حين حطّت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الرياض لتكون المملكة العربية السعودية أول وجهة خارجية له في ولايته الثانية، لم يكن ذلك مجرد اختيار دبلوماسي، بل كان اعترافا عميقا بأن المملكة تحولت إلى مركز ثقل إقليمي ودولي، وبأن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قد أعاد رسم معادلات النفوذ على الخريطة العالمية.
هذه الزيارة هي ثمرة رؤية ناضجة وقيادة استثنائية قرأت التحولات، وفهمت لغة العصر، واستثمرت كل المعطيات لصناعة نموذج جديد للدولة الحديثة: لم تكتفِ بإصلاح الداخل، بل تسهم في صياغة مستقبل المنطقة والعالم. تحت قيادة الأمير محمد بن سلمان، تحولت المملكة إلى ورشة نهوض لا تهدأ، مشاريع عملاقة، انفتاح اقتصادي، حراك استثماري، إصلاحات اجتماعية، ودبلوماسية تصنع الفعل.
وخلال هذه الزيارة أعيد تأكيد الشراكة الاستراتيجية السعودية الأمريكية، ليس فقط عبر اللقاءات الرسمية، بل من خلال إشارات رمزية في الاستقبال والضيافة، والتزامات استثمارية تجاوزت التريليون دولار. لم تكن هذه الصفقات هدفا بحد ذاتها، بل أداة لتمكين اقتصاد متنوع، يخلق فرصا، وينقل المعرفة، ويرسخ مكانة المملكة كمركز عالمي في مجالات الطاقة والتقنية والاستثمار.
ولم تكن الملفات الاقتصادية وحدها حاضرة، بل كان للأمن الإقليمي والحضور العربي نصيب كبير. فالمملكة لم تُغلق على نفسها بل مدت يدها للأشقاء، كما في ملف سوريا، فكانت الرياض منصة لرفع الحظر والعقوبات، وتعبيرا عن التزام المملكة بإعادة بناء السلام والكرامة في أرض أنهكها الصراع. فلم تكتفِ المملكة بأن تكون وسيطا سياسيا، بل حملت مسؤولية إنسانية وتنموية تجاه الشعب السوري، وأثبتت أن القيادة قوة وقدرة على إحداث التوازن.
إن هذه الإنجازات التي تراكمت، والتي اختزلتها زيارة ترامب الأخيرة، تؤكد أن ما يحدث في المملكة ليس مجرد تطور مرحلي، بل تحول بنيوي في هوية الدولة، في قدرتها على الجمع بين الداخل الطموح والخارج المؤثر. هي دولة تقود من منطلق رؤية، وترسم سياساتها على أساس إدراك معمّق لعناصر القوة في العالم الحديث: المعرفة، الاقتصاد، الشراكة، والإنسان.
والمواطن هو جزء من هذه الرؤية، فكل شاب وفتاة، موظف ومعلم، مبدع أو مبتكر، يحمل قطعة من هذه اللوحة الوطنية الكبرى. ومسؤوليتنا لا تقل أهمية عن قرارات القيادة، فنجاح الرؤية لا يتحقق بقرارات عليا فقط، بل بوعي شعبي عميق يعي اللحظة، ويستثمر الفرصة، ويشارك في البناء.
إن معيار النجاح لم يعد ما يُقال عن المملكة، بل ما يُبنى فيها. والوعي الحقيقي لا يكون في ترديد الإنجازات، بل في تحويلها إلى سلوك يومي، واستعداد دائم لصناعة التميز، ونحن مدعوون جميعا لنكون جزءا من هذا النجاح الممتد.
0 تعليق