تداعيات الأزمة السورية على الأردن

الغد 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تشهد سورية منذ أكثر من عقد من الزمن أزمة سياسية وإنسانية متفاقمة أثرت بشكل كبير على الدول المجاورة، ومنها الأردن الذي كان من أبرز المتأثرين بتداعيات هذه الأزمة. الحرب السورية، التي بدأت كمطالبات شعبية بإصلاحات سياسية، سرعان ما تحولت إلى نزاع متعدد الأطراف ألقى بظلاله على المنطقة بأكملها. بالنسبة للأردن، فإن قربه الجغرافي من سورية والتداخل الثقافي والاجتماعي بين الشعبين جعلت منه خط المواجهة الأول لاستقبال التحديات الإنسانية والاقتصادية والأمنية التي نشأت عن الأزمة.اضافة اعلان
منذ اندلاع الحرب، لجأ مئات الآلاف من السوريين إلى الأردن بحثًا عن الأمان، ما أدى إلى زيادة الضغط على الموارد والخدمات العامة. احتضن الأردن اللاجئين بروح من التضامن الإنساني، لكن هذه الأزمة فرضت تحديات كبيرة على البلاد التي تعاني أساسًا من شح الموارد وارتفاع معدلات البطالة. المخيمات المخصصة للاجئين، مثل مخيم الزعتري ومخيم الأزرق، أصبحت مدنًا قائمة بذاتها، تقدم المأوى والخدمات الأساسية للاجئين. ومع ذلك، فإن توفير هذه الخدمات، بما في ذلك الصحة والتعليم والمياه، يتطلب تمويلًا هائلًا يفوق قدرة الأردن وحده، مما جعله يعتمد على الدعم الدولي.
الأزمة السورية فرضت تحديات اقتصادية كبيرة على الأردن، تجاوزت تداعياتها اللاجئين لتؤثر على جميع مناحي الحياة الاقتصادية. وفقًا لتقديرات الحكومة الأردنية والبنك الدولي، تكبد الأردن خسائر مالية تجاوزت 11 مليار دولار منذ بداية الأزمة، نتيجة الإنفاق المتزايد على اللاجئين وضغطهم على الموارد والبنية التحتية.
دخول أكثر من 1.3 مليون لاجئ سوري (بحسب إحصائيات المفوضية السامية لشؤون اللاجئين)، أثر بشكل كبير على سوق العمل الأردني، حيث زادت المنافسة على الوظائف، خصوصًا في القطاعات غير الرسمية. أدى ذلك إلى ارتفاع البطالة بين الأردنيين، التي بلغت نحو 23.2 % في عام 2023، وفقًا لدائرة الإحصاءات العامة.
من جهة أخرى، التجارة مع سورية، التي كانت تشكل حوالي 10 % من حجم التجارة الأردنية الإجمالية قبل الأزمة، تضررت بشدة. إغلاق الحدود الأردنية السورية، الذي استمر لفترات طويلة منذ 2015، أدى إلى خسائر كبيرة للقطاع الصناعي والتجاري الأردني. كما أن عبور البضائع من ميناء العقبة إلى الأسواق السورية والعراقية توقف أو تقلص بشكل كبير، مما أثر على إيرادات النقل والتجارة الخارجية.
الحدود المشتركة، التي كانت شريانًا حيويًا للاقتصاد الأردني، شهدت فترات طويلة من الجمود بسبب التوترات الأمنية. في عام 2021، أعيد فتح معبر جابر- نصيب، لكن حركة التجارة لم تعد إلى مستوياتها السابقة. التقديرات تشير إلى أن الأردن خسر مئات الملايين من الدولارات سنويًا نتيجة تعطل الصادرات إلى سورية.
رغم التحديات، يُظهر الاقتصاد الأردني مرونة نسبية، إلا أن تأثير الأزمة السورية ما زال ملموسًا، ما يبرز أهمية الدعم الدولي والمساعدات للحد من هذه التحديات الاقتصادية المستمرة.
الأبعاد الأمنية للأزمة السورية شكلت تحديات كبيرة للأردن، خاصة فيما يتعلق بتأمين الحدود الممتدة بين البلدين، والتي تبلغ حوالي 375 كيلومترًا. انتشار التنظيمات المسلحة وتزايد نشاط تهريب الأسلحة والمخدرات عبر الحدود السورية الأردنية فرض ضغوطًا كبيرة على القوات المسلحة الأردنية وأجهزة الأمن.
بحسب تصريحات رسمية، زادت تكاليف تأمين الحدود منذ اندلاع الأزمة بمعدل سنوي تجاوز 500 مليون دولار، شملت الإنفاق على تعزيز القوات، بناء التحصينات، ونشر معدات المراقبة والرصد المتطورة. في عام 2022 وحده، أحبطت القوات المسلحة الأردنية أكثر من 361 محاولة تهريب، وضبطت خلالها كميات ضخمة من المواد المخدرة تجاوزت 15 مليون قرص كبتاغون، مما يعكس حجم التهديد الأمني المستمر.
علاوة على ذلك، تم نشر آلاف الجنود على طول الحدود في عمليات دورية، إلى جانب إقامة أبراج مراقبة وأنظمة رادار متقدمة. كما زادت المملكة من تعاونها الأمني والاستخباراتي مع الدول الإقليمية والدولية لمواجهة التهديدات العابرة للحدود، مما تطلب استثمارات إضافية في البنية التحتية الأمنية والتكنولوجية.
هذه الجهود الأمنية، على الرغم من تكلفتها العالية، كانت ضرورية لحماية استقرار الأردن ومنع أي تسلل يمكن أن يؤثر على أمن البلاد الداخلي. ومع ذلك، فإن استمرار هذه التكاليف يُبرز الحاجة إلى دعم دولي لتخفيف العبء عن الأردن، الذي يتحمل نيابة عن المجتمع الدولي جزءًا كبيرًا من أعباء حماية المنطقة من التهديدات الأمنية.
على المستوى السياسي، أثرت الأزمة السورية على موقف الأردن في المنطقة وعلاقاته الدولية. تبنى الأردن موقفًا معتدلاً تجاه النزاع السوري، داعيًا إلى حل سياسي شامل ينهي معاناة الشعب السوري. هذا الموقف أكسبه احترام المجتمع الدولي، لكن وضعه أيضًا في موقف دقيق بين مختلف الأطراف الإقليمية والدولية المنخرطة في النزاع. حافظ الأردن على اتصالاته مع الحكومة السورية ومع المعارضة على حد سواء، محاولًا تحقيق توازن يضمن مصالحه الوطنية دون الانحياز لأي طرف.
من ناحية أخرى، هناك بعض الجوانب الإيجابية التي يمكن استخلاصها من الأزمة. المجتمع الأردني أظهر مرونة وقدرة على التكيف مع التحديات. كما أن وجود اللاجئين أسهم في تحفيز بعض القطاعات الاقتصادية، مثل الإيجارات والأسواق الاستهلاكية. على المستوى الدولي، عززت الأزمة السورية من مكانة الأردن كشريك أساسي في الجهود الإنسانية والإغاثية، ما جعله محور اهتمام المنظمات الدولية والدول المانحة.
في الوقت الحالي، ومع تراجع حدة النزاع في المناطق السورية وسقوط النظام السوري، بدأت بوادر الانفراج تظهر في العلاقات الأردنية-السورية. إعادة فتح المعابر الحدودية واستئناف التجارة البينية تدريجيًا يمثل خطوة مهمة نحو إعادة بناء العلاقات الاقتصادية. ومع ذلك، فإن التحديات ما تزال قائمة، خاصة فيما يتعلق بإعادة إعمار سورية وعودة اللاجئين إلى ديارهم. الأردن يطالب باستمرار المجتمع الدولي بتقديم الدعم اللازم للمساعدة في تحمل أعباء الأزمة وإيجاد حلول مستدامة لها.
بشكل عام، الأزمة السورية أظهرت مدى الترابط بين دول المنطقة وأكدت أن الاستقرار الإقليمي يتطلب تعاونًا مشتركًا وتضامنًا مستدامًا. بالنسبة للأردن، فإن استقراره وأمنه يعتمدان إلى حد كبير على استقرار جيرانه، مما يجعل إنهاء الأزمة السورية مصلحة إستراتيجية له وللمنطقة بأسرها.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق