في حمص؛ ثالث أكبر مدينة سورية، التقت بيل ترو قائد الشرطة الجديد المكلف بمهمة حفظ السلام بعد أن أطاحت القوات بقيادة "هيئة تحرير الشام" بنظام بشار الأسد. وأصبح السؤال الذي يتردد في كل مدينة في جميع أنحاء البلاد: من سيحكم، وكيف؟اضافة اعلان
* * *
يجلس علاء عمران محاطاً باهتمام كبير في مقر الشرطة في حمص، في مكتب كان حتى الأسبوع الماضي يديره جهاز الاستخبارات المرعب التابع لبشار الأسد.
بعد أن كان قائداً سابقاً في شرطة النظام، تحول إلى قائد مع الثوار الإسلاميين، وتنتظره مهمة معقدة لا يحسد عليها تتمثل في إدارة عملية انتقالية محفوفة بالمخاطر، قوامها خمسة عقود من الحكم الوحشي لعائلة الأسد. وقد خلفت الهزيمة التي مني بها ذلك النظام على يد خليط من المتمردين بقيادة "هيئة تحرير الشام" -التي كانت في السابق متحالفة مع تنظيم "القاعدة"- فراغاً أمنياً يجب ملؤه بسرعة قياسية. غير أن المأزق الذي يواجه كل مدينة في جميع أنحاء سورية يتمثل في سؤال بسيط: من سيحكم، وكيف؟
يطلق على حمص؛ ثالث أكبر مدينة سورية، لقب "مهد الثورة". وهي التي شهدت بعض أعنف المعارك خلال 13 عاماً من الحرب الأهلية التي ما تزال ندوبها محفورة في كثير من الأحياء. والمجتمع الحمصي متنوع، يتألف من المسلمين السنة، والمسيحيين، والأقلية العلوية التي تنتمي إليها عائلة الأسد. وتم تجنيد عمران من قبل "هيئة تحرير الشام" -التي قضت أعواماً في النأي بنفسها عن ماضيها الجهادي- لقيادة قوة الشرطة التابعة لها في مدينة (إدلب) الواقعة شمال غربي البلاد قبل سقوط الأسد. وحتى هو نفسه يشعر بالدهشة إلى حد ما من الهدوء الذي يسود هنا، على الرغم من أن الأجواء ما تزال متوترة.
متحدثاً عن ذلك، يعلن عمران من مكتبه الجديد أنه "بسبب التنوع الكبير للديانات الموجودة في حمص، اعتقدنا بأنه سيكون من الصعب السيطرة عليها". قال ذلك وهو يجلس في مكتبه الجديد، بينما يتعامل أفراد شرطته -وهم مزيج من المقاتلين الثوار السابقين وسكان حمص النازحين سابقاً- في الطابق السفلي مع عدد لا يحصى من الشكاوى من المواطنين القلقين المحتشدين في الخارج. ويقول: "ولكن الآن أصبح كل شيء تحت السيطرة. خلال الأسبوع الماضي، لم يتم تسجيل أي محاولات قتل".
وفي سياق متصل، لا يعزو عمران نجاح الهجوم الاستثنائي ضد قوات الأسد إلى التكتيكات العسكرية والمعدات العسكرية التي تم تطويرها حديثاً فحسب -في حين يكثر الحديث عن طائرات مسيّرة من طراز "شاهين" أو "الصقر"- بل يعزوه أيضاً إلى أعوام من التخطيط لـ"اليوم التالي".
وقد تضمن التخطيط جدولاً زمنياً للانتقال كان من المفترض -وفقاً لـ"هيئة تحرير الشام"- أن يشهد انسحاب الجناح العسكري للجماعات المتمردة من المدن لمصلحة قوة شرطة "مدنية" عاملة. ويزعم عمران أنهم أداروا على مدى أعوام برامج تدريبية في محافظة إدلب شمال غربي البلاد لبناء قوة شرطة قادرة على تسيير دوريات في الشوارع، وإدارة مراكز يمكن فيها لأولئك الذين يرغبون في التخلي عن أسلحتهم أن يفعلوا ذلك، فضلاً عن التواصل مع الأقليات والحفاظ على السلام.
ويضيف عمران: "تم وضع الخطة بحيث تشمل جميع الدوائر الحكومية، سواء كانت خدمات صحية أو شرطة. وقمنا ببناء وحدات جاهزة للسيطرة على الأمور ولتولي الإدارة". وكان عمران، الذي تشكل مدينة حمص مسقط رأسه، قد انشق عن نظام الأسد في العام 2012 وانضم إلى جماعة "أنصار الشام" الإسلامية المسلحة. ثم عينته "هيئة تحرير الشام"، في وقت لاحق، لإدارة الشرطة في مدينة حارم بريف إدلب. ويؤكد عمران أنه لم يعُد ينتمي إلى القوات المسلحة، ويستقبلنا مرتدياً ملابس مدنية.
ويبدو أن هذا هو الاتجاه السائد اليوم: أصبح زعيم "هيئة تحرير الشام"، أبو محمد الجولاني، وهو اسمه العسكري، يفضل أن يعرف باسمه الحقيقي أحمد الشرع، والتقى المبعوث الخاص للأمم المتحدة في دمشق مرتدياً اللباس المدني.
يتحدث عمران عن تطوير قوة الشرطة باعتباره جزءاً أساسياً من عملية الانتقال إلى الدولة المدنية السورية الجديدة.
ويقول في هذا الإطار: "تتألف غالبية هذه الوحدات من أشخاص من المدينة ممن سيتولون حفظ النظام فيها الآن، والذين نزحوا قسراً إلى إدلب بسبب الحرب. أنا من حمص... أرسلوني إلى هنا لأكون القائد لأنني أعرف كثيراً من الناس، مما يجعل المرحلة التالية أسهل بكثير". وتابع: "أصدرنا إعلان عفو عام وأنشأنا مراكز لجنود النظام لتسليم أسلحتهم ومعاملتهم كمدنيين. يحضر كثير من الأشخاص إلى هذه المراكز يومياً. لكن العفو لا يشمل المجرمين لأن الذين ارتكبوا الجرائم سيحاسبون ويساقون إلى العدالة".
يتحدث الشيخ شريح الحمصي، وهو أيضاً من حمص وأحد كبار المسؤولين في "هيئة تحرير الشام"، فيؤكد أن الهيئة تنسحب بالفعل من المدن لصالح قوات الشرطة. ويضيف أن إحدى المهمات الرئيسة ستتمثل في محاولة تحديد هوية المسؤولين عن الاعتقالات التعسفية والتعذيب والقتل الميداني للمواطنين السوريين. وقال: "لقد قمنا ببناء قاعدة معلومات مرتبطة بأولئك الذين ارتكبوا الجرائم".
ويضيف: "سيتم التعامل مع هذه المسألة أمام النظام القضائي وليس بطريقة انتقامية. لن ندع المشاعر تقودنا وتؤثر في قراراتنا لأن المحاسبة قد لا تكون دقيقة جراء ذلك".
ليست مهمة بسط الأمن في المدن السورية بعد سقوط النظام والحفاظ على السلام مهمة سهلة، بل تحتاج إلى جهود جبارة. في الخارج، يتجمع سكان حمص عند أبواب مقر الشرطة، في انتظار المساعدة بترقب وقلق. وقالت إحدى السيدات إنها تتلقى تهديدات من شخص مجهول، بينما أبلغت اثنتان أخريان بأن سيارتيهما سُرقتا خلال الفوضى التي أعقبت انهيار النظام عندما كانت عمليات السرقة والنهب منتشرة على نطاق واسع. ويضيف شخص رابع أن ابنه اختفى في اليوم الذي سقط فيه النظام -وهو مجند سابق يحمل وشماً لوجه الأسد على رقبته- وقد شوهد آخر مرة في مستشفى محلي وهو ينقل شخصاً مصاباً.
فضلاً عن ذلك، يسود القلق أحياء العلويين، بالنظر إلى أن الأقلية العلوية غالباً ما ترتبط بالنظام باعتبارها الطائفة التي تنتمي إليها عائلة الأسد. وتعج هذه الشوارع التي نجت من الكثير من الدمار الذي خلفته الحرب، بمحلات الملابس والمطاعم. ويشعر الناس هنا بالقلق بصورة خاصة من التداعيات الفوضوية التي قد تترتب على سقوط النظام وإقدام المواطنين العاديين على تولي زمام الأمور بأيديهم. ويقولون إن "هيئة تحرير الشام" أو قوة الشرطة التابعة لها، حيث السكان غير متأكدين تماماً من ذلك، تمركزت في نقاط مختلفة في المدينة، لكنها "لا تتعاطى مع أحد". وتنتشر سياراتها، المغطاة بالرمال من ساحة المعركة، على طول الطرق.
يقول ونوس، 48 سنة: "تكمن المشكلة الأكبر في أننا لا نعرف شكل القانون الجديد. نخشى من ارتكاب الأخطاء. سمعنا أنهم سيمنعون تدخين النرجيلة وشرب الكحول. خلال الفوضى، أقدم أحدهم على تدمير متجر للكحول. لا نعرف شيئاً بعد ونريد الحصول على صورة أكثر وضوحاً".
كما تنتشر مخاوف في مختلف أنحاء البلاد من أن تنعكس الأيديولوجية الإسلامية المتشددة لـ"هيئة تحرير الشام" في فرض قيود على النساء، وهو ما كانت القيادة حريصة على دحضه. لكن الوقت هو الكفيل بإثبات ذلك.
*بيل ترو Bel Trew: صحفية، ومراسلة الشؤون الدولية في صحيفة "الإندبندنت".
0 تعليق