عمان- لو طلب من فريق آرسنال اختيار لاعب واحدٍ يستطيع أن يُكمل موسمه الكامل دون التعرّض لأي إصابة تذكر، فإن بوكايو ساكا سيكون في طليعة القائمة، أو على الأقل في المركز الثاني ضمن أهمية هذا الاختيار. اضافة اعلان
ففي عرف الكثيرين ممن يتابعون النادي اللندني العريق، يبدو أنّ ساكا يجسد المعنى الحقيقي للاعب الذي يتمتع بقدرة هائلة على تحمل ضغط المباريات المتتالية، مع صعوبة استبداله أو تعويضه بنفس الجودة، نظرا لأهميته الفنيّة والتكتيكية، فضلا عن موهبته اللافتة التي منحت المدرب ميكيل أرتيتا أسبابا وجيهة للاعتماد الدائم عليه.
كان أرتيتا يعيش فترة مريحة نسبيا في المواسم السابقة من ناحية عدم تعرض لاعبه الأساسي لإصابات طويلة الأمد، إذ استطاع ساكا طوال السنوات الماضية أن يتجنب حظوظ الغياب الطويل ويقدم مستويات جعلت منه أحد الأعمدة الرئيسة للفريق.
وفي الأرقام ما يؤكد ذلك بكل وضوح. فعلى مدى المواسم الثلاثة الماضية، لم يغب ساكا سوى عن عشرة لقاءات فقط من بين 172 مباراة خاضها آرسنال على مختلف الصعد والمسابقات (الدوري الإنجليزي الممتاز، كأس الاتحاد الإنجليزي، كأس الرابطة، والبطولات الأوروبية). بل وأكثر من ذلك، منذ أن شارك للمرة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز قبل ستة مواسم، لم يحدث أن غاب لأكثر من مباراة واحدة متتالية في منافسات البريميرليج بسبب الإصابة. وتلك الإحصاءات تظهر مدى تحمّل ساكا وصلابته البدنية وقدرته الواضحة على التواجد الدائم.
ولأن آرسنال بشكل عام لا يعتاد على خوض المباريات دون وجود ساكا متاحا في التشكيل، فإن الوضع الراهن يبدو صعباً نوعاً ما، في ظل تعرض النجم الإنجليزي لإصابة في أوتار الركبة، والتي ستبعده عن الملاعب لفترة توصف بأنها "أسابيع عديدة" حسب البيان الصادر عن النادي.
هذه الضربة القاسية أثارت قلق الجميع في النادي وبين أنصار آرسنال، وذلك لأنّ هذا الغياب يمسّ عنصراً رئيساً يعتمد عليه الفريق في تنفيذ إستراتيجية المدرب أرتيتا على أرض الملعب.
لا تكمن أهمية ساكا في مهاراته الفردية فقط أو في تكتيكه وقدرته على المراوغة وتمرير الكرات الحاسمة وتسجيل الأهداف، بل أيضا في اعتمادية الفريق الشاملة عليه. فلو جرى فحص الأرقام الفنية لهذا اللاعب، سنكتشف أنّه يتفوق على معظم زملائه في ما يتعلق بالمساهمة المباشرة بالأهداف (من حيث التسجيل والصناعة).
وفي نطاق الدوري الإنجليزي الممتاز بأكمله، لا ينافسه الكثير من اللاعبين في مقدار التأثير الذي يخلفه على نتائج فريقه. لكن دور ساكا لا يتوقف عند حدود الناحية الهجومية فقط؛ فهو يمثل محورا مفصليا في طريقة تحضير آرسنال وتقدّمه بالكرة من الخلف إلى الأمام، خصوصاً أنه على مدى المواسم الأربعة السابقة، إذا قمنا بحساب إجمالي الدقائق التي شارك فيها ثلاثي الهجوم الأساسي في آرسنال، فسنجد أن دقائق ساكا تجاوزت مجموع الدقائق التي قضاها اللاعبان الأكثر مشاركة بعده في مركز الهجوم.
وفضلا عن ذلك، يكلف ساكا بمسؤوليات إضافية لا تقل أهميّة في الكرات الثابتة والركلات الركنية، وذلك جنبا إلى جنب مع ديكلان رايس. وقد أظهر آرسنال هذا الموسم وحتى المواسم الماضية، براعة ملحوظة في استغلال الكرات الثابتة، ما جعله في مقدمة الأندية الأوروبية من حيث تسجيل الأهداف من المواقف الثابتة أو صناعتها بطريقة تصعب على الخصوم الدفاع بكفاءة.
ولعل المنهجية الهجومية التي يتبعها آرسنال توضح مدى اعتماده على الجبهة اليمنى التي تشكل "إقليم ساكا" إن صح التعبير؛ فبحسب الأرقام، تتركز قرابة خمسين بالمئة من هجمات الفريق في النصف الهجومي الأيمن من الملعب، أي في المنطقة التي يبدع ساكا فيها. وهذه النسبة ظلت تتصاعد في كل موسم؛ فمثلا هذا الموسم، 46 بالمائة من هجمات آرسنال تأتي عبر الطرف الأيمن، وهي أعلى نسبة اعتماد على أحد الجانبين بين كل أندية الدوري الإنجليزي الممتاز.
لم يكن غريبا أن يعبر أرتيتا، في تصريحاتٍ سابقة، عن حجم ما يعنيه ساكا للفريق بالقول: "إنه لاعب هائل بالنسبة إلينا. عليك أن ترى ببساطة تأثيره الكبير في أداء هذا الفريق؛ لكن في الوقت نفسه، سيكون علينا اعتبار هذا الغياب تحديا جديدا وجيداً لتطوير أساليبنا، لأننا واجهنا الكثير من الصعوبات منذ بداية الموسم، وتغلبنا على العديد منها".
وبنبرةٍ تعكس الإصرار، أضاف أرتيتا: "أعمل الآن على وضع بعض الأفكار، ولم أتوصل إلى قرار نهائي بعد. أريد أن أتواصل مع اللاعبين كي نعرف تماما كيف يمكننا التعامل مع هذا الموقف بشكل إيجابي. قد يعني هذا أننا سنبدو مختلفين عن المعتاد".
ويشير هذا التصريح إلى أن غياب ساكا يدفع المدرب إلى إعادة النظر في الأسلوب المتبع، خصوصا أنّه سبق لآرسنال أن خسر خدمات القائد مارتن أوديجارد في وقت سابق من الموسم لستة أسابيع. ومع ذلك، لم يضطر أرتيتا حينها إلى تبديل طريقة لعبه بشكل جذري، إذ استطاع إيجاد البدائل والتوليفات المناسبة لفترة غياب صانع ألعابه المميز.
لكن الوضع يختلف في حالة ساكا، ربما لأن خطة آرسنال الهجومية والقوة الضاربة على الأطراف تتغيّر جذريا بغياب اللاعب الإنجليزي الشاب. تزداد صعوبة الأمر مع خبر تعرض البديل المفترض في الجناح الأيمن، رحيم سترلينج (المتعاقد معه حديثا كدعم إضافي في مركزه)، لإصابة في التدريبات ستبعده عن الملاعب لفترة طويلة أيضاً. ومن ثم، يتحتم على أرتيتا أن يبتكر حلولا مختلفة للتعويض عن أهم عنصر يمثل أحد جناحي الفريق الهجوميين.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الأقرب لسد الفراغ على الجبهة اليمنى في الوقت الحالي هو البرازيلي جابرييل مارتينيلي، الذي دخل بديلاً فورياً لساكا في مباراة كريستال بالاس التي انتهت بنتيجة 5-1 لصالح آرسنال. ففي تلك المواجهة، انتقل مارتينيلي من الجهة اليسرى إلى اليمنى، وختم اللقاء بتسجيل هدف وصناعة آخر. ورغم أنّ كريستال بالاس لا يمثل اختبارا بالغ الصعوبة مقارنة بفرق أخرى أشد وطأة، فإن لامباراة مؤشر لما يمكن لمارتينيلي أن يقدمه إذا وضع في مركز الجناح الأيمن.
والجدير بالذكر أنه سبق له أن بدأ مباراة على الجهة اليمنى حين فاز آرسنال على إيفرتون في اليوم الأخير من الموسم الماضي. وبالتالي، يمكن اعتباره خيارا جديا يجب أخذه بالحسبان.
عندما نتحدث عن مارتينيلي، فنحن أمام لاعب يمتلك، من الناحية الهجومية، حماسا ورغبة شبيهة إلى حد كبير بما يملكه ساكا من نزعة للانطلاق على الأطراف، والدخول إلى عمق مناطق الدفاع الخصم. فالإحصاءات في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسمين ونصف الماضيين، تشير إلى أنّ ساكا يحتل الصدارة في عدد المواقف الفردية (واحد ضد واحد)، ويأتي مارتينيلي ثانيا في هذا الصدد، الأمر الذي يوضح مدى التشابه النسبي في تحرّكاتهما الهجومية. بيد أن نسبة ساحقة من دقائق مارتينيلي جاءت من الجهة اليسرى، إذ لا تتجاوز مشاركاته على الطرف الأيمن 4.5 بالمئة من إجمالي دقائقه مع أرسنال في البريميرليج. وهذا يعني أنّ تغييره للموقع الأساسي قد ينطوي على بعض التحديات التكتيكية؛ لكنه يبقى خيارا متاحا، خصوصا في غياب ساكا.
من جهة أخرى، يبرز خيار آخر سد به أرتيتا ثغرة غياب ساكا سابقا، وهو إشراك جابرييل جيسوس في مركز الجناح الأيمن. فقد فعلها المدرب الإسباني بالفعل الموسم الماضي عندما افتقد اللاعب الإنجليزي في مباراة مانشستر سيتي التي حسمها آرسنال لصالحه بهدف نظيف. بيد أنّ المشكلة تكمن في أن جيسوس يتألّق مؤخرا في مركز قلب الهجوم، إذ سجل خمسة أهداف في آخر مباراتين، ما قد يثني أرتيتا عن تغييره موضعه حالياً خشية أن يفقد التوازن الهجومي في مركز رأس الحربة.
يضاف إلى ذلك، أن كلا من جيسوس ومارتينيلي هما بالأساس لاعبان يفضلان قدمهما اليمنى، بينما يملك ساكا قدما يسرى متميزة سمحت له بتقديم تناغم فريد مع أوديجارد الذي يشاطره القدم اليسرى في كثير من أوقات البناء الهجومي.
أرتيتا نفسه اعترف بتلك المعادلة، قائلا: "سوف نملك خيارات اللعب بالقدم اليمنى أو اليسرى. إذا احتجنا لذلك، سيكون لدينا ملفات وأفكار عن كيفية إعادة التوزيع بناء على خصائص المنافس. نحن نعمل على الموضوع حاليا".
بناء على ذلك، تبرز علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كان كاي هافيرتز، الذي يفضل قدمه اليسرى، مؤهلا للعب في الرواق الأيمن. وقد أشار أرتيتا في مؤتمره الصحفي إلى أنه تحدث مع عدد من اللاعبين، من بينهم هافيرتز، للوقوف على إمكانية إشغاله مراكز مختلفة، بما فيها الجناح. صحيح أن خطوة كهذه تعد جريئة لأن المراكز التي لعب فيها هافيرتز منذ قدومه من تشيلسي قبل نحو 18 شهراً اقتصرت أساساً على دور المهاجم الصريح أو صانع الألعاب خلف المهاجم، ما يعني أن مهامه المحتملة على الطرف الأيمن قد لا تسمح بالاستفادة من قدرته على الالتحام في الثنائيات المشتركة ودخول العمق. لكن يبقى كل شيء واردا في ذهن أرتيتا، خصوصا أنه شدد على أن آرسنال في هذه المرحلة قد يظهر بشكل "مختلف" عما اعتاد عليه الجمهور.
لم يغفل المدرب الإسباني أيضاً ذكر لياندرو تروسارد بين الخيارات المتاحة لتعويض ساكا على الطرف الأيمن، إذ إن اللاعب البلجيكي يعرف بقدرته على استعمال كلتا قدميه، ما يتوافق مع معايير أرتيتا. ولكن، كما هو حال مارتينيلي، يبدو أن تروسارد أكثر راحة وتألقا على الجهة اليسرى. وثمة نقطة ثانية تثير القلق: تروسارد يظهر في العادة بصورة أفضل عندما يدخل بديلا في الشوط الثاني (يطلق عليه البعض لقب البديل السوبر)، خلافا لما يحدث عندما يبدأ أساسيا، إذ إنه فشل في الاستمرار على نسق مميز عندما خاض عددا من المباريات كأساسي على الطرف الأيسر، حيث سجل هدفا واحدا فقط في خمس مباريات بدأها من تلك الجهة. ومع ذلك، قد لا يملك آرسنال ترف الاختيار، خصوصا إذا صار مارتينيلي هو الجناح الأيمن واحتاج الفريق إلى لاعب آخر يشغل الرواق الأيسر.
في ضوء هذه الصعوبات والسلبيات المصاحبة للخيارات الداخلية المتوفرة، ستثار حتما تساؤلات عما إذا كان آرسنال سيضطر للتعاقد مع لاعب جديد في فترة الانتقالات الشتوية لسد الفراغ الذي خلّفه غياب ساكا. في البداية، لم تكن لدى إدارة النادي أو مدربه خطة ملحة بخصوص التعاقدات في سوق الانتقالات الشتوية المقبلة، إذ إن التصور السائد كان أن الدخول إلى السوق لا يحدث إلا إذا وجدت فرصة للحصول على هدف صيفي قبل الموعد، أو إذا ألمت بالفريق إصابات بالغة تجعله في حاجة فورية إلى تعزيز، أو إذا فاجأ السوق بتوفر اسم كبير ضمن الرادار المحدد سلفا.
بيد أن غياب سترلينج أيضا لفترة طويلة على الجهة نفسها يزيد من الضغط على آرسنال، ذلك أن التعرض لإصابتين في نفس المركز تقريبا، يجبر الأندية عادة على إعادة النظر في خياراتها. وصرح أرتيتاهذا الأسبوع أن النادي كان يميلون أكثر للتعاقد مع مدافع جديد الشهر المقبل، بسبب ما تعرض له بن وايت وتاكاهيرو تومياسو من إصابات طويلة هذا الموسم، بدلاً من البحث عن لاعب هجومي. حيث قال المدرب: "إذا استلزم الأمر، فسنكون منفتحين على الفكرة. لكن تركيزنا الأكبر حاليا ينصب على كيفية الحفاظ على هيكل الفريق والاستفادة من الإمكانات الموجودة في هذه المجموعة".
وبالنظر إلى تجارب آرسنال السابقة في سوق الانتقالات الشتوية تحت قيادة أرتيتا، نجد تبايناتٍ في نهج النادي. فعلى سبيل المثال، نجح في ضم مارتن أوديجارد، ولياندرو تروسارد، وجورجينيو في فترات مماثلة، ولكن في أحيان أخرى لم يعمد النادي إلى تعزيز صفوفه، مكتفياً بما يملكه من عناصر، مثلما حدث شتاء العام الماضي حين اكتفى بالتشكيلة القائمة واستطاع مع ذلك إنهاء الموسم في المركز الثاني بفارق نقطتين فقط عن المتصدر.
قد يبدو التعاقد مع لاعب هجومي بحجم ماركوس راشفورد خيارا مغرياً نظرياً لو كان متاحا في السوق، لكن التاريخ والحكمة العملية تشير إلى أن أرتيتا يميل غالبا إلى التعامل مع الأسماء الموجودة لديه قبل اتخاذ قرارات دراماتيكية في منتصف الموسم.
بناء عليه، يظل المرجّح في هذه الفترة أن يحاول أرتيتا التكيّف بالاعتماد على حلول من داخل النادي، مع إجراء بعض التعديلات التكتيكية على الخطة للتخفيف من صدمة غياب ساكا، وهو لاعب أثبت أهميته ليس فقط في تسجيل الأهداف وتمريرها، بل أيضا في بناء الهجمات بدءا من الخلف، وفي استلام الكرات من عناصر خط الوسط وتخطي لاعبي الخصم على الطرف الأيمن قبل الاندماج مع أوديجارد أو الظهير. ومهما تكن الخيارات التي سيعتمدها أرتيتا لتعويض هذا الغياب، فلا شك أنّ تلك الأسابيع المقبلة ستشكّل مرحلة مفصلية وحاسمة في موسم آرسنال، إذ سيتعين على الفريق إثبات قدرته على المنافسة في الدوري، وفي البطولات الأخرى، دون ساكا، إلى أن يعود اللاعب الإنجليزي الواعد قادراً على مد الفريق بحيويته المعتادة.
ففي عرف الكثيرين ممن يتابعون النادي اللندني العريق، يبدو أنّ ساكا يجسد المعنى الحقيقي للاعب الذي يتمتع بقدرة هائلة على تحمل ضغط المباريات المتتالية، مع صعوبة استبداله أو تعويضه بنفس الجودة، نظرا لأهميته الفنيّة والتكتيكية، فضلا عن موهبته اللافتة التي منحت المدرب ميكيل أرتيتا أسبابا وجيهة للاعتماد الدائم عليه.
كان أرتيتا يعيش فترة مريحة نسبيا في المواسم السابقة من ناحية عدم تعرض لاعبه الأساسي لإصابات طويلة الأمد، إذ استطاع ساكا طوال السنوات الماضية أن يتجنب حظوظ الغياب الطويل ويقدم مستويات جعلت منه أحد الأعمدة الرئيسة للفريق.
وفي الأرقام ما يؤكد ذلك بكل وضوح. فعلى مدى المواسم الثلاثة الماضية، لم يغب ساكا سوى عن عشرة لقاءات فقط من بين 172 مباراة خاضها آرسنال على مختلف الصعد والمسابقات (الدوري الإنجليزي الممتاز، كأس الاتحاد الإنجليزي، كأس الرابطة، والبطولات الأوروبية). بل وأكثر من ذلك، منذ أن شارك للمرة الأولى في الدوري الإنجليزي الممتاز قبل ستة مواسم، لم يحدث أن غاب لأكثر من مباراة واحدة متتالية في منافسات البريميرليج بسبب الإصابة. وتلك الإحصاءات تظهر مدى تحمّل ساكا وصلابته البدنية وقدرته الواضحة على التواجد الدائم.
ولأن آرسنال بشكل عام لا يعتاد على خوض المباريات دون وجود ساكا متاحا في التشكيل، فإن الوضع الراهن يبدو صعباً نوعاً ما، في ظل تعرض النجم الإنجليزي لإصابة في أوتار الركبة، والتي ستبعده عن الملاعب لفترة توصف بأنها "أسابيع عديدة" حسب البيان الصادر عن النادي.
هذه الضربة القاسية أثارت قلق الجميع في النادي وبين أنصار آرسنال، وذلك لأنّ هذا الغياب يمسّ عنصراً رئيساً يعتمد عليه الفريق في تنفيذ إستراتيجية المدرب أرتيتا على أرض الملعب.
لا تكمن أهمية ساكا في مهاراته الفردية فقط أو في تكتيكه وقدرته على المراوغة وتمرير الكرات الحاسمة وتسجيل الأهداف، بل أيضا في اعتمادية الفريق الشاملة عليه. فلو جرى فحص الأرقام الفنية لهذا اللاعب، سنكتشف أنّه يتفوق على معظم زملائه في ما يتعلق بالمساهمة المباشرة بالأهداف (من حيث التسجيل والصناعة).
وفي نطاق الدوري الإنجليزي الممتاز بأكمله، لا ينافسه الكثير من اللاعبين في مقدار التأثير الذي يخلفه على نتائج فريقه. لكن دور ساكا لا يتوقف عند حدود الناحية الهجومية فقط؛ فهو يمثل محورا مفصليا في طريقة تحضير آرسنال وتقدّمه بالكرة من الخلف إلى الأمام، خصوصاً أنه على مدى المواسم الأربعة السابقة، إذا قمنا بحساب إجمالي الدقائق التي شارك فيها ثلاثي الهجوم الأساسي في آرسنال، فسنجد أن دقائق ساكا تجاوزت مجموع الدقائق التي قضاها اللاعبان الأكثر مشاركة بعده في مركز الهجوم.
وفضلا عن ذلك، يكلف ساكا بمسؤوليات إضافية لا تقل أهميّة في الكرات الثابتة والركلات الركنية، وذلك جنبا إلى جنب مع ديكلان رايس. وقد أظهر آرسنال هذا الموسم وحتى المواسم الماضية، براعة ملحوظة في استغلال الكرات الثابتة، ما جعله في مقدمة الأندية الأوروبية من حيث تسجيل الأهداف من المواقف الثابتة أو صناعتها بطريقة تصعب على الخصوم الدفاع بكفاءة.
ولعل المنهجية الهجومية التي يتبعها آرسنال توضح مدى اعتماده على الجبهة اليمنى التي تشكل "إقليم ساكا" إن صح التعبير؛ فبحسب الأرقام، تتركز قرابة خمسين بالمئة من هجمات الفريق في النصف الهجومي الأيمن من الملعب، أي في المنطقة التي يبدع ساكا فيها. وهذه النسبة ظلت تتصاعد في كل موسم؛ فمثلا هذا الموسم، 46 بالمائة من هجمات آرسنال تأتي عبر الطرف الأيمن، وهي أعلى نسبة اعتماد على أحد الجانبين بين كل أندية الدوري الإنجليزي الممتاز.
لم يكن غريبا أن يعبر أرتيتا، في تصريحاتٍ سابقة، عن حجم ما يعنيه ساكا للفريق بالقول: "إنه لاعب هائل بالنسبة إلينا. عليك أن ترى ببساطة تأثيره الكبير في أداء هذا الفريق؛ لكن في الوقت نفسه، سيكون علينا اعتبار هذا الغياب تحديا جديدا وجيداً لتطوير أساليبنا، لأننا واجهنا الكثير من الصعوبات منذ بداية الموسم، وتغلبنا على العديد منها".
وبنبرةٍ تعكس الإصرار، أضاف أرتيتا: "أعمل الآن على وضع بعض الأفكار، ولم أتوصل إلى قرار نهائي بعد. أريد أن أتواصل مع اللاعبين كي نعرف تماما كيف يمكننا التعامل مع هذا الموقف بشكل إيجابي. قد يعني هذا أننا سنبدو مختلفين عن المعتاد".
ويشير هذا التصريح إلى أن غياب ساكا يدفع المدرب إلى إعادة النظر في الأسلوب المتبع، خصوصا أنّه سبق لآرسنال أن خسر خدمات القائد مارتن أوديجارد في وقت سابق من الموسم لستة أسابيع. ومع ذلك، لم يضطر أرتيتا حينها إلى تبديل طريقة لعبه بشكل جذري، إذ استطاع إيجاد البدائل والتوليفات المناسبة لفترة غياب صانع ألعابه المميز.
لكن الوضع يختلف في حالة ساكا، ربما لأن خطة آرسنال الهجومية والقوة الضاربة على الأطراف تتغيّر جذريا بغياب اللاعب الإنجليزي الشاب. تزداد صعوبة الأمر مع خبر تعرض البديل المفترض في الجناح الأيمن، رحيم سترلينج (المتعاقد معه حديثا كدعم إضافي في مركزه)، لإصابة في التدريبات ستبعده عن الملاعب لفترة طويلة أيضاً. ومن ثم، يتحتم على أرتيتا أن يبتكر حلولا مختلفة للتعويض عن أهم عنصر يمثل أحد جناحي الفريق الهجوميين.
في ضوء هذه المعطيات، يبدو أن الأقرب لسد الفراغ على الجبهة اليمنى في الوقت الحالي هو البرازيلي جابرييل مارتينيلي، الذي دخل بديلاً فورياً لساكا في مباراة كريستال بالاس التي انتهت بنتيجة 5-1 لصالح آرسنال. ففي تلك المواجهة، انتقل مارتينيلي من الجهة اليسرى إلى اليمنى، وختم اللقاء بتسجيل هدف وصناعة آخر. ورغم أنّ كريستال بالاس لا يمثل اختبارا بالغ الصعوبة مقارنة بفرق أخرى أشد وطأة، فإن لامباراة مؤشر لما يمكن لمارتينيلي أن يقدمه إذا وضع في مركز الجناح الأيمن.
والجدير بالذكر أنه سبق له أن بدأ مباراة على الجهة اليمنى حين فاز آرسنال على إيفرتون في اليوم الأخير من الموسم الماضي. وبالتالي، يمكن اعتباره خيارا جديا يجب أخذه بالحسبان.
عندما نتحدث عن مارتينيلي، فنحن أمام لاعب يمتلك، من الناحية الهجومية، حماسا ورغبة شبيهة إلى حد كبير بما يملكه ساكا من نزعة للانطلاق على الأطراف، والدخول إلى عمق مناطق الدفاع الخصم. فالإحصاءات في الدوري الإنجليزي الممتاز خلال الموسمين ونصف الماضيين، تشير إلى أنّ ساكا يحتل الصدارة في عدد المواقف الفردية (واحد ضد واحد)، ويأتي مارتينيلي ثانيا في هذا الصدد، الأمر الذي يوضح مدى التشابه النسبي في تحرّكاتهما الهجومية. بيد أن نسبة ساحقة من دقائق مارتينيلي جاءت من الجهة اليسرى، إذ لا تتجاوز مشاركاته على الطرف الأيمن 4.5 بالمئة من إجمالي دقائقه مع أرسنال في البريميرليج. وهذا يعني أنّ تغييره للموقع الأساسي قد ينطوي على بعض التحديات التكتيكية؛ لكنه يبقى خيارا متاحا، خصوصا في غياب ساكا.
من جهة أخرى، يبرز خيار آخر سد به أرتيتا ثغرة غياب ساكا سابقا، وهو إشراك جابرييل جيسوس في مركز الجناح الأيمن. فقد فعلها المدرب الإسباني بالفعل الموسم الماضي عندما افتقد اللاعب الإنجليزي في مباراة مانشستر سيتي التي حسمها آرسنال لصالحه بهدف نظيف. بيد أنّ المشكلة تكمن في أن جيسوس يتألّق مؤخرا في مركز قلب الهجوم، إذ سجل خمسة أهداف في آخر مباراتين، ما قد يثني أرتيتا عن تغييره موضعه حالياً خشية أن يفقد التوازن الهجومي في مركز رأس الحربة.
يضاف إلى ذلك، أن كلا من جيسوس ومارتينيلي هما بالأساس لاعبان يفضلان قدمهما اليمنى، بينما يملك ساكا قدما يسرى متميزة سمحت له بتقديم تناغم فريد مع أوديجارد الذي يشاطره القدم اليسرى في كثير من أوقات البناء الهجومي.
أرتيتا نفسه اعترف بتلك المعادلة، قائلا: "سوف نملك خيارات اللعب بالقدم اليمنى أو اليسرى. إذا احتجنا لذلك، سيكون لدينا ملفات وأفكار عن كيفية إعادة التوزيع بناء على خصائص المنافس. نحن نعمل على الموضوع حاليا".
بناء على ذلك، تبرز علامة استفهام كبيرة حول ما إذا كان كاي هافيرتز، الذي يفضل قدمه اليسرى، مؤهلا للعب في الرواق الأيمن. وقد أشار أرتيتا في مؤتمره الصحفي إلى أنه تحدث مع عدد من اللاعبين، من بينهم هافيرتز، للوقوف على إمكانية إشغاله مراكز مختلفة، بما فيها الجناح. صحيح أن خطوة كهذه تعد جريئة لأن المراكز التي لعب فيها هافيرتز منذ قدومه من تشيلسي قبل نحو 18 شهراً اقتصرت أساساً على دور المهاجم الصريح أو صانع الألعاب خلف المهاجم، ما يعني أن مهامه المحتملة على الطرف الأيمن قد لا تسمح بالاستفادة من قدرته على الالتحام في الثنائيات المشتركة ودخول العمق. لكن يبقى كل شيء واردا في ذهن أرتيتا، خصوصا أنه شدد على أن آرسنال في هذه المرحلة قد يظهر بشكل "مختلف" عما اعتاد عليه الجمهور.
لم يغفل المدرب الإسباني أيضاً ذكر لياندرو تروسارد بين الخيارات المتاحة لتعويض ساكا على الطرف الأيمن، إذ إن اللاعب البلجيكي يعرف بقدرته على استعمال كلتا قدميه، ما يتوافق مع معايير أرتيتا. ولكن، كما هو حال مارتينيلي، يبدو أن تروسارد أكثر راحة وتألقا على الجهة اليسرى. وثمة نقطة ثانية تثير القلق: تروسارد يظهر في العادة بصورة أفضل عندما يدخل بديلا في الشوط الثاني (يطلق عليه البعض لقب البديل السوبر)، خلافا لما يحدث عندما يبدأ أساسيا، إذ إنه فشل في الاستمرار على نسق مميز عندما خاض عددا من المباريات كأساسي على الطرف الأيسر، حيث سجل هدفا واحدا فقط في خمس مباريات بدأها من تلك الجهة. ومع ذلك، قد لا يملك آرسنال ترف الاختيار، خصوصا إذا صار مارتينيلي هو الجناح الأيمن واحتاج الفريق إلى لاعب آخر يشغل الرواق الأيسر.
في ضوء هذه الصعوبات والسلبيات المصاحبة للخيارات الداخلية المتوفرة، ستثار حتما تساؤلات عما إذا كان آرسنال سيضطر للتعاقد مع لاعب جديد في فترة الانتقالات الشتوية لسد الفراغ الذي خلّفه غياب ساكا. في البداية، لم تكن لدى إدارة النادي أو مدربه خطة ملحة بخصوص التعاقدات في سوق الانتقالات الشتوية المقبلة، إذ إن التصور السائد كان أن الدخول إلى السوق لا يحدث إلا إذا وجدت فرصة للحصول على هدف صيفي قبل الموعد، أو إذا ألمت بالفريق إصابات بالغة تجعله في حاجة فورية إلى تعزيز، أو إذا فاجأ السوق بتوفر اسم كبير ضمن الرادار المحدد سلفا.
بيد أن غياب سترلينج أيضا لفترة طويلة على الجهة نفسها يزيد من الضغط على آرسنال، ذلك أن التعرض لإصابتين في نفس المركز تقريبا، يجبر الأندية عادة على إعادة النظر في خياراتها. وصرح أرتيتاهذا الأسبوع أن النادي كان يميلون أكثر للتعاقد مع مدافع جديد الشهر المقبل، بسبب ما تعرض له بن وايت وتاكاهيرو تومياسو من إصابات طويلة هذا الموسم، بدلاً من البحث عن لاعب هجومي. حيث قال المدرب: "إذا استلزم الأمر، فسنكون منفتحين على الفكرة. لكن تركيزنا الأكبر حاليا ينصب على كيفية الحفاظ على هيكل الفريق والاستفادة من الإمكانات الموجودة في هذه المجموعة".
وبالنظر إلى تجارب آرسنال السابقة في سوق الانتقالات الشتوية تحت قيادة أرتيتا، نجد تبايناتٍ في نهج النادي. فعلى سبيل المثال، نجح في ضم مارتن أوديجارد، ولياندرو تروسارد، وجورجينيو في فترات مماثلة، ولكن في أحيان أخرى لم يعمد النادي إلى تعزيز صفوفه، مكتفياً بما يملكه من عناصر، مثلما حدث شتاء العام الماضي حين اكتفى بالتشكيلة القائمة واستطاع مع ذلك إنهاء الموسم في المركز الثاني بفارق نقطتين فقط عن المتصدر.
قد يبدو التعاقد مع لاعب هجومي بحجم ماركوس راشفورد خيارا مغرياً نظرياً لو كان متاحا في السوق، لكن التاريخ والحكمة العملية تشير إلى أن أرتيتا يميل غالبا إلى التعامل مع الأسماء الموجودة لديه قبل اتخاذ قرارات دراماتيكية في منتصف الموسم.
بناء عليه، يظل المرجّح في هذه الفترة أن يحاول أرتيتا التكيّف بالاعتماد على حلول من داخل النادي، مع إجراء بعض التعديلات التكتيكية على الخطة للتخفيف من صدمة غياب ساكا، وهو لاعب أثبت أهميته ليس فقط في تسجيل الأهداف وتمريرها، بل أيضا في بناء الهجمات بدءا من الخلف، وفي استلام الكرات من عناصر خط الوسط وتخطي لاعبي الخصم على الطرف الأيمن قبل الاندماج مع أوديجارد أو الظهير. ومهما تكن الخيارات التي سيعتمدها أرتيتا لتعويض هذا الغياب، فلا شك أنّ تلك الأسابيع المقبلة ستشكّل مرحلة مفصلية وحاسمة في موسم آرسنال، إذ سيتعين على الفريق إثبات قدرته على المنافسة في الدوري، وفي البطولات الأخرى، دون ساكا، إلى أن يعود اللاعب الإنجليزي الواعد قادراً على مد الفريق بحيويته المعتادة.
0 تعليق