شراكة خليجية أمريكية تُهندس ملامح الشرق الأوسط القادم

الوطن البحرينية 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
د. سهير بنت سند المهندي

حين تنعقد قمة خليجية-أمريكية في الرياض في خضم التحديات المتراكمة في الشرق الأوسط، فلا شك أن الحدث يحمل ما هو أبعد من البيانات البروتوكولية، فقمة 13 مايو 2025 لم تكن مجرّد لقاء دبلوماسي، بل محطة استراتيجية تُرسم فيها ملامح تحالف مستجد، تُعاد فيه صياغة قواعد اللعبة الإقليمية، ضمن توازنات دولية متحركة.

تُدرك الولايات المتحدة – رغم انشغالها بمنافسة الصين وروسيا – أن استقرار الشرق الأوسط يمر عبر بوابة الخليج، لكن الجديد في هذه القمة، أن دول مجلس التعاون الخليجي لم تعد الطرف المنفعل في العلاقة، بل تحولت إلى شريك فاعل، يضع شروطاً، ويقترح حلولاً، ويبني رؤى، فاللغة التي اتسمت بها المخرجات لم تعد لغة «التطمينات»، بل لغة «الالتزامات المتبادلة».

يبدو واضحاً أن واشنطن باتت ترى أن تحجيم الأزمات لا يكون عبر التدخل العسكري أو الضغط السياسي فقط، بل عبر شراكات استراتيجية مع أنظمة مستقرة وذات نفوذ إقليمي كدول الخليج.البيان الختامي أكد أن القمة تناولت قضايا من نوع الملف السوري، الفلسطيني، الإيراني، واليمني، إلى جانب أمن البحر الأحمر والتطرف العابر للحدود، لكن اللافت هو الطابع «البراغماتي» الذي طغى على الطرح الخليجي-الأمريكي؛ لم تعد الحلول تصاغ من أبراج عاجية، بل في ضوء معادلات الأرض.

فعلى سبيل المثال، لم تكرر القمة أطروحات «الانتقال الديمقراطي» المجردة في سوريا، بل دعت إلى حل سياسي يوقف النزف، يعيد النازحين، ويدمج الأطراف بواقعية في العملية السياسية، في ظل قبول عربي متنامٍ بضرورة إعادة ترتيب العلاقة مع دمشق.أما في الملف الفلسطيني، فجاء التركيز على وقف النار في غزة، دعم جهود التهدئة، وتأمين الدعم الإنساني، مع التأكيد – بلغة أقل حدة – على «حل الدولتين»، وهو موقف يوازن بين التزامات واشنطن التقليدية وتوجهات بعض العواصم الخليجية نحو التطبيع المشروط بإطار أمني وسياسي شامل.

التحذير المشترك من السلوك الإيراني لم يكن جديداً، لكنه جاء هذه المرة ضمن مقاربة أمنية أشمل، تُدرج التهديد الإيراني في سياق استراتيجي يتقاطع مع أمن الطاقة، والملاحة، والسيادة الوطنية. اللافت أن الخليج لم يبدُ في موقع المستجدي للحماية، بل كمبادر لتعزيز قدراته الدفاعية، وتطوير تحالفات متعددة، على رأسها التنسيق الدفاعي الخليجي-الأمريكي الذي شهد دفعة جديدة في القمة.

من خلال هذه القمة، يتضح أن واشنطن لم تعد تطمح لتغيير الأنظمة أو تصدير الديمقراطية كأولوية، بل تدفع باتجاه استقرار إقليمي يُتيح للاقتصاد أن ينتعش، وللدول أن تُعيد بناء عقدها الاجتماعي، هذا التحول يعكس إعادة تقييم عميقة لسياسات العقدين الأخيرين، حيث تبيّن أن الفوضى في العراق، سوريا، ليبيا، واليمن لم تؤتِ ثماراً لا للديمقراطية ولا لمصالح أمريكا.

ببساطة: الخليج لا يسعى اليوم لحماية عسكرية فقط، بل لشراكة تنموية وتكنولوجية واقتصادية، يريد من واشنطن أن تدرك أن زمن الهيمنة الأحادية قد انتهى، وأن أمن الخليج لم يعد يُختزل في قواعد عسكرية أو مبيعات سلاح، بل في تمكين الاقتصاد، وتعزيز السيادة الرقمية، وبناء جسور مع آسيا وأفريقيا وأوروبا من دون وصاية.

إن قمة الرياض لم تكن صفحة مكررة من دفاتر الاجتماعات، بل فصلٌ جديدٌ من شراكة ناضجة بدأت تُهندس – بهدوء لكن بثقة – مستقبل الشرق الأوسط، لم تعد واشنطن تأتي لتعطي توجيهات، ولم تعد دول الخليج تستقبلها بصمت، نحن أمام معادلة توازن مصالح، تؤسس لمرحلة أكثر عقلانية في إدارة الملفات الإقليمية، ربما تُنقذ الشرق الأوسط من التهور والمغامرة، وتعيده إلى مسار التنمية والسيادة والاستقرار.

الشرق الأوسط القادم... لا يُرسم بالبارود فقط، بل بالعقل والحوار والتحالفات المدروسة

اعلامية وباحثة أكاديمية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق