منهجية التربية في الإسلام

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
د. سامح بدوي

طغت الحياة المادية وأصبحت واقعاً أثقل كاهل البشرية، واختفت على إثرها العديد من القيم، وباتت عاداتنا تراثاً ننشده ونتطلع إليه كسراب وسط طوفان المادة، خيالاً فرض واقعاً مختلفاً عن بنات أفكارنا وتخيلاتنا في كافة أنماط الحياة، فهناك طفرات متلاحقة وسريعة في جميع مجالات الحياة، وهذا يقتضي إدارة تلك المتغيرات وفق منهجية أخلاقية معتدلة، لعلها تكون ملاذاً آمناً لتربية الأبناء بما يتناغم مع هويتنا العربية والإسلامية. فعندما نصقل الأبناء ونهذب أخلاقياتهم، يصبحون قادرين على الموازنة بين الانفتاح والالتزام، وإدارة أنفسهم وفق ضبط ذاتي تلقائي، وتكوين متجانس للنفس يمكنها من الحفاظ على الثوابت الدينية والأخلاقية.

ولكي تتحقق تلك الغايات، علينا إعلاء التكوين الروحي مجدداً ليواجه طغيان المادة، الذي بات واقعاً بعد أن كان درباً من دروب الخيال جعل الآلة تتحرك وتعمل، بل وتتبادل معنا الحديث وتفكر عوضاً عنّا، وتكتب مشاعرنا! ففي خضم هذا الحراك المادي المتنامي، لابد أن ترافقها منهجية تهذب الروح وتجعلها في ثبات دائم على قيم الدين والمجتمع.

منهجية تؤصل للتربية بالقدوة، وبيان إعجاز القرآن الكريم والسنة النبوية السمحة في تهذيب الروح وتربية الرجال، بما يملكونه من مقاليد الأخذ بعلوم الدين والدنيا والتكامل بين العمل والعلم والابتكار، وإعلاء زخم الإرث الإسلامي في التربية الأخلاقية القويمة، وتحقيق التوازن بين العلوم الشرعية والدنيوية، وجعل العلم غاية الإيمان والإسلام.

فالتربية بالعقيدة تشكل هوية المسلم المنفتح على كل علوم الحياة وتجعله قادراً على مواجهة الشبهات الفكرية والخروج منها ملتزماً بأصوليته مُفاخِراً بها رغم مدنيّته المعتدلة وحياته في عصر ما بعد العولمة. وهذا لا يعني التخلي عن الحوار الحضاري والفكري والانفتاح على المجتمعات، بل يعتمد على منهجية إسلامية تكسب الشباب المناعة الفكرية ضد الابتذال والشبهات، وتجعل شباب الأمة رجالها، الذين يتحملون أعباءها ويمتلكون مقومات النهوض بها، شباب ينافس الآخر بأفكاره وتطلعاته العلمية التي تسهم في تطور البشرية ورفاهيتها، وتحقق الإصلاح المجتمعي، وتواجه التحديات التي تعترض المجتمعات البشرية، وتعزز التكافل المجتمعي، وتبني مؤسسات المجتمع، وتُؤسّس الترابط بين فئاته المختلفة. وتدعم الابتكار في العلوم وتوظف التقنيات في خدمة الدين والدعوة، وتخاطب العالم بلغة العلم، وتنقل صورة حضارية عن الإسلام والمجتمع المسلم.

ولعلنا نخلص إلى أن منهجية التربية في الإسلام تعتمد على بناء التكاملية في المجتمع من خلال الربط بين العقيدة والأخلاق والسلوك، وإيجاد حالة من المواءمة بين مدنية الحياة وثوابت الدين، في نظرة شمولية للجوانب الروحية والعقلية والجسدية، وفق فطرة سليمة لا تخالف نواميس الطبيعة، تُسهم في بناء جيل متعلّم وفاعل، باحث عن المعرفة والتفكير والتدبر وإعمال العقل، وغرس القيم الإيمانية والأخلاقية.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق