loading ad...
عمان – تقول فريال عبد الله، وهي أم لطفلين يبلغان من العمر 12 و14 عاما؛ "كانت صدمتي كبيرة عندما سمعت طفلي يلعب مع أصدقائه في المدرسة لعبة فيديو جماعية، يضع سماعاته على أذنيه. فجأة يرتفع صوته بحماس ويردد كلمات كثيرة، من بينها ألفاظ نابية لم أسمعها منه من قبل، ولا حتى من أي شخص في المنزل".اضافة اعلان
ردة فعلها الأولى كانت الغضب الشديد، حيث أمرته بإنهاء اللعبة فورا. لكنها، كما تصف، استعادت هدوءها سريعا وقررت احتواء الموقف بالحوار، محاولة إقناعه بأن هذه الألفاظ مسيئة له، لأصدقائه ولتربيته. إلا أنها كانت تصطدم في كل مرة بمحاولة ابنها تبرير تصرفه بقوله؛ "لو ما سبيت ما راح يعتبروني واحد منهم".
راشد ليس الوحيد في هذا الواقع، إذ يعيش كثير من الأطفال والمراهقين اليوم في بيئة رقمية مليئة بأصوات الزملاء في الألعاب الإلكترونية الجماعية، حيث تتجاوز المنافسة حدود مهارة اللعب لتصل إلى ساحة الألفاظ والمصطلحات الجارحة، والتي باتت لدى البعض، مرادفا لـ"اللاعب القوي والكول".
وتشير أم مازن، وهي أم لطفل في الصف الخامس، إلى قلقها من تأثير هذه الألعاب على أخلاق ابنها. تقول: "بدأت ألاحظ أنه يستخدم كلمات لم نتداولها يوما في البيت. وعندما واجهته، رد "كل أصحابي يقولونها، ولو ما قلتها يضحكون علي أو يطلعوني من المجموعة".
وتضيف الأم بكلمات عفوية ومترددة: "حتى عندما منعت عنه الجهاز لفترة، أصبح لديه خوف من فقدان أصدقائه، ووقع بين نارين إما أن يتكلم مثلهم أو ينعزل".
من الواضح أن الضغط الاجتماعي داخل فضاء الألعاب الإلكترونية لا يبدو مؤقتا، بل يزداد مع كل جلسة جماعية، وكل ضحكة تعقب لفظا مسيئا، أو نكتة عنصرية أو ألفاظا جنسية.
وفي حديث مع عمر، وهو فتى يبلغ من العمر (16 عاما) ، يقول: "لم أكن أتحدث بهذه الألفاظ أو حتى أعرف معناها تماما في البداية. كنت أستغربها وأشعر بعدم الراحة، بل كنت أغضب عندما يوجهها إلي أحدهم. لكن مع مرور الوقت، ومع سماعي الدائم لها بين أصدقائي الذين يتبادلونها وكأنها كلمات عابرة تعبر عن حالة اللعبة، تغيرت ردة فعلي تدريجيا، وأصبحت أستخدمها مثلهم لأكون ضمن المجموعة".
ويبين عمر أن أصدقاءه كانوا يستغربون منه في البداية، وكأنه غريب أو ما يزال "طفلا" لم ينضج بعد، حتى أنهم بدأوا يستثنونه من بعض الألعاب والتجمعات.
لغة عدوانية بين الأصدقاء
وتتحدث التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني قائلة: "الاعتراف بين الأصدقاء بات مشروطا بالمشاركة في هذه اللغة العدوانية. والمفارقة أن الطفل لا يستمتع بالضرورة باستخدام هذه الألفاظ، لكنه يجد نفسه مضطرا لممارستها حتى لا يقصى من مجتمعه الرقمي".
وتضيف أن أحد أخطر الجوانب في الألعاب الجماعية ليس فقط ما يقال، بل ما يترسخ. وتقول: "حين يكافأ الطفل على استخدام ألفاظ جارحة ومسيئة بالضحك أو القبول، يتعلم أن العدوان اللفظي وسيلة للاندماج بين المجموعات، وحين ينبذ بسبب التهذيب، يربط الأدب بالضعف والعزلة والخوف، وهذا تشويه حقيقي لقيمه الذاتية".
وتؤكد أن الطفل لا يدرك دائما أن هذه السلوكيات تنتقل معه إلى حياته الواقعية، فتستخدم لاحقا في المدرسة أو المنزل، وتطبع في سلوكه بشكل يصعب تغييره مع الوقت.
وترى أن المشكلة تكمن في غياب الإرشاد والتوجيه من بداية دخول الطفل لهذه العوالم، لافتة إلى أن الأهل غالبا يفرحون بانشغال طفلهم في لعبة بدلا من المكوث في الشارع، لكنهم لا يدركون أن هذه اللعبة قد تكون أخطر بكثير من أي بيئة واقعية، لأنها غير مرئية وغير مضبوطة.
تعليم الطفل رفض سلوكيات خاطئة
وتضيف الكيلاني أن التربية لا تتوقف عند تعليم الطفل الكلمات الطيبة، بل يجب أن تتضمن تدريبا على كيفية رفض السلوكيات الخاطئة حتى لو مارسها الأصدقاء، وهذا جزء من بناء الشخصية المستقلة.
وتنصح الأمهات والمختصين في المدارس بالتعامل سريعاً مع هذا الأمر وعدم التسليم به كواقع مفروض، أو اللجوء لفكرة أن الطفل لا يسعى للإساءة بطبيعته، لكنه ينجرف وراءها كوسيلة للبقاء ضمن المجموعة. وتبرز هنا الحاجة إلى فتح نقاشات صريحة داخل الأسرة حول معنى الصداقة، وكيف يمكن أن يقول الطفل "لا" دون أن يشعر بالذنب أو يبرر ذلك.
المواجهة بعيدا عن التوبيخ
وتنوه أن أسلم الطرق للتعامل مع هذا الموضوع هي المواجهة بلا توبيخ، والاستماع للطفل دون انفعال لفهم سبب مشاركته في هذا السلوك، مع التفريق بين الفعل والشخص، وتوضيح أن هذا التصرف مرفوض. كما تشدد على ضرورة تعزيز البدائل من خلال منحه أدوات لغوية مرحة وقوية يمكن استخدامها دون إساءة، وإيجاد بيئة بديلة عبر إشراكه في أنشطة واقعية تمنحه شعوراً بالانتماء خارج اللعبة.
في نهاية المطاف، تبقى مسؤولية المجتمع والمدرسة والأسرة في إعادة ثقة الطفل بنفسه دون شروط قاسية، فالطفل لا يجب أن يكون مؤذيا حتى يتم قبوله، ولا أن يتلفظ بالسوء حتى يتم الإصغاء والاستماع إليه.
ردة فعلها الأولى كانت الغضب الشديد، حيث أمرته بإنهاء اللعبة فورا. لكنها، كما تصف، استعادت هدوءها سريعا وقررت احتواء الموقف بالحوار، محاولة إقناعه بأن هذه الألفاظ مسيئة له، لأصدقائه ولتربيته. إلا أنها كانت تصطدم في كل مرة بمحاولة ابنها تبرير تصرفه بقوله؛ "لو ما سبيت ما راح يعتبروني واحد منهم".
راشد ليس الوحيد في هذا الواقع، إذ يعيش كثير من الأطفال والمراهقين اليوم في بيئة رقمية مليئة بأصوات الزملاء في الألعاب الإلكترونية الجماعية، حيث تتجاوز المنافسة حدود مهارة اللعب لتصل إلى ساحة الألفاظ والمصطلحات الجارحة، والتي باتت لدى البعض، مرادفا لـ"اللاعب القوي والكول".
وتشير أم مازن، وهي أم لطفل في الصف الخامس، إلى قلقها من تأثير هذه الألعاب على أخلاق ابنها. تقول: "بدأت ألاحظ أنه يستخدم كلمات لم نتداولها يوما في البيت. وعندما واجهته، رد "كل أصحابي يقولونها، ولو ما قلتها يضحكون علي أو يطلعوني من المجموعة".
وتضيف الأم بكلمات عفوية ومترددة: "حتى عندما منعت عنه الجهاز لفترة، أصبح لديه خوف من فقدان أصدقائه، ووقع بين نارين إما أن يتكلم مثلهم أو ينعزل".
من الواضح أن الضغط الاجتماعي داخل فضاء الألعاب الإلكترونية لا يبدو مؤقتا، بل يزداد مع كل جلسة جماعية، وكل ضحكة تعقب لفظا مسيئا، أو نكتة عنصرية أو ألفاظا جنسية.
وفي حديث مع عمر، وهو فتى يبلغ من العمر (16 عاما) ، يقول: "لم أكن أتحدث بهذه الألفاظ أو حتى أعرف معناها تماما في البداية. كنت أستغربها وأشعر بعدم الراحة، بل كنت أغضب عندما يوجهها إلي أحدهم. لكن مع مرور الوقت، ومع سماعي الدائم لها بين أصدقائي الذين يتبادلونها وكأنها كلمات عابرة تعبر عن حالة اللعبة، تغيرت ردة فعلي تدريجيا، وأصبحت أستخدمها مثلهم لأكون ضمن المجموعة".
ويبين عمر أن أصدقاءه كانوا يستغربون منه في البداية، وكأنه غريب أو ما يزال "طفلا" لم ينضج بعد، حتى أنهم بدأوا يستثنونه من بعض الألعاب والتجمعات.
لغة عدوانية بين الأصدقاء
وتتحدث التربوية والمرشدة النفسية رائدة الكيلاني قائلة: "الاعتراف بين الأصدقاء بات مشروطا بالمشاركة في هذه اللغة العدوانية. والمفارقة أن الطفل لا يستمتع بالضرورة باستخدام هذه الألفاظ، لكنه يجد نفسه مضطرا لممارستها حتى لا يقصى من مجتمعه الرقمي".
وتضيف أن أحد أخطر الجوانب في الألعاب الجماعية ليس فقط ما يقال، بل ما يترسخ. وتقول: "حين يكافأ الطفل على استخدام ألفاظ جارحة ومسيئة بالضحك أو القبول، يتعلم أن العدوان اللفظي وسيلة للاندماج بين المجموعات، وحين ينبذ بسبب التهذيب، يربط الأدب بالضعف والعزلة والخوف، وهذا تشويه حقيقي لقيمه الذاتية".
وتؤكد أن الطفل لا يدرك دائما أن هذه السلوكيات تنتقل معه إلى حياته الواقعية، فتستخدم لاحقا في المدرسة أو المنزل، وتطبع في سلوكه بشكل يصعب تغييره مع الوقت.
وترى أن المشكلة تكمن في غياب الإرشاد والتوجيه من بداية دخول الطفل لهذه العوالم، لافتة إلى أن الأهل غالبا يفرحون بانشغال طفلهم في لعبة بدلا من المكوث في الشارع، لكنهم لا يدركون أن هذه اللعبة قد تكون أخطر بكثير من أي بيئة واقعية، لأنها غير مرئية وغير مضبوطة.
تعليم الطفل رفض سلوكيات خاطئة
وتضيف الكيلاني أن التربية لا تتوقف عند تعليم الطفل الكلمات الطيبة، بل يجب أن تتضمن تدريبا على كيفية رفض السلوكيات الخاطئة حتى لو مارسها الأصدقاء، وهذا جزء من بناء الشخصية المستقلة.
وتنصح الأمهات والمختصين في المدارس بالتعامل سريعاً مع هذا الأمر وعدم التسليم به كواقع مفروض، أو اللجوء لفكرة أن الطفل لا يسعى للإساءة بطبيعته، لكنه ينجرف وراءها كوسيلة للبقاء ضمن المجموعة. وتبرز هنا الحاجة إلى فتح نقاشات صريحة داخل الأسرة حول معنى الصداقة، وكيف يمكن أن يقول الطفل "لا" دون أن يشعر بالذنب أو يبرر ذلك.
المواجهة بعيدا عن التوبيخ
وتنوه أن أسلم الطرق للتعامل مع هذا الموضوع هي المواجهة بلا توبيخ، والاستماع للطفل دون انفعال لفهم سبب مشاركته في هذا السلوك، مع التفريق بين الفعل والشخص، وتوضيح أن هذا التصرف مرفوض. كما تشدد على ضرورة تعزيز البدائل من خلال منحه أدوات لغوية مرحة وقوية يمكن استخدامها دون إساءة، وإيجاد بيئة بديلة عبر إشراكه في أنشطة واقعية تمنحه شعوراً بالانتماء خارج اللعبة.
في نهاية المطاف، تبقى مسؤولية المجتمع والمدرسة والأسرة في إعادة ثقة الطفل بنفسه دون شروط قاسية، فالطفل لا يجب أن يكون مؤذيا حتى يتم قبوله، ولا أن يتلفظ بالسوء حتى يتم الإصغاء والاستماع إليه.
0 تعليق