عاموس هرئيل
حتى نهاية الأفق في كل اتجاه، بضعة كيلومترات تلو كيلومترات من البيوت المدمرة، يصعب رفع العيون عما تبقى من مخيم جباليا في شمال قطاع غزة. المنشآت الكبيرة لحزب الله التي قام الجيش الاسرائيلي بتفجيرها في القرى الشيعية في جنوب لبنان، محور فيلادلفيا الموسع في رفح، مركز مخيم جنين للاجئين بعد أن فعلت فيه الجرافات الاسرائيلية الفظائع في عملية "السور الواقي" في الانتفاضة الثانية – كل هذه الأماكن لا تشبه من حيث قوة وحجم الدمار فيها ما حدث في الشهرين ونصف الأخيرين في أحد الأماكن الأكثر اكتظاظا في العالم.اضافة اعلان
عملية الجيش الاسرائيلي الحالية في جباليا بدأت في 6 تشرين الاول الماضي. المقاومة الفلسطينية في المخيم أخذت تخفت (ايضا في قرية جباليا جنوب المخيم كانت النشاطات العسكرية قليلة). في الجيش يقدرون أن 70 في المائة من مباني المخيم تم تدميرها كليا). في زيارة قصيرة في المخيم أول من أمس كان يمكن رؤية على المباني القليلة التي بقيت أضرار بارزة. حسب بيانات الجيش الإسرائيلي فإن حوالي 96 ألف شخص تم إخلاؤهم بالقوة من المخيم. أكثر من 2000 فلسطيني، معظمهم حسب الجيش هم من المسلحين، قتلوا. حوالي 1500 شخص تم اعتقالهم. في المخيم المدمر تبقى كما يبدو 100 مقاتل تقريبا، ونفس العدد من المدنيين، يختبئون بين الانقاض. جباليا اصبحت مدينة اشباح. في الخارج تتم مشاهدة فقط قطعان الكلاب التائهة التي تبحث عن الطعام.
انهيار حماس في المخيم هو تقريبا انهيار كامل. الجيش الإسرائيلي عمل هنا مرتين، مرة في كانون الاول 2023، ومرة اخرى في ايار الماضي، لكن هذه المرة الحديث يدور عن التفكيك الى اجزاء. الفرقة 162 تستخدم في جباليا وفي بيت حانون وبيت لاهيا اربعة طواقم قتالية لوائية. عز الدين حداد، قائد الذراع العسكري لحماس في شمال القطاع، يدير عن بعد جهود ضرب ذيل قواتنا. حماس تلقي الى المعركة خلايا صغيرة تتكون من 4 – 5 اشخاص، مسلحين بسلاح خفيف، قذائف آر.بي.جي وعبوات ناسفة، ودائما يرافقهم مصور (التوثيق مهم لحماس ليس اقل من التنفيذ).
في القتال في المخيم وفي محيطه قتل في هذه الفترة 35 جندي اسرائيلي واصيب المئات. بعد أن تكبدت القوات عدد كثير نسبيا من الجنود، لا سيما عند دخول البيوت المفخخة، تم تبني طريقة عمل مختلفة. حركة أبطأ وحذرة أكثر، التي تخلف دمارا كبيرا، لكنها تقلص عدد المصابين. جزء كبير من النشاطات يستند الى المعلومات الاستخبارية التي تأتي من التحقيق مع المعتقلين.
صباح أول من أمس كانت حادثة استثنائية. مسلحون فلسطينيون حاولوا التسلل الى خارج المخيم نحو الجنوب، باستغلال الضباب. هم اصطدموا مع كمائن الجيش الاسرائيلي وقتل بعضهم. قرب جثة احدهم وجدت قنابل يدوية تم اخراج الصاعق منها. يبدو أنه كان ينوي تفجير نفسه قرب جنود. الاحتكاك بين جنود الجيش الاسرائيلي والمدنيين ضئيل، لأن غالبيتهم غادرت. يوجد عشرات الفلسطينيين الذين وجدوا ملجأ في المستشفى الموجود في شمال المخيم. أول من أمس وصلت اليهم قافلة تموين صغيرة. في الجيش يفترضون أنه يختبئ بينهم مسلحون ايضا. في الاسابيع الاولى للعملية تردد السكان في الخروج من المخيم. وفي الجيش يقولون إن حماس فرضت الرعب عليهم. رجال حماس قاموا باطلاق النار على اقدام المدنيين الذين اصروا على المغادرة. الجيش الاسرائيلي زاد الضغط، بما في ذلك اطلاق النار بشكل كثيف قرب المدنيين – حماس لم تصمد امام الضغط. السكان غادروا بسرعة.
كل هذا حدث وفي الخلفية توجد خطة الجنرالات، اقتراح جنرالات الاحتياط الذين يريدون طرد الفلسطينيين من شمال القطاع نحو جنوب ممر نتساريم. هيئة الاركان تنصلت من هذه الخطة. ولكن في قيادة المنطقة الجنوبية وفي المستوى الميداني هناك من يغازلها بشكل خطير. عمليا، ما يحدث على الارض لا يتلاءم مع أي خطة وضعها الجنرالات القدامى. ربع القطاع الشمالي، بيت حانون وبيت لاهيا وجباليا، تم افراغه من المواطنين بالقوة والتهديد. ولكن في مدينة غزة، في منطقة عرضها 5 كم بين الفرقة 162 في جباليا والفرقة 99 في ممر نتساريم الواسع، بقي اكثر من 100 ألف شخص. عمليا، معظم السكان هربوا من الشمال في الاشهر الاولى للحرب. ولكن الاتهامات التي وجهت لاسرائيل تناولت بالاساس القتل غير المتناسب للمدنيين، وليس ادعاء التطهير العرقي.
السحق الممنهج لمقاومة حماس أدى الى خلق حرية عمل كبيرة للجيش، الذي تتحرك قواته حول المخيم في ناقلات الجنود من نوع "النمر" وفي الدبابات، ومن المقرر أن تستكمل العملية في جباليا في الاسابيع القليلة القادمة، بعد أن يتم التعامل مع منشأة واحدة تحت الارض. في المحادثات مع الضباط، والمحادثات فيما بينهم، غاب خطاب الانتقام الذي احتل مكانا بارزا في التقرير الذي نشره ينيف كوفوفيتش في "هآرتس" في الاسبوع الماضي حول نشاطات قوات الجيش الاسرائيلي في ممر نتساريم.
لقد تم إحضار سياراتين عسكريتين من نوع "هامر" إلى مسجد في المخيم في 7 تشرين الأول السنة الماضية، تمت سرقتها، وعليها سبعة جثث لجنود اسرائيليين. الجمهور قام بالدوس على الجثث. في إحدى هجمات الجيش في جباليا قتل اثنان من قادة الفصائل في حماس، اللذان يعتقد أنهما قادا المعركة في مفترق مفلسيم، حيث قتلا عشرات من الذين هربوا من حفلة "نوفا" في سياراتهم. في العملية الحالية لم يتم العثور على أي دلائل عن وجود مخطوفين في جباليا. الافتراض هو أن حماس اخرجتهم مسبقا من المخيم. في نشاطات سابقة للفرقة 162 تم انقاذ مخطوف (فرحان القاضي) في نهاية شهر آب في رفح. وتم العثور على 12 جثة لمخطوفين.
الفرقة بقيادة العميد ايتسيك كوهين تقاتل في القطاع منذ 14.5 شهر بشكل متواصل، منذ تم استدعاؤها الى الغلاف ظهيرة 7 اكتوبر. قتل فيها 235 جنديا (74 منهم من لواء جفعاتي)، و5 آلاف مصاب، 3700 منهم عادوا الى القتال. هناك ضباط اصيبوا في المعارك ثلاث مرات، والآن هم مرة اخرى في جباليا. من بين القتلى في الفرقة هناك قائدان من لواء المظليين، العقيد يونتان شتاينبرغ من الناحل، الذي قتل في اليوم الاول للحرب، والعقيد احسان دقسة، قائد اللواء 401، الذي قتل قبل شهرين في انفجار عبوة في جباليا.
0 تعليق