من قلب سوريا النابض منشأ التاريخ العريق، تتناغم الجبال مع المنخفضات وتنثر الرياح قصصًا من الزمن الغابر، حيث الأنساب المختلطة التي تنسج طوائف مختلفة تتشعب في أنحاء الدولة، لنرى لوحة متناغمة تربط بين الفلسفة الروحية والواقع الاجتماعي، لنجد طائفة تاريخها لا يُختصر في عبارات أو سطور، فعند النظر له نرى أفقًا عميقًا يوازي عمق البحر الذي يعد مرآة لروحها المتمردة، لطالما كان لها دور كبير في تشكيل مجريات الأحداث في تاريخ سوريا، إذ أنجبت الأسد الذي كشر عن أنيابه لفترة ليست بالقليلة، فبالرغم من شدة ما حل بسوريا جراء هذا الأسد إلا أنه كان الملك الذي ينظم حركة الغابة ويحميها ضد العدوان الخارجي، لتصبح تلك الطائفة مهددة الآن بعد سقوطه، إنهم العلويون أو الطائفة العلوية، والتي نخوض خلال السطور التالية في صفحات من تاريخ نشأتها وحياتها.

مذهب العلويون

يُعرّف العلويون  على أنهم مجموعة عرقية دينية منفصلة القرآن ليس سوى واحد من كتبهم ونصوصهم المقدسة، وتفسيرهم له لديه القليل جدًا من القواسم المشتركة مع تفسير المسلمين الشيعة ولكنه يتوافق مع أوائل الباطنية وطوائف الغلاة الأخرى. تنفصل اللاهوت والطقوس العلوية عن الإسلام الشيعي السائد بعدة طرق مهمة. على سبيل المثال، يشرب العلويون النبيذ باعتباره جوهر علي المعتمد على الجوهر في طقوسهم، بينما يمتنع المسلمون الآخرون عن الكحول، يتم تشجيع العلويين على الشرب باعتدال في المجتمع، يؤمن البعض منهم بالتقمص أي انتقال الروح بعد الموت لجسد حيوان أو إنسان أخر، لكنها ليست أساسية في عقيدتهم.

الثالوث يجمع بين العلويين والمسيحيين

حافظ العلويون تاريخياً على معتقداتهم في طي الكتمان عن الغرباء والعلويين الذين لم يبدؤوا، لذلك نشأت شائعات عنهم. تميل الروايات العربية عن معتقداتهم إلى أن تكون حزبية (إيجابية أو سلبية). ومع ذلك، منذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أحرزت الدراسات الغربية حول الديانة العلوية تقدمًا كبيرًا. في صميم العقيدة العلوية يوجد ثالوث إلهي يتكون من ثلاثة جوانب للإله الواحد مكون من محمد وعلي بن أبي طالب وسلمان الفارسي، وتظهر هذه الجوانب، أو الانبثاق، بشكل دوري في شكل بشري عبر التاريخ، كما يعتبرون عبدالرحمن بن ملجم قاتل علي بن أبي طالب ملعون ظاهرا ممدوح باطنا ويترضون عليه بإعتباره مخلص اللاهوت من الناسوت، فيما يتشابه مع العقيدة المسيحية حول الثالوث ويهوذا الذي سلم المسيح للقتل وثنائية طبيعة المسيح.

اختلاف العلويين مع السنة

وأما عن اختلاف العلويين مع السنة، فيرى العلويون أن الخلافة بعد الرسول يجب أن تكون للإمام علي بن أبي طالب، وذلك وفق القرآن كما يعتقدون، ووفق الأحاديث الذين يعتقدون بها ويجدون لها مخرجا من صحاح السنة والشيعة على حد سواء، بينما يرى المسلمون السنة أن الرسول أمر أبا بكر الصديق بالصلاة بالمسلمين في حياته ولم يصل أحد بهذه الأمة في حياة الرسول سوى صاحبه وأبو زوجته أبو بكر، فقد قال الرسول لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر، وأن علي بن أبي طالب كذلك كان خليفة المسلمين الرابع فلم يرشح نفسه قبلها فكان عالم دين ووزير لكل الخلفاء، فالتقديم يكون عند أهل السنة والجماعة بحفظهم للقرآن وأعلمهم بالحديث والدين وأكبرهم سنًا ومن يجمع المسلمون على تقديمه بعد أن يرشح نفسه ويقبل هو ذلك أولًا.

 الانتداب الفرنسي نقطة تحول في تاريخ العلويين

جاء الانتداب الفرنسي على سوريا ليشكل نقطة تحول في تاريخ العلويين. أعطى الفرنسيون سلطة تجنيد مدنيين سوريين في قواتهم المسلحة لفترة غير محددة وخلق مناطق حصرية للأقليات، بما في ذلك دولة جبل العلويين. انحلت دولة جبل العلويين في وقت لاحق، لكن العلويين ظلوا يشكلون جزءًا مهمًا من القوات المسلحة السورية. منذ أن تولى حافظ الأسد السلطة من خلال الحركة التصحيحية عام 1970، هيمنت على الحكومة نخبة سياسية بقيادة عائلة الأسد العلوية، وخلال الانتفاضة الإسلامية في سوريا في السبعينيات والثمانينيات، تعرضت المؤسسة لضغوط.

العلويون في قبضة الخوف

عاد الخوف ليخيم على العلويين من جديد، حيث سادت حالة من الارتباك والخوف منذ سقوط بشار الأسد، فأصبح شغلهم الشاغل معرفة كيفية الإطاحة به بهذه السرعة بعد أن فقد عدد كبير من أنصاره حياتهم من أجل إبقائه في السلطة.

وظهر أنصاره في حالة من الانهزامية وهم يتحدثون عن انهيار حكمه الذي دام 24 عاما، لينتهي بذلك حكم الأقلية العلوية الذي استمر عقودا، ويقول سكان إن مدينة القرداحة، مسقط رأس الأسد، والتي تضم ضريح والده حافظ، ظلت تشهد لسنوات تشييع جثامين عدد كبير من المقاتلين الذين قُتلوا في سبيل الدفاع عنه، ليظل السؤال المحتوم، ما هو مصير الطائفة العلوية بعد الإطاحة بالأسد؟