loading ad...
الـ33 دقيقة التي قضاها أول من أمس الرئيس الأميركي مع الرئيس السوري أحمد الشرع، بوجود ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بواسطة الفيديو، رسمت مسار المحور الجديد الآخذ في التبلور برعاية الرئيس الأميركي. اضافة اعلان
في هذا المحور السعودية هي الدولة القائدة وتركيا هي الشريكة الاستراتيجية وعلى طاولة إيران يوجد اقتراح للانضمام إلى النادي، في حين أن اسرائيل والسلطة الفلسطينية والنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني بشكل عام هما في هذه الأثناء إحصائيات حاضرة – غائبة.
مقابل زيارته السابقة في المنطقة التي شملت إسرائيل، في هذه المرة جاء ترامب مع خريطة طريق واقعية وذكية أكثر. دعوته للرئيس السوري الانضمام لاتفاقات إبراهيم وتطلعه إلى تطبيع بين السعودية وإسرائيل، لم تعد مرفقة بآلية ضغط وتهديد أو الهدايا والإغراءات التي عرضها قبل ست سنوات لتجسيد حلم الشرق الأوسط الجديد الخاص به.
ترامب سمح لابن سلمان بأن يقرر متى سيكون الوقت المناسب له للتوقيع على اتفاق التطبيع، ورفع العقوبات عن سورية لم يشترطه بانضمامها للاتفاقات. لا يوجد تعبير واضح أكثر على فهمه بأن العائق الرئيسي لتوسيع دائرة "دول الاتفاق" يوجد في القدس وفي يد نتنياهو – الذي مثل محمود عباس لم يتم ذكره ولا مرة في كل خطاباته الطويلة المليئة بالإشادات الشخصية للرئيس الأميركي هو نفسه.
ليس عبثا تحول القصة السورية الى البؤرة الرئيسية في زيارة ترامب. هي تشمل إعطاء اعتماد سياسي واقتصادي للرئيس السوري وفتح فرصة تاريخية لدولة كانت منبوذة في نظر الولايات المتحدة لعشرات السنين. الشرع، الذي هو من مواليد السعودية، كان مقاوما حارب ضد القوات الأميركية في العراق واعتقل وسجن لخمس سنوات في السجن سيئ الصيت أبو غريب.
وقد انضم للقاعدة وأنشأ الفرع السوري لها باسم جبهة النصرة، لكنه رفض الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" وحتى أنه حارب ضده. في العام 2016 قطع علاقته مع القاعدة وأقام هيئة تحرير الشام، التنظيم الذي ما يزال محسوبا على قائمة التنظيمات الإرهابية الدولية الذي معه أسقط نظام الأسد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي.
إن مصافحة الشرع لا تعتبر "التحديث"، الذي عرضه ترامب في اللقاء مع هذا الرجل أول من أمس . فعله ترامب سابقا وصافح في السابق يد رجال طالبان الذين وقع معهم على اتفاق سمح بانسحاب جزئي للقوات الأميركية من أفغانستان. وهو أيضا حقق منذ فترة قصيرة اتفاقا لوقف إطلاق النار مع الحوثيين الذين شملهم هو نفسه في قائمة منظمات الإرهاب الدولية.
سلسلة "لقاءاته تلك يمكن لترامب أن يضيف إليها أيضا الحوار المباشر لادم بهلر، مبعوثه لشؤون المخطوفين، مع خليل الحية، نائب رئيس المكتب السياسي لحماس.
عن طريق سورية عبر ترامب عن ميزان القوة الجديد كما ينوي تشكيله. لقد تجاهل معارضة إسرائيل لرفع العقوبات وتبنى مواقف السعودية وتركيا وقطر التي وضعت نفسها كضامنة لـ"حسن سلوك" الشرع. لأنه مقابل إسرائيل التي تفحص سورية فقط عبر ثقب قفلها، فإن ترامب أقنعته النتائج الاستراتيجية الإقليمية بأن هذه الخطوة يمكن أن تكون مجدية له.
إن رعاية تركيا والسعودية لسورية تحت مظلة أميركية تجعل سورية بشكل كامل تنتمي إلى الفضاء المؤيد لأميركا، وتضع سورا حصينا ضد تطلعات إيران بالعودة إلى المنطقة. هي ستمكن ترامب من استكمال انسحاب القوات الأميركية من سورية وستدفع قدما بدمج قوات الأكراد في أجهزة النظام السوري، خاصة بعد أن أعلن حزب العمال الكردي "بي.كي.كي"، وهو التنظيم الذي حاربته تركيا مدة 45 سنة، عن حل نفسه.
إن رفع العقوبات سيفتح أمام سورية ولبنان مسار توفير الكهرباء من الأردن والغاز من مصر، ومع بداية إعادة الإعمار يمكن لمليوني سوري البدء في العودة إلى وطنهم من اوروبا ولبنان وتركيا.
بخصوص انضمام سورية إلى اتفاقات إبراهيم من الأفضل عدم التوقف عن حبس الأنفاس حاليا أو التخطيط لزيارات نهاية أسبوع في دمشق. الشرع في الواقع قال إنه سيكون مستعدا للانضمام إلى الاتفاقات عندما "تنضج الظروف"، لكن هذه الظروف ستشمل انسحاب إسرائيل ليس فقط من المناطق التي سيطرت عليها في الحرب الأخيرة، بل أيضا من كل هضبة الجولان. ترامب بالتاكيد لم ينس أنه في العام 2019 اعترف رسميا بسيادة إسرائيل في هضبة الجولان، وحتى أنه حظي بمستوطنة باسمه.
صحيح أن دولا كثيرة لها علاقات دبلوماسية كاملة مع الدول التي توجد لها معها نزاعات على الحدود، وأن حلها يجري عبر المفاوضات، لكن هناك شكا كبيرا فيما إذا كانت إسرائيل وسورية ستتبنيان هذا النموذج.
في الوقت نفسه، توجد لسورية مكانة ودور في ترسيم الحدود البرية بين إسرائيل ولبنان، المشمول في اتفاق وقف إطلاق النار. استكمال الترسيم الذي يمكن أن ينهي النزاع على الحدود مع لبنان يقتضي موافقة سورية على ترسيم الحدود مع لبنان، من أجل أن يكون بالإمكان تحديد الدولة التي تعود إليها مزارع شبعا، التي هي من نقاط الخلاف الرئيسية بين إسرائيل ولبنان.
لا تقل عن ذلك أهمية الرسالة التي ينقلها رفع العقوبات إلى إيران. طهران التي في هذه الأثناء تجري مفاوضات متقدمة مع الولايات المتحدة حول صيغة اتفاق نووي جديد تطالب بالمقابل، برفع العقوبات التي فرضت عليها. الطريقة التي يرفع فيها ترامب العقوبات عن سورية – بيان "تقني" وكأنه يفعل معروفا لأصدقائه من دون التشاور مع الكونغرس أو الأخذ في الحسبان موقف إسرائيل – يمكن ان تهدئ إيران في كل ما يتعلق بالضمانات الأميركية التي تطلبها، وعلى الأقل أن تخدم ستيف ويتكوف الذي يجري المفاوضات من قبل الرئيس لإقناع إيران بكيفية سير الأمور في عهد ترامب.
في هذا الشأن من المهم جدا موقف السعودية. السعوديون الذين عارضوا الاتفاق النووي الأصلي في العام 2015 يؤيدون الآن الاتفاق، وحتى أنهم ساهموا في الدفع قدما بالمفاوضات.
ترامب يعرف موقف السعودية التي تعارض أي عمل عسكري ضد إيران. وهو حتى ردد موقف السعودية عندما امتنع عن التهديد بفتح باب جهنم على إيران إذا لم توقع في القريب على الاتفاق، واكتفى بالتعهد باستخدام "الحد الأقصى من الضغط الاقتصادي" الذي سيمنع إيران كليا من تصدير النفط.
الرئيس الذي كرر مرة تلو الأخرى تعهده بعدم السماح لإيران بالحصول على السلاح النووي تجنب أيضا في الزيارة الحالية القول إن إيران لا يمكنها تخصيب اليورانيوم، خلافا لأقوال ويتكوف منذ فترة قصيرة في موقع "برايت بيرت"، التي بحسبها إيران ستضطر إلى تفكيك كل مشروعها النووي والتوقف عن التخصيب، وإزالة أجهزة الطرد المركزي كشرط لرفع العقوبات.
التحول التكتوني الذي يحدثه ترامب في الشرق الأوسط لم تستوعبه إسرائيل بعد. فهي تنشغل بنشاطات تكتيكية أو تتلذذ بالإنجازات المحلية مثل، اغتيال محمد السنوار غير المؤكد أو قصف الموانئ في اليمن، وتركز اهتمامها على الحفاظ على قوة التحالف. إسرائيل غير مستعدة لاتفاق نووي جديد مع إيران، وليست لديها خطة سياسية لوقف الحرب في غزة أو حل القضية الفلسطينية بشكل عام، في حين أن الغطاء الدولي، بما في ذلك الغطاء الأميركي، يتصدع بشكل متزايد، بل ويتساقط جزئيا. إذا كانت إسرائيل قبل سنة ونصف تعتبر جزءا لا يتجزأ من نظام دفاع إقليمي وشريكة رائدة في التحالف ضد إيران بسبب قدرتها العسكرية والاستخبارية، فإنها الآن عندما يطلب منها إظهار مهارتها السياسية وتفكيرها الاستراتيجي الأصيل، تجد نفسها وعاء فارغا.
0 تعليق