في غضون مائة يوم فقط على تشكيلها، أطلقت الحكومة سلسلة من الإجراءات التي تبدو على السطح أنها تستجيب لتطلعات المواطنين وتحاول التخفيف من الأعباء المعيشية، لكنها في جوهرها تكشف عن عملية أعمق تتعلق بتبييض الملفات العالقة منذ سنوات، فهذه الحكومة، التي بدأت ولايتها بإصدار 41 قرارًا اقتصاديًا، أظهرت تركيزًا كبيرًا على تنظيف الطاولة من تركات الحكومات السابقة، وإغلاق الملفات العالقة التي أثقلت المشهد الاقتصادي لسنوات. هذه الحكومة تسير على مسارين متوازيين: الأول يتمثل في اتخاذ قرارات تهدف إلى تحسين الوضع الاقتصادي للمواطن، والثاني يعكس جهدًا واضحًا لتبييض الملفات العالقة، وإعادة ترتيب المشهد الاقتصادي. من بين القرارات الأكثر لفتًا للنظر، جاء التركيز على تخفيف التكاليف المعيشية المباشرة على المواطن، فالإعفاء من الغرامات المالية المترتبة على المركبات المنتهية الترخيص، وإعفاء السيارات الكهربائية بنسبة 50 % من الضريبة الخاصة لمرة واحدة فقط حتى نهاية العام، بالإضافة إلى رد قيمة فارق الضريبة لمن سبقوا وقاموا بتخليص سياراتهم وفق النسب المعدلة، يمثل خطوة ذكية، فهذه القرارات لا تعكس فقط حرص الحكومة على التخفيف عن المواطن في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، بل تبرز رؤية مستقبلية تستهدف تعزيز التحول نحو النقل المستدام، وهو استثمار مزدوج يحقق منافع اقتصادية وبيئية في آن واحد. إضافة إلى ذلك، جاءت سلسلة قرارات أخرى تركز على دعم القطاعات الاقتصادية المهمة وخلق فرص العمل، فالموافقة على إنشاء منطقة تنموية للصناعات الزراعية في الكرك ليست مجرد مشروع تنموي، بل تمثل بداية لتحفيز النشاط الاقتصادي في المناطق الأقل حظًا، كما أن مشاريع تطوير البنية التحتية كتزويد المناطق الصناعية بالغاز الطبيعي، وإنشاء شبكات توزيع الغاز في عمّان والزرقاء، تعكس فهمًا واضحًا لأهمية توفير بيئة أعمال مشجعة ومستدامة. وفي الوقت نفسه، لم تغفل الحكومة أهمية توجيه الدعم المباشر للأسر ذات الدخل المحدود، وذلك عبر زيادة مخصصات صندوق المعونة الوطنية وشبكة الحماية الاجتماعية، وصرف معونة الشتاء للأسر المنتفعة، جاءت لتؤكد أن المواطن البسيط هو محور سياسات الحكومة، كما أن رفع مخصصات دعم الطالب الجامعي بنسبة 50 % يعكس رؤية استثمارية في التعليم والشباب، ما يمثل حجر الزاوية لبناء اقتصاد مستدام على المدى البعيد. ولم يكن التحفيز الاقتصادي بمعزل عن التشريعات الجديدة التي تمهد الطريق لمزيد من التطور في بيئة الأعمال، إذ إن إقرار نظام معدل لإعفاء أرباح صادرات السلع والخدمات، وتشريعات كقانون الكهرباء وقانون العمل المعدل، تؤكد أن الحكومة تدرك أهمية إصلاح البنية القانونية كوسيلة لجذب الاستثمارات وتحقيق نمو حقيقي. الإعفاءات الجمركية، تجميد العمل بقرار تخفيض الرسوم الجمركية على مواد أساسية، وتثبيت أسعار الخبز عبر دعم المخابز، كلها إجراءات تصب في تخفيف العبء اليومي على المواطن وتعزز شعوره بالأمان الاقتصادي، لكن ما يميز هذه الحكومة هو مزج الحلول قصيرة الأجل مع رؤية طويلة الأجل. هذه القرارات الشاملة تعكس التزام الحكومة بتحقيق التوازن بين تلبية الاحتياجات العاجلة وتأسيس بنية اقتصادية متينة، ومع ذلك، يبقى التحدي الأكبر في التنفيذ العملي لهذه القرارات، وضمان وصول آثارها الإيجابية إلى المواطن بأسرع وقت ممكن. وختاما، لا بد أن تبقى الحكومة على هذا المسار، إذ إن الأفعال الملموسة على الأرض وحدها هي التي ستثبت أن هذه السياسات ليست مجرد وعود، بل خريطة طريق لحياة أفضل.اضافة اعلان
0 تعليق