loading ad...
هآرتس
بقلم: تسفي برئيل
9/5/2025
بعد فترة قصيرة من بدء الرئيس الأميركي دونالد ترامب هجومه الكثيف على قواعد الحوثيين في اليمن، أعلن بأن "الحوثيين يتشوقون جدا لصنع السلام، وأنه تم ضربهم بشدة وهم يريدون وقف الهجمات. أنا يمكنني فقط القول بأن الهجمات، في النهار وفي الليل، كانت ناجحة بصورة تتجاوز توقعاتنا. نحن سنفعل ذلك لفترة زمنية طويلة".اضافة اعلان
عمليا، استغرق الأمر سبعة أسابيع إلى أن تمت ترجمة رغبة الحوثيين الشديدة في اتفاق لوقف إطلاق النار. يصعب معرفة بالضبط كيف نضج الاتفاق بالتحديد الآن. حسب أحد التقديرات فإن السعودية هي التي ضغطت على ترامب لتمهيد الأجواء قبل زيارته للمملكة في الأسبوع المقبل. تحليلات أخرى تقول بأن إيران "اوصت" الحوثيين بالموافقة على وقف إطلاق النار كبادرة حسن نية للدفع قدما بالمفاوضات حول القضية النووية، التي من شأنها أن تستأنف يوم غد الأحد، رغم أن موقف إيران الرسمي يؤكد على أن كل "وكلاءها" هم مستقلون في قراراتهم، وأن إيران لا تتدخل في تقديرهم.
من خلال نسيج هذه التقديرات تملصت حقيقة بأن الأمر يتعلق باتفاق بين دولة عظمى في العالم وبين نظام يعتبر منظمة "إرهابية"، لكن من الجدير تخفيف الصدمة. فهذه ليست المرة الأولى التي فيها ترامب يجري مفاوضات مع من صنفه هو نفسه بأنه منظمة إرهابية دولية. في 2019 بعد مهاجمة الحوثيين لمنشآت النفط في السعودية، رغم أن السعودية طرحت دلائل كما يبدو على تدخل إيران في الهجوم الذي تسبب بأضرار كبيرة وتقليص عميق في قدرة المملكة على إنتاج النفط، إلا أن ترامب لم يضغط على الزناد. "أنا شخص غير معني بالحرب"، رد ترامب في حينه. وعندما سئل هل تعهد بالدفاع عن السعودية أجاب: "لا، لم اتعهد بشيء كهذا في أي يوم للسعودية. يجب علينا الجلوس مع السعوديين وتخطيط شيء. هذا كان هجوم على السعودية وليس علينا، لكن نحن بالتأكيد سنساعدهم".
بعد ذلك أوضح ترامب بأن الاستعداد لمساعدة السعودية موجود، لكن فقط له ثمن. في موازاة ذلك "عرض" على السعودية البدء في مفاوضات مع الحوثيين للتوصل إلى تسوية معينة.
هذه الأحداث كان يجب أن تعلم إسرائيل الدرس المطلوب لها لفهم الطريقة التي يدير فيها ترامب السياسة الخارجية، ويمكنه أن يوفر عليها المفاجأة والإحراج الذي لحق بها من اتفاق وقف إطلاق النار مع الحوثيين والذي وقع من وراء ظهرها. أحد أسس هذه السياسة يقول ان ترامب لا ينوي ان يحارب حروب الآخرين، سواء كانت السعودية، حليفة الولايات المتحدة منذ سبعة عقود تقريبا، أو أوكرانيا، التي تحارب على حياتها امام العدو التاريخي للولايات المتحدة (روسيا)، وكما يبدو أيضا إسرائيل. الأساس الثاني اصبح معروفا جيدا، وهو يقول ان ترامب يفضل الصفقات على المواجهات العنيفة. من اجل تحقيق صفقة أميركية جيدة، مع التأكيد بانه ليست لديه أي مشكلة لكسر اطر دبلوماسية تقليدية مثل الذي يقول بأنه لا يتم اجراء المفاوضات مع المنظمات الإرهابية، أو إصلاح خطأ ارتكبه عندما انسحب من الاتفاق النووي مع ايران.
وسبق أن وقع ترامب اتفاقا مع تنظيم طالبان، في 2020 والمنصف "ارهابي" الاتفاق الذي وقع في حينه في عاصمة قطر الدوحة سمح لترامب بسحب 5 آلاف جندي تقريبا من أفغانستان. وقد خلق البنية التحتية لاتفاق آخر الذي كان سيوقع عليه في آب (أغسطس) 2023 بين الرئيس بايدن وطالبان، الذي في اطاره تم تنفيذ الانسحاب المشوش والمخجل للقوات الأميركية المتبقية.
ترامب، الذي اثبت في حينه انه غير ملزم بقواعد اللعب السياسية والدبلوماسية المقبولة، أو منظومة علاقات تعتبر مسلمات، لم يتاثر أيضا من ان ممثله آدم بهلر التقى في هذه السنة مباشرة مع رئيس حماس خليل الحية لمناقشة معه قضية المخطوفين والسيطرة في غزة. بهلر في الواقع تم عزله عن منصبه بعد ذلك، لكن هذه السابقة وجدت، إسرائيل التي ليست جزء من الاتفاق مع الحوثيين أنه على الأقل طالما أن الطرفين (أميركا والحوثيين) ينفذان الاتفاق فان هذه لم تعد حرب الولايات المتحدة.
قائمة الإرهابيين الذين توافق الإدارة الأميركية على اجراء مفاوضات معهم يضاف أيضا الرئيس السوري احمد الشرع، الذي التقت معه شخصيات أميركية رفيعة حتى في فترة ولاية الرئيس جو بايدن. مؤخرا التقى معه أعضاء كونغرس من الحزب الجمهوري، الذين سمعوا منه بأنه مستعد للانضمام الى اتفاقات إبراهيم بشروط معينة. الشرع الذي في زيارته الأولى في أوروبا التقى هذا الأسبوع مع الرئيس الفرنسي عمانويل ماكرون وسبق واجرى لقاءات مع زعماء السعودية، اتحاد الامارات وقطر، يرسل من خلال وسطاء طلبات للالتقاء مع ترامب عندما سيأتي لزيارة دول الخليج في الأسبوع القادم. حتى الآن من غير المعروف اذا كان سيخرج لقاء كهذا الى حيز التنفيذ، لكن الولايات المتحدة تجري مع دمشق نقاشات فعلية حول رفع العقوبات التي فرضت على سورية من اجل السماح بتدفق الأموال والاستثمارات اليها. وهي أيضا استثنت قطر من هذه العقوبات عندما سمحت لها بارسال عشرات ملايين الدولارات لادارة الشرع لتمويل دفع الرواتب.
إسرائيل التي بدات أول من أمس في باكو عاصمة أذربيجان جولة أخرى للمحادثات مع تركيا حول إقامة آلية تنسيق لنشاطاتها في سورية، يجب عليها من الآن فصاعدا مواجهة قيود جديدة على حجم وطبيعة عملها في المجال الجوي والبري في سورية. وعليها الآن الأخذ في الحسبان ليس فقط موقف تركيا، بل بالأساس سياسة واشنطن الجديدة التي تعتبر تركيا ذراع حيوية لمحاربة داعش، وهي الدولة التي ستحل محل القوات الاميركية التي بدأت بالانسحاب من سورية.
الاتفاق مع الحوثيين والتقارب العلني من النظام السوري وتعزز التحالف مع تركيا، وهي الخطوات التي تم دفع إسرائيل فيها الى مدرج المتفرجين، تشير الى ملامح الخارطة الجيوسياسية التي يطمح ترامب الى رسمها. هذه خارطة تلزم في الواقع الولايات المتحدة بالتدخل الآن بشكل مباشر وأن تدس يدها في المواجهات، لكن فقط من اجل تمهيد الطريق للانسحاب منها في المستقبل القريب وترك للاعبين المحليين إدارة شؤونهم. هذه الخريطة لا تعطي لإسرائيل دورا رئيسيا، وترامب أيضا يلمح بأنها لن تشارك فيها اذا كانت ستشوش خطواته.
الانعطافة الدبلوماسية أمام إيران هي النتيجة الأكثر إثارة للانطباع لسياسة العزلة لترامب، التي لا تتردد في أن تسحق تحالفات وتفاهمات تاريخية في الطريق الى تطبيقها. بدون اشراك الاتحاد الأوروبي، ومن خلال وضع مطرقة ثقيلة على راس نتنياهو، دخل في مفاوضات مع ايران وكأنها صفقة أميركية – إيرانية خاصة، التي اذا تم التوقيع عليها فسيتم تقديمها على انها انجاز شخصي لترامب وتاطيرها على أنها الاتفاق الأفضل، حتى لو كان يصعب العثور على اختلاف بينها وبين الاتفاق النووي الأصلي الذي وقع عليه في 2015. لطالما كان ينظر الى إسرائيل، الدولة الأكثر تعرضا لتهديد ايران، بأنها تمتلك "الامتياز" الحصري لتحييد هذا التهديد. الآن هذا الامتياز تم سحبه منها من قبل نفس الرئيس الأميركي الذي خضع في السابق لضغوط إسرائيل، الامر الذي تسبب في تحويل ايران الى دولة حافة نووية.
"مصير" مشابه ينتظر قطاع غزة، وهو منطقة حرب تمتلكها اسرائيل بشكل كامل، والتي فيها لعبت الولايات المتحدة حتى الآن فقط دور الركيزة العسكرية والسياسية، وكوسيطة رئيسية في صفقة المخطوفين، والآن يمكن أن تنتقل الى إدارة أميركية. بالصورة التي تدير فيها إسرائيل الحرب، تجويع سكان القطاع في الطريق الى الاحتلال الكامل له، فقد حولت إسرائيل غزة الى تهديد إقليمي، تداعياته بالنسبة للولايات المتحدة أوسع بكثير من بؤر الاشتعال المحلية، مثل الاشتباك مع الحوثيين وصراع السيطرة في سورية وتدمير حماس وحزب الله.
عندما تحذر جهة أميركية رفيعة من أنه اذا لم تستيقظ إسرائيل فان الولايات المتحدة من شأنها أن تدفع قدما بصفقة مع السعودية بدونها، وهذا استمرار مباشر لسياسة سبق وان بدأ تطبيقها – التي بحسبها ترامب لن يسمح لإسرائيل بتخريب "صفقة القرن" الاقتصادية الخاصة به مع المملكة، التي تشمل، ضمن أمور أخرى، شراء عسكري بمبلغ 100 مليار دولار واستثمارات سعودية بمبلغ تريليون دولار تقريبا في الولايات المتحدة.
ترامب الذي استوعب بالفعل استحالة مشروع ريفييرا غزة ونقل مليون غزي، عاد الى لوحة الرسم، يبدو أنه لن يكتفي بعملية أميركية فقط بتعاون عربي لتوزيع المساعدات الإنسانية في غزة. ورغم غضب ائتلاف نتنياهو إلا أن من شأنه أيضا أن يرسم هيكلية اليوم التالي، التي ستعتمد على اقتراح مصر. هكذا، مثلما فعل مع الحوثيين وإيران وسورية، فإن ترامب قد يحول غزة إلى حربه الخاصة – التي فيها سيملي شروطه ويتوقع الطاعة. ولا يستطيع أن يترك شق طريقه الى جائزة نوبل لمقاول من الباطن، حتى لو كان اسمه إسرائيل.
0 تعليق