سقوط الأسد: بداية تغيرات كبرى أم تهديدات جديدة؟

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

جون بولتون* - (الإندبندنت) 2024/12/17 


في وقت تعد فيه الإطاحة بالأسد مساهمة حاسمة في تقليص التهديد الإيراني، فإنه لا مصلحة لإسرائيل ولا للحكومات العربية المجاورة ولا للولايات المتحدة في رؤية دولة إرهابية أخرى تنشأ، وهذه المرة على البحر الأبيض المتوسط.اضافة اعلان
***
يتسارع دوران عجلة التاريخ في الشرق الأوسط، حاملاً معه احتمالات لتغيرات جذرية في المنطقة، قد تكون للأفضل أو الأسوأ. وجاء انهيار ديكتاتورية عائلة الأسد في سورية كصدمة مدوية للجميع، بدءاً ببشار الأسد نفسه، ومروراً بحلفائه في روسيا وإيران. وقد عجزت حتى أجهزة الاستخبارات العربية والغربية عن كشف هشاشة النظام، وبخاصة ضعف وعدم ولاء مؤسساته العسكرية والأمنية.
سقط الحكم الديكتاتوري الوحشي، ولكن ما الذي سيأتي بعد ذلك؟ الأهم هو أن إسقاط الأسد يمثل هزيمة كبيرة أخرى لحكم الملالي في إيران. فبعد الضربات القوية التي تلقتها ميليشيات "حزب الله" من إسرائيل، والتفكيك شبه الكامل لـ"حماس"، تعد هذه ثالث كارثة كبرى تواجه استراتيجية "طوق النار" المناهضة لإسرائيل التي تتبناها طهران. وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وافق على وقف إطلاق النار مع "حزب الله"، فقد أوضح أن مدته لا تتجاوز 60 يوماً، وتنتهي مباشرة بعد مغادرة جو بايدن منصبه. وسيواجه "حزب الله" مزيداً من المصاعب إذا تم قطع خط إمداده البري عبر العراق وسورية بشكل دائم. ولا يوجد وقف إطلاق نار مع "حماس"، مما يعني أن كلا الوكيلين قد يواجه مزيداً من الضربات الإسرائيلية.
بالنسبة لإيران نفسها، لا يمكن أن تكون أوضاعها أسوأ مما هي الآن. مع سقوط ثلاث ركائز رئيسة لقوتها الإقليمية، أو قرب سقوطها، أصبح الملالي في خطر كبير على المستويين الدولي والداخلي. وقد انتشرت الاتهامات المتبادلة وتبادل اللوم بين كبار قادة الحرس الثوري والجيش الإيراني النظامي بالفعل على نطاق واسع بين صفوف الشعب.
غالبًا ما يكون التفكك والانقسام في صفوف القيادات العليا للأنظمة الاستبدادية من أولى علامات انهيار النظام. في إيران، كان الاستياء الشعبي واسع النطاق بالفعل نتيجة للتدهور الاقتصادي المزمن، ومعارضة الشباب والنساء عموماً، فضلاً عن التوترات العرقية وغيرها. وإذا بدأ الحرس الثوري والقيادة العسكرية النظامية في الانهيار، فإن احتمالات اندلاع صراع مسلح داخلي تزداد. وقد أظهر انهيار نظام الأسد أن مظاهر القوة قد تخفي ضعفاً عميقاً، وأن الانهيار يمكن أن يحدث بشكل مفاجئ وسريع.
خارجياً، لم يكن نظام إيران أبداً بهذا القدر من الهشاشة منذ ثورة 1979. فقد تمكنت إسرائيل من تدمير أنظمة الدفاع الجوي S-300 التي زودت بها روسيا إيران، وإلحاق أضرار جسيمة بقدراتها الصاروخية الباليستية، وتدمير أجزاء من برنامجها للأسلحة النووية. ولم يحظ نتنياهو بفرصة أفضل من الآن للقضاء على كامل البرنامج النووي الإيراني أو أجزاء كبيرة منه. وسيجعل تحقيق ذلك إسرائيل والدول المجاورة والعالم بأسره أكثر أماناً من تهديد الانتشار النووي الإيراني الذي استمر لعقود، في انتهاك طويل الأمد لمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية.
على إسرائيل، بمساعدة الولايات المتحدة، أن تسعى إذا كانت هناك حاجة إلى تحقيق النصر في قضية البرنامج النووي. لن يقضي ذلك فقط على تهديد طهران بهولوكوست نووي، بل سيوجه أيضاً ضربة سياسية أخرى للملالي على الصعيد الداخلي. فضلاً عن عشرات المليارات من الدولارات التي أهدرت في دعم وكلاء إيران الذين تعرضوا الآن للتدمير، فإن المليارات التي أنفقت على تطوير الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية ستعد أيضاً أموالاً مهدورة. وسيكون من حق المواطنين الإيرانيين أن يستنتجوا أن الملالي لم يكونوا أبداً حريصين على مصالحهم، وأن الإطاحة بهم أصبحت الآن مبررة تماماً.
كانت روسيا ثاني أكبر الخاسرين. بالإضافة إلى انشغالها وانهماكها جراء عدوانها غير المبرر ضد أوكرانيا، الذي يوشك على دخول عامه الثالث، افتقر الكرملين إلى الموارد لإنقاذ عميله في دمشق. وهناك إهانة لفلاديمير بوتين تتردد أصداؤها عالمياً، والتي ستترك أيضاً تأثيراً مدمراً داخل روسيا، وربما تحفز أخيراً معارضة أكثر فاعلية للأعباء المستمرة التي تفرضها حرب أوكرانيا على مواطني روسيا واقتصادها.
حتى أن روسيا قد تواجه خسائر أكبر في المستقبل. وتتمثل المصالح الرئيسة للكرملين في سورية في قاعدة طرطوس البحرية وقاعدة اللاذقية الجوية، وهما المرفقان العسكريان الوحيدان لروسيا خارج أراضي الاتحاد السوفياتي السابق. وهاتان القاعدتان حيويتان لموقع روسيا في شرق البحر الأبيض المتوسط. وإذا اضطرت روسيا إلى إخلاء هاتين القاعدتين، فإن قدرتها على تعزيز قوتها خارج البحر الأسود ستتقلص بصورة كبيرة، كما سيتراجع تهديدها لحلف الناتو عبر البحر الأبيض المتوسط. وعلى الرغم من أن هناك مؤشرات أولية على أن روسيا قد تحاول الاحتفاظ بالقاعدتين، تشير صور فضائية تجارية حديثة إلى أنها ربما تستعد الآن لسحب بعض -أو كل- قواتها البلد. وما يزال الوضع غير مستقر.
من دون شك، تعد تركيا، وتنظيم "هيئة تحرير الشام"، و"الجيش الوطني السوري" المدعوم من تركيا الرابحين الكبار حتى الآن. ومع ذلك، فإن الوضع الداخلي في سورية أبعد ما يكون عن الاستقرار. ما يزال الجنود الأميركيون موجودين في شمال شرقي سورية، وتقدم الدعم لـ"قوات سورية الديمقراطية" التي تضم بشكل رئيسي الأكراد في حملة محاربة "داعش"، وكذلك في منطقة التنف. لا ينبغي التخلي عن الأكراد، بخاصة في ظل الطموحات "العثمانية الجديدة" للرئيس رجب طيب أردوغان لتوسيع نفوذ تركيا في الأراضي العربية. وسيكون من الخطأ، في هذه المرحلة، إزالة "هيئة تحرير الشام" من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية في واشنطن، على الرغم من أن إدارة بايدن تفكر في اتخاذ هذه الخطوة بشكل غير حكيم.
في حين تعد الإطاحة بالأسد مساهمة حاسمة في تقليص التهديد الإيراني، إلا أنه لا مصلحة لإسرائيل ولا للحكومات العربية المجاورة ولا للولايات المتحدة في رؤية دولة إرهابية أخرى تنشأ، وهذه المرة على البحر الأبيض المتوسط. سوف تكون أمامنا دبلوماسية حساسة في الفترة المقبلة. وفي هذه الأثناء، كان بايدن على صواب عندما قصف مستودعات أسلحة "داعش" في شرق سورية لحرمان "هيئة تحرير الشام" من الاستفادة من تلك الموارد، كما أن لإسرائيل ما يبرر تدميرها للأصول العسكرية لحكومة الأسد للسبب نفسه.
من المهم بالنسبة للمنطقة والعالم أن يتم بذل جهود عاجلة لتحديد وتأمين جميع جوانب برامج الأسلحة الكيماوية والبيولوجية للأسد. فقد استخدم الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه في العامين 2017 و2018، ولذلك لا شك في أن هذه القدرات موجودة.
لكل هذا، وعلى الرغم من أن هناك الكثير من الأخبار الإيجابية بشأن الإطاحة بالأسد ونفيه إلى موسكو، فإن الظروف في سورية ما تزال تشكل تهديداً خطراً للسلام والأمن في الشرق الأوسط وعلى مستوى العالم. ليس هذا وقت التراخي أو التراجع، وخاصة بالنسبة للإدارة الأميركية المقبلة برئاسة ترامب.

*جون بولتون John Bolton: مستشار سابق للأمن القومي الأميركي.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق