يقول إن بلاده ستتعامل مع كندا "وفقا لشروطنا"، فإن الخيارات أمامه محدودة. فالولايات المتحدة تستقبل 75% من صادرات كندا، في حين أنها تستقبل 17% من إجمالي صادرات الولايات المتحدة.

وترتبط كندا باتفاق تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي، لكن الاستفادة من هذا الاتفاق وتصدير كميات ضخمة إلى السوق الأوروبية مازالت صعبة. وأدت ضغوط ترامب إلى تجدد الحديث بشأن مد خطوط أنابيب نفط وغاز إلى شرق كندا حتى يمكن تصديرهما إلى أوروبا، وهو الأمر الذي يعارضه إقليم كيبيك الكندي لاعتبارات بيئية. لكن حتى إذا تم إحياء هذه الفكرة فإنها ستحتاج إلى عدة سنوات ومليارات الدولارات حتى يمكن تنفيذها.

لذلك فالتحدي الذي يواجه كارني هو إيجاد طريقة للسماح باستمرار تدفق الصادرات الكندية إلى الولايات المتحدة التي تعتبر السوق الطبيعية لها. ومع ذلك، فمن المحتم أنه حتى لو نجت كندا من تفكيك منطقة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، سيضغط مفاوضو ترامب للحصول على المزيد من التنازلات الكندية، مع مقاومة تقديم أي تنازلات مماثلة من جانبهم. على سبيل المثال فإن قطاع الألبان الكندي المحمي بشدة، والذي نجا من إعادة التفاوض الأخيرة بشأن التجارة الحرة، معرض للخطر، وكذلك صناعة الأخشاب اللينة، حيث لطالما شكت الشركات الأمريكية من الدعم الكندي المزعوم للشركات الكندية. وإذا حاول كارني تقديم تنازلات في هذه الملفات سيواجه مقاومة داخلية قوية بسبب النفوذ القوي لمنتجي الألبان والأخشاب على الساحة المحلية الكندية.

أخيرا يمكن القول إن مستقبل العلاقات الأمريكية الكندية سيتوقف على الشكل بقدر ما يعتمد على جوهر أي محادثات، نظرا لطبيعة ترامب المتقلبة. وعلى الأقل، بدأ الشكل بداية جيدة، حيث أجرى ترامب وكارني مكالمة هاتفية. كما يتم التخطيط لزيارة رئيس الوزراء الكندي إلى واشنطن، ولكن في حال ظهور خلافات، فقد يعود ترامب إلى خطابه المسيء، بما في ذلك دعوته لضم كندا، ليصبح التحدي الذي يواجه كارني هو تجنب الانجرار إلى أي حرب كلامية غير مثمرة دون أن يبدو خائفا ولا خانعا في مواجهة ترامب.

أما من حيث الجوهر، فإن آراء ترامب السياسية الأساسية متأصلة. وبينما يكاد يكون من المستحيل التنبؤ بنتيجة أي مفاوضات، فمن الواضح أنه عالميا يريد أقصى قدر ممكن من الحمائية. ومع ذلك، لا يمكنه تجاهل واقع أسواق الأسهم والسندات، ومعدلات التضخم، واستطلاعات الرأي العام، والخيارات المتاحة أمام الدول الأجنبية. لإلحاق الأذى بالاقتصاد الأمريكي. وفي هذه البيئة المضطربة، يتعين على كارني، الذي يتعين عليه التعامل مع مخاوفه السياسية الداخلية الخاصة، أن يكون حذرا ومبدعا في رسم الطريق للمضي قدما إلى الأمام في العلاقات مع ترامب وإدارته.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق