إن مثل هؤلاء يمكن في سيرته - إن صلحت - أن تُنشر، وفي كفاحه أن يُذاع، وفي اجتهاده وصبره أن يُشاع، فيتعلم منه الأجيال الناشئة، ورجال الأعمال المبتدئون، وأصحاب المشروعات الصغيرة، ليقتدوا به، وليكون مثلا يحتذي به الشباب، ويسلي نفوسهم، ويعينهم على تحمل المعوقات، وتجاوز الصعاب، والصبر على ضيق بعض الأوقات.
وفي الآونة الأخيرة أطل علينا في وسائل التواصل الاجتماعي من ينظّر علينا، ويتحدث عن معاناته في حياته، وفي طريق جمعه للثروة، وكفاحه في عمله، والصعوبات التي واجهها، والصبر الذي تحلى به ليتجاوز الصعاب، وتتذلل العقبات أمامه، وقد يصل لدرجة تأليفه للكتب، ليعرض فيها سيرته العطرة في جهده وكفاحه.
وعند تأمل سيرته نجد أنه نشأ في بيت غنى ورفاهية، وعاش منعما في قصر والده الملياردير، يطلب فيأتيه طلبه إلى يده، خير من الشكل الذي تمناه وتخيله في ذهنه، عنده طاقم كبير من الخدم والحشم، في خدمته، وتحت إمرته، يلبون رغبته ربما من قبل أن يفصح عنها، يأكل أفضل الطعام، ويقود أغلى السيارات، ويلبس أفخم الماركات، يسافر بطائرة خاصة، وزار معظم بلدان العالم، يسكن في أغلى المنتجعات، والأجنحة الفندقية، قد تكون أكبر معاناة له أن أحد أقرانه بدل ساعته بأخرى أفخم، وأغلى.
حين استوى عوده، رأى والده فيه مشروع رجل أعمال، فأطلقه للميدان التجاري، ولمجتمع التجّار، بدأ تجارته برأس مال عالٍ من والده، وربما اقترح عليه فكرة المشروع، فإذا اقتنع بها، اقترح عليه أحد عقاراته لينشئ عليها مشروعه، وطرح أمامه قائمة من الأسماء مع سيرهم الذاتية، ليختار منها الموظفين والعمال الذين يحتاجهم، وزوده بنخبة من المستشارين يقدمون له تحليلات ودراسة جدوى، ونخبة من المحامين والمستشارين في الأنظمة والقوانين، يراجعون له كل إجراء، ويدققون كل عقد قبل توقيعه، بل كل ورقة ونموذج.
وترك له الخيارات في تصميم المباني، واختيار طرق التشغيل، والتنظيم الإداري، وأساليب التوزيع، والدعاية والإعلان.
فيدخل السوق بقلب قوي، وبشجاعة مغوار، وبمغامرة هالك، فإن نجح ذاع صيته، وزادت أمواله، وكثرت أرصدته، وكثُر معارفه، وصقلت خبراته.
وإن خسر فلن يخشى شيئا، فالمكان سيرجع كما كان، وسيُستغل في نشاط آخر، والموظفون والعمال سيعودون لعملهم القديم في شركات والده، والبضاعة سيجدون لها حلا.
أما رأس المال المفقود، والذي خسره، فإن والده سيعوضه برأس مال جديد يوازي القديم أو يزيد عنه، وسيقترح عليه فكرة جديدة لمشروع جديد.. فهو لم يكافح سنين من عمره يدخر من ماله لهذا المشروع، ولم يقنع أحدا بالشراكة معه، ولم يستدن، ويدخل دنيا الديون وخطرها، ولم يبع أو يرهن أرضا أو عقارا، ولم يتورط في عقود عمل مع موظفين جدد.
هو في مأمن من خطر الإفلاس، والسلف، والدين، والالتزامات المالية النظامية وغيرها المترتبة على مشاريعه، فدخل المشروع بنفس هادئة مطمئنة، لم يشتت ذهنه في أمور غير إدارة المشروع، وتسيير شؤونه.
ولا اعتراض عليه، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ولكننا وجدنا من ينظّر علينا من سيارته الفارهة عن أساليب النجاح، وتجاربه الذكية، بل يصل الأمر ببعضهم إلى تأليف كتاب عن عصاميته، وكفاحه!
لا نعارض أنه قد يكون ناجحا، وواصل مسيرة عائلته، وساهم في تنمية أعمالهم وثروتهم، لكن الظروف كلها كانت مهيأة له.. المالية والنفسية والوظيفية، مخدوم في كل ما يريد، بجانبه من يشير عليه ويوجهه، لم يشعر بقلق أو خوف حقيقي، لم يخشَ الإفلاس، وأمِن من قضايا العمل والعمال، ومطالبات الدائنين، يعيش في رفاهية، لم يواجه ضغط احتياجاته المادية، ولا متطلبات أهله وزوجه وأولاده، ومصاريف الحياة عموما ومطالبها.. فالتجربة ليست كاملة، ولا يمكن أن نقيس عليها، فالمبتدئ لم يُهيّأ له ما هُيّئ لصاحبنا، ولم يعش ما عاشه، وظروفه غير ظروفه، وحاله غير حاله.
قبل النقطة: من حق أي أحد أن يروي تجربته، ولكن لا بد أن يعلم من يسمعها أو يقرأها، خاصة المبتدئين، ما يناسبه منها وما لا يناسبه، وأن أحواله تختلف عن أحوال عصامية ابن الملياردير!
Mabosaad@
0 تعليق